الرواية السعودية.. دراما فاشلة لأول مرة في التاريخ.. جهاز مخابرات يقوم بعملية اغتيال سرية فيعلم بها جميع سكان الأرض
صاحبة الجلالة – ماهر عثمان جرت العادة عند قيام أي جهاز استخبارات في العالم بأي عملية اغتيال "سرية" ألا يكشفها أحد حتى تظهر وثائقها بعد سنين طويلة إلى العلن أو بأضعف الإيمان إذا كان ذلك الجهاز ضعيفا ألا تتبين خيوطها إلا بعد مضي أسابيع أو أشهر.. لكن قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا قلبت تلك الموازين حيث سيسجل التاريخ ولأول مرة أن جهاز مخابرات قام بعملية اغتيال سرية فعلم بها جميع سكان الأرض خلال أيام. خاشقجي الذي لم يوفر منبرا خلال السنوات الماضية للتحريض على سورية وأهلها ودعم الارهابيين والتغطية على جرائمهم ومجازرهم اللا إنسانية ضد الشعب السوري في إطار الحملة الإعلامية التي شنتها مملكته لإظهار "الدواعش" بصفة المعتدلين .. لم يتخيل أن يأتيه يوم "يذوق فيه الذبح والتقطيع والتمثيل بجثته" من الذين خدمهم بإخلاص ودافع عنهم خلافا للضمير الإنساني طيلة السنوات الثمانية الماضية. عملية الاغتيال تلك التي خرجت السعودية أخيرا عن صمتها إزائها جراء الضغوط الدولية وأوضحتها ببيان قالت فيه " أن الصحافي السعودي قتل داخل القنصلية في اسطنبول إثر شجار".. كانت دراما فاشلة سيئة الإعداد والإخراج بآن احد حيث لم يقتنع بها القريب قبل الغريب حيث أثارت موجة كبيرة من السخرية من المغردين السعوديين الذين تساءلوا عن جثة خاشقجي وأين اختفت .؟ وهل يمكن لشجار أن يصل لمرحلة التمثيل بالجثة وإخفاء جميع معالمها..؟ فيما شكك "الغريب" أي أعضاء في الكونغرس الأميركي بتفسير المدعي العام السعودي بأن شجاراً اندلع بين خاشقجي وأشخاص التقوا به في القنصلية السعودية في اسطنبول حيث قال السناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال لشبكة تلفزيون "سي.إن.إن" أن التفسير السعودي "يصعب تصديقه" ودعا إلى تحقيق دولي في ملابسات موت خاشقجي". وتساءل النائبُ الديمقراطي وعضو لجنة الاستخبارات اريك سوالويل.. أين الجثة؟ وقال : من قبض على 18 متهمًا وأخرج الحقيقة إلى العلن.. قادر على الافراج عن الجثة أو الإشارة إلى مكانها . الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولغاية " في نفس يعقوب" أعرب عن ثقته بتلك الدراما السعودية واعتبرها معقولة ما يعكس وجود صفقة ما تم إبرامها في الكواليس للتغطية على القضية التي تغلبت فيها المليارات على الإدانات مقابل إيجاد "كبش فداء" يتحمل المسؤولية عن أصحاب قرار الاغتيال الحقيقيين وهذا ما تم بالفعل اليوم بأمر ملكي يقضي بإعفاء كل من سعود القحطاني المستشار برتبة وزير في الديوان الملكي و نائب رئيس الاستخبارات السعودية العامة أحمد عسيري و اللواء محمد الرميح مساعد رئيس الاستخبارات لشؤون الاستخبارات و اللواء عبد الله الشايع مساعد رئيس الاستخبارات لشؤون الموارد البشرية و اللواء رشاد المحمادي مدير الامن والحماية في رئاسة الاستخبارات. وما يؤكد أن "معقولية" الرواية السعودية لدى ترامب مردها مليارات الدولارات باعتبارها اللغة الوحيدة التي يتعاطى فيها الرئيس الأمريكي ويؤمن بها ، أن الحليف الوثيق له السناتور الجمهوري لينزي غراهام خالفه في تغريدة له على تويتر حيث قال: "إن القول بأنني متشكك في الرواية السعودية الجديدة سيكون من قبيل تبسيط الأمور" موضحا أنهم أكدوا في البداية أن خاشقجي غادر القنصلية ونفوا بشكل قاطع أن يكون هناك أي تورط سعودي ليذهبوا الآن بالقول " إن مشاجرة اندلعت وأنه قتل في القنصلية وكل هذا بغير علم ولي العهد.. وبالتالي يصعب تصديق هذا التفسير الأخير". وفي نهاية المطاف وفي خضم هذا الحجم الكبير من الكذب والتضليل تبقى هناك حقيقة واحدة راسخة مفادها أن الإدارة الأميركية لن تتخلى عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تعتمد عليه في جزء بارز من سياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط ..وأن العسيري رجل الاستخبارات الأول في السعودية لم يكن ليجرؤ على تنفيذ تلك العملية بدون علم وأمر مباشر من سلمان.