بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

انحراف قلم

الاثنين 08-05-2017 - نشر 8 سنة - 5928 قراءة

   كانت الكلمةُ بدايةَ الإنسان؛ لأنه بالكلمة أصبح الإنسان إنسانًا

   ويل ديورانت

يَنتابُني ذلك الشعور بالذهول المُمتزِج بالضيق كلما تأمَلتُ حالَ أقلامِنا العربية المعاصرة وما وصلت إليه من هُزال وتدنٍّ! دائمًا ما يَقترنُ بذلك الحِسِّ فيضٌ لا نهائي من التساؤلات كـالتى تشبه: كيف وصلنا لهذه الحالة؟ لماذا تلاشَت قوى أقلامنا هكذا؟! من المسئول عن ذلك؟ وهل توجد احتمالية كونِه مُوجهًا من قِبل أحدٍ ما؟

كيف اتسَخَت المُمحاة التي كانت – دائمًا وأبدًا – ما تزيل خبث السينما والإعلام، وتبدلت بحد ذاتها إلى أداة فَعَّالة لتسويد العقول وعَصْبِ الأعيُن عن كل ما يحمله واقعنا من آسى ومرار؟ هل حقًّا لا يُجيد كُتَّابُنا تلقيمَ أقلامِهم، أم أنهم اعتادوا كونِهم مرتزقة؟ هل حقًا يعي أحدهم قوة ما يضعه بين إصبعيه؟

قوة الكَلمة

دائمًا مَّا كنتُ مؤمنًا بأن «للكَلمة .. الكَلمة الأولى». فلَم تَكتسب الكلمة قوتَها وسحرها منذ معرفة الكتابة فقط، أو حتى مُنذ بِدايةِ التاريخ المكتوب، بل امتد بها ذلك منذ الأزل!

بدأ كل شيء بِتَعَلُّمِ آدمَ الكلمةَ، فـأصبحنا نفكر باستخدام كلمة بجِوار كلمة. صرخت كلماتنا على جدران كهوفنا بـأنا هنا؛ فعبرَّنا عن وجودِنا بالكلمة .. هَمَّت التِجارة بالتَطور بعد حِفظ الكلمة … فتبادَلنا ثقافاتنا وشَيدنا حضاراتنا وأرَّخنا ما مررنا به بالكلمة .. والأعظم من ذلك كله أن الوحي قد نَزَل على رُسلنا بالكلمة.

بها تَبَدلت أفكارنا، هي من كَتَبت ومَحَيَتْ خرفاتنا. بالكلمة أشتَعلت وأخمدت الثَورات .. زُلزِلت العُروش .. وألهبت الجيوش وتَفَرْعَنت الفَراعِنة.

فإن وُجِد شيء بعالمنا هذا يَستحق أن يُطلق عليه لفظ خارق، فأظن أنه من العدل إطلاقه على (الكلمة).

صِراعٌ دائمٌ!

بنظرة سريعة على التاريخ أيقنت تمامًا أنه لم يُخشى أي نِظام على مَرِّ التاريخ شىء بقدر خَشيتهم من سحر الكلمة وتأثيرها، ولَم أقصد هُنا بلفظة نِظام النظام السياسي فقط، بل أعني بها أيضًا الأنظمة الدينية والاقتصادية والاجتماعية على اختلاف أفكارها، وبكافة طوائفها ومعتقداتها، وأيضًا تلك العادات المتوارثة، والتي تتحول بمرور الوقت إلى ثوابتَ بمضمون الضمير.

لا شك هُنا أن تلك الأنظمة كانت ولا تزالُ فى خانة المُسيطر منذ أول حجر بالمدنية، وحتى يومنا هذا.

فطالما كنتُ مؤمنًا بأن كلَّ مَوجودٍ، إما أن يكون مُسيطِرًا، أو مُسيطَرًا عليه؛ فكل علاقة بين طَرفين هي عبارة عن صراعٍ دائم لانتزاع السيطرة، أو الحِفاظ عليها.

إني أُسيطرُ ويُسَيطَرُ عليَّ . أسْتَحوَذُ على أشياءَ، وقد تسْتَحوذني أشياءُ أخرى. ويَظل أكثر ما يُفزعني أن يكون مَن يقودُني خارج حدود إدراكي.

أن يسعي كل مسيطر إلى تشكيل شخصية من يُسيطر عليه .. تطويعها كما يحلو له، يكمن ذلك برغبته في الحفاظ على مكانته كمسيطر ومكانة الآخرينَ كمسيطر عليهم.

وبالتأكيد لن يتم ذلك، إلا بتصدير أفكار وحجب أفكار أخرى. ولا أعلم ما إذا كان ذلك شيئًا جيدًا أم سيئًا؛ فأحيانًا تطويع شخصية المُسطير عليه يمكن أن يوجَّهَ؛ ليصبحَ واعيًا مثقفًا وراقيًا، ومن هنا أعتقد أن قوةَ الكلمةِ سلاحٌ ذو حدين.

فإن كنتَ راويًا تَخْتَلِقُ شخصياتٍ لروايتكَ الجديدة، فحتمًا لن تكون راضيًا إذا عبث أحدهم بسمات شخصياتك؛ فقد تفسد حبكتك، فيجب أن تكون المُسيطر دائمًا، ومن هذا المُنْطَلَقِ -وبحسن النوايا- يُصنع ديكتاتورُ دولةٍ كما يَصنع «سي السيد» مَنْزِلًا!

يمكننا هنا أن نرصد أول محاولة لأسر الأفكار بالتاريخ، كان ذلك بالمُجتمعات القديمة فى روما، عندما أُطلق مُصطلحُ الرقابة لأول مرة عام 443 قبل الميلاد. ولا يُمكنني أن أذكر الرقابة دون أن ذكر الحكم على سقراط بشرب السم عام 399 قبل الميلاد لاتهامه بإفساد عقول الشباب عن طريق أفكاره ومعرفته .. ولا أنسى أيضًا واقعة محاكمة جاليليو؛ بسبب أفكاره المتعلقة بمركزية الشمس، والتى كانت تُعارض أفكار الكنيسة آنَذاك!

ببعدها تصاعدت حدة الرقابة لتُبيح حرق كل كتاب مُعارض للكنسية وامتد ذلك أيضًا لحرق كُتَّابِها أيضًا بمحاكم التفتيش!

ومع اختراع المطبعة فى أوروبا – في القرن الخامس عشر – زاد الحاجة إلى الرقابة أكثر فأكثر، فأصبحت الكتب ساحة معركة دينية! فساعد ذلك الكنيسة الكاثولوكية ورسالتها، وساعد – أيضًا – ذلك الفكرُ البروتوستانتيُّ بالانتشار.

فدائمًا ما تكون الكلمة على مسافة واحدة من أي طرف.

بعام 1543 ميلاديًا قررت الكنيسة الكاثولوكية بأنه لا يُمكن طباعة أي كتاب إلا بإذن منها! وتطور الأمر أكثر بفرنسا حين أُصدِرَ مرسومًا يُحظر به طبع أي شئٍ دون إذن خاصٍّ من الملك شخصيًا!

كما تم استخدام الرقابة في كافة الحروب الحديثة بغرض شيطنة العدو، فالحقيقة يجب أن تكون الضحية الأولي بالحرب. فأصاب بالغثيان كلما شاهدت وثائقيات أمريكية ما زالت تبرر جريمتَي: هيروشيما، وناجازاكي، بأنهما كانتا لإنهاء الحرب، ومنع وقوع ضحايا أكثرَ!

تُعَدُّ تلك اللمحات هي الأكثر تداولًا بين المؤرخين، بالإضافة أيضًا لأطول فترة رقابة بأوروبا بالقرن العشرين، والتي كانت بالاتحادِ السوڤيتيِّ.

ولكننا هنا أمام محارق ثقافية من نوع آخر .. تدمير كتبنا بدون حرقها. صُنع مُخدر جديد يُمَكِّنُ مُستحوذنا مِنَّا. لا شيء يُحاوِطُنا الآن غيرُ السوء.

إعلام السوء .. سينما السوء .. والآنَ يَجِبُ أَنْ نُّرحبَ بالوافدِ الجديدِ: أدبُ السُّوءِ!

ولذلك أَجِدُ قلميَ مُرغمًا – بالوقوفِ كثيرًا أمامَ تلك الفاجعة وأسبابها – يقف الآن هو مُتأهبًا؛ لِيُدَوِّنَ: لماذا انحرفَ بنو جِنْسِهِ؟!

 

هافنغتون بوست


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية