بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

التهاني والواجب عبر التواصل الاجتماعي بين الماضي والحاضر أصبحت السرعة واللامبالاة هي الأساس في رسائل العيد وتمنياته  

الاثنين 20-08-2018 - نشر 6 سنة - 1571 قراءة

  كلما اقتربنا من الحداثة والعصرنة، اتجهنا نحو السرعة الاختصار وما يتبعه من تبلّد بالمشاعر واللا مبالاة، فالحميمية في أيامنا أصبحت باردة، والأشواق مزيفة، وحتى اللهفة أصبحت متصنعة ومتكلفة، والكل ماض نحو القيام بما نسميه «الواجب» بعيداً عن المحبة الدافعة، ويمكنكم ملاحظة بعضنا وهم يقولون معتدين جداً بأنفسهم «ما يهمني أنني قمت بالواجب». ولكن السؤال اليوم ماذا عن الأسباب الأساسية التي هي المحرك والباعث لهذا الواجب، أين الأواصر الاجتماعية منا اليوم؟ أين العلاقات الاجتماعية التي نفاضل بها أنفسنا كشعوب عربية عن المجتمعات الغربية الباردة والمتفككة؟ أين صلة الأرحام ونحن يجب أن نتمسك بإنسانيتنا لكوننا نخرج من حرب مدمرة؟ الأسئلة كثيرة ومتنوعة والدافع لها هو اقترابنا من عيد الأضحى المبارك، فواجب التهنئة بحلول العيد دوافعه تغيرت، وحتى الأسلوب في التهنئة تغير، وكيف نقضي أوقاتنا مع من هم يجب أن يكونوا أعز الناس وأقربهم، وللحديث أكثر عن هذا الموضوع نتوقف في تحقيقنا هذا مع العديد من النماذج الاجتماعية.   النسخ أو إعادة الإرسال فئة كبيرة من الشباب السوري تعتبر أن فقدان الرابط الاجتماعي في العلاقات يعود إلى الإلهام الذي تسببه وسائل التواصل الاجتماعي والالتصاق بها والاعتماد عليها لكونها الوسيلة الأسرع في التواصل. وفي جولة لنا أشارت الطالبة (بشرى) وهي في السنة الرابعة في كلية الهندسة، إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي ولكن ليس كمتحكم في العلاقات أو البديل عن المجتمع الحقيقي بالمجتمع الافتراضي، وتتابع «أكثر ما يستفزني في العيد هو إرسال أصدقائي المقربين لي عبارات التهنئة المنسوخة والملصقة وحتى الصور التي يعاد إرسالها، وسبب انزعاجي كوني أجدها فارغة المضمون على الرغم من أنها تحمل الكثير من العبارات اللطيفة والأمنيات مع حلول العيد، وبصراحة أجد فيها كثرة غلبة فهي تربكني في مساحة الذاكرة في الموبايل، وأتمنى لو أن بين الأصدقاء ثمة من يتصل بي كي نتبادل الأحاديث، فالأمر يكون ممتعاً أكثر وبصراحة يكون طبيعياً أكثر». في حين اعتبر زميلها (قيس) وهو في السنة الدراسية نفسها بأن تهاني العيد باردة وخالية من صدق المشاعر وبرأيه يعود السبب لوسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً أنه «في أيامنا هذه نحن نفقد متعة كل شيء، فالحداثة أمر جميل وأن يكون المرء متطورا وعصريا ليس بالأمر الضار إن بقي محافظا على إنسانيته، ولكن للأسف نحن بعكس الغرب، وأحب أن أشير إلى أنه بسبب عمل والدي الكثير الترحال والسفر وتنقلنا في عدة أماكن من العالم، لهذا وجدت حقا أن أهل الغرب اخترعوا الشبكة العنكبوتية ولكن نحن المحبوسون فيها، فاستغلالنا واستخدامنا لها أعتبره مرضِيا بعكسهم تماما، وبالعودة إلى موضوع حديثنا الأساسي أنا أتذكر الأعياد عندما كنا صغاراً، الألفة والمحبة كانتا تدفعاننا للذهاب أو الاتصال بالأقارب والأصدقاء، على حين اليوم وبصراحة أصبحنا نختصر كثيراً هذه الواجبات، والأمر المضحك أن أصدقائي مثلا على الفيس بوك يجمعون كل أسمائنا ويختصرون العيد في معايدة واحدة، أو مثلا يرسلون معايدة واحدة للجميع، وأحب أن أشير إلى أنني لا أقول إنني لا أشبههم بل أصبحت أبادلهم التهنئة ذاتها ولا أكلف نفسي عناء الاتصال».   رقم واختصار وقت على حين أن (حسام) وهو شاب في الثلاثين من العمر ومجاز من كلية الاقتصاد ويعمل في أحد المصارف الخاصة، اعتبر نفسه رقما ليس أكثر ولا أقل، فالرسائل يرسلها الأصدقاء عبر النسخ أو اللصق أو إعادة الإرسال إلى المجموعة، ويضيف «أنا أعتبر نفسي رقما لأن هذه النوعية من الرسائل وطريقة الإرسال تلغي حالة الخصوصية والاهتمام بين الأشخاص، فنحن مجموعة من المتلقين لا أكثر ولا أقل، حتى إنني بصراحة لا أعير هذه الرسائل أي اهتمام، وألغيها فور وصولها، فمن حقا مهتم بي يتصل بي مباشرة أو يسعى كي نلتقي ونحتفل بحلول العيد. أحب أن أضيف إن حياتنا الاجتماعية تذهب نحو الاختصار والأسهل، من دون أي مشاعر إنسانية. وبالمقابل أنا أبتعد عن نوعية كهذه من العلاقات بل على العكس في العيد أجتمع مع العائلة، والأيام الأولى مخصصة للقائهم على حين باقي أيام العيد هي للقاء الأصدقاء. والحمد لله الأوضاع في سورية تذهب إلى تحسن وأصبح بإمكاننا أن نعيش ونمارس نشاطاتنا الاجتماعية بشكل طبيعي بل أنا أشعر بالكثير من السعادة لأننا سنمضي وقتا ممتعا مع أشخاص يبادلوننا الاهتمام والمشاعر». هناك بعض الأشخاص يجدون في أسلوب كهذا بالتعامل جانباً مشرقاً، بمعنى أنه يختصر الوقت وحتى الجهد، والمشرق بالموضوع أنهم أشخاص بالفعل جادون ويستغلون وسائل التواصل الاجتماعي رغم سهولة التعبير والسرعة من خلالها، ولكن عبر التنوع الذي شرح عنه (مازن) وهو خريج كلية الفنون الجميلة ويحب الكمبيوتر وكل ما يتعلق بالتكنولوجيا والفن قائلاً: «أنا لا أجد الأمر سيئا لكوننا نستفيد من التكنولوجيا، بل أجد الأمر ممتعاً وحتى من أتواصل معهم يبادلونني المشاعر والاهتمام، ولكن الفكرة في أنني أبتكر رسائلي الخاصة بالمفردات والتعابير والتهاني وحتى الرسومات والصور، أو الرسائل النصية، وأرسلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي «فيس بوك وتويتر»، إلى جانب بعض تطبيقات الجوالات مثل «واتس أب وتيليغرام»، إذا هي ليست في نسخة واحدة أرسلها للجميع، على العكس أكون قد قمت بتحضير العديد من النماذج وأعمل عليها وأجهزها وأرسلها للعيد، ربما حسي الفني ومتعتي باستخدام التقنيات والفوتوشوب وأيضاً حسي الفكاهي والأهم طبيعة علاقتي بأصدقائي وأقرباء من أولاد عمومي وأخوالي وخالاتي، هو السبب في هذه العاطفة وهذه المتعة، وبصدق أصبحت عادة لديهم أنهم ينتظرون التهاني كل عيد، بل ويرسلونها إلى أصدقائهم وأقربائهم الخاصيّن، ما يعني بالنهاية أن ما أقوم به هو أمر مميز ويسعد الآخرين، لهذا أنا سعيد بما أقوم به».   فردانية وعزلة في كلمة لأهل الاختصاص عبرت السيدة (عبلة. ص) وهي اختصاصية ومجازة في علم اجتماع، عن تغيّر أطباع البشر بتغيّر الظروف والوسائل المحيطة، مشيرة إلى أن العائلات استعاضت عن الزيارات العائلية بالاتصالات الهاتفية في الوقت الذي لم تنشط به بعد وسائل التواصل الاجتماعي الأخيرة التي أصبحت القناة الأولى للتهنئة بحلول العيد عبر إرسال الصور والمقاطع الصوتية والأغاني وإلى ما هنالك من تهنئات متنوعة، ولكن الاختصاصية في علم الاجتماع ركزت على أن هذه المظاهر تنبئ بخطر كبير أسمته العزلة والانفراد الاجتماعي، حيث تقول: «الظروف والإساءة إلى الآخر بنتيجتها أصبحنا نعاني ما يمكنني تسميته ضحالة ثقافة الاحتكاك الاجتماعي وقلة التواصل مع الآخر في المجتمع، الذي أخذ يتجه في علاقاته نحو الانعزال، هذا بسبب الاستعلاء، وعدم الشعور بالانتماء العائلي أو الوظيفي وغيره، وكلها بسبب اللامبالاة الواضحة والمباشرة تجاه التعامل البشري بين الناس سواء على صعيد العائلات وحتى على صعيد العمل الوظيفي، والناتج بالطبع عن تراجع الوعي والإحساس بالمسؤولية، ومرتبط أيضاً بانعدام الثقة بالنفس أولا ومن ثم بالآخر، ولا يمكننا تجاهل الظروف التي كانت مسبباً في كثير من هذه الرواسب النفسية، فعدم تكافؤ الفرص وحتى التكافؤ الاجتماعي كلّها تذهب بالمرء إلى اللجوء إلى العزلة والابتعاد عن الزيف الاجتماعي، فهذه الأسباب كلها تدفعه للاختصار واستخدام الوسائل الاجتماعية التي لا تعبر حقا عن العواطف والاهتمام».   الوطن


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية