من دفتر الوطن.. وضاح عبد ربه يكتب.. تصنيف سياحي!
وضاح عبد ربه لا أذكر أني أمضيت يوماً إجازة في سورية ونادراً خارجها، ليس كرهاً بالراحة أو الاستجمام، بل بحكم الحرب أو الحروب التي تحيط بِنَا، والمهنة والعمل اليومي والهاتف الجوال اللعين الذي يلاحقني بالأخبار العاجلة أينما كنت وفِي أي بقعة من بقاع الأرض. هذا الصيف ونتيجة عودة الأمن والاستقرار إلى مختلف مدننا، حاصرتني ابنتي البكر «لين» وطالبت بأن نذهب لقضاء بضعة أيام استجمام في اللاذقية والتعرف أكثر على هذه المدينة الجميلة، وساندها في طلبها شقيقها وأقارب لهما، وبعد عملية تآمر عائلية مدروسة، انضمت إلى المطالبة أم الأولاد وبشكل مختصر ومن دون نقاش مطوّل أعطت «أوامرها» بأن يتم الحجز والتحضير للذهاب إلى عروس الساحل السوري. اعتذرت بلباقة عن مرافقتهم متحججاً بـ«الشغل» وتعهدت مرغماً طبعاً- بتأمين كل مستلزمات الرحلة، حيث يكتشف الأولاد ساحلنا الجميل ويستمتعون بأجواء سورية الصيفية الخلابة بعيداً من العاصمة وضجيجها. حاولت التواصل مباشرة مع أحد الفنادق الذي نمي لي أنه مريح -نوعاً ما- نظراً لحداثته وموقعه المميز على الشاطئ واسمه الذهبي، للاستفسار والحجز لكن الجواب كان: عذراً الفندق «كومبليه»، وهذا يعني باللغة السورية المتعارف عليها، أنك بحاجة إلى واسطة، فاتصلت بصديق في وزارة السياحة طالباً منه التوسط، وفعلًا قام بالحجز مشكوراً وزودني برقم هاتف مدير عام الفندق لترتيب التفاصيل، ومباشرة اتصلت بالسيد المدير العام، وبعد أن سايرته بعدة عبارات مجاملة تمهد لمعاملة جيدة للعائلة، سألته عن السعر، فقال إن هناك فقط جناحاً واحداً متوافراً وهو لستة أشخاص وسعره في الليلة الواحدة ١٠٥ آلاف وستمئة ليرة سورية (لاحظ عزيزي القارئ الدقة في تحديد الأسعار). بلعت ريقي قليلاً، لكن، وبما أن لا خيار أمامي سوى الموافقة والخضوع، طلبت منه الحجز لثلاث ليال مترجياً الاهتمام قدر المستطاع بالعيال وأم العيال. وبالفعل، توجهت العائلة إلى اللاذقية التي وصلوا إليها بعد أربع ساعات انطلاقاً من دمشق وهم يتطلعون لقضاء أيام جميلة في ربوع الوطن الذي شارف على التعافي بفضل سواعد بواسل جيشنا وتضحياته الجسيمة. دخلوا الفندق الجديد، الذي يبدو للوهلة الأولى أنه منتجع سياحي جميل، وبدأت العائلة تُمارس هوايتها بالتصوير وترسل إليّ الصور مع عبارات خبيثة، الهدف منها حثّي على الندم لعدم مرافقتهم. وما إن مضت ساعات داخل المنتجع المصنف طبعاً خمسة نجوم حتى بدأت تتغير لهجة الرسائل التي تصلني، وبدلاً من أن أشعر أنا بالندم، كانوا هم من يشعرون به بعد دقائق من دخولهم الفندق، أما أنا وبخبث أيضاً- فكنت أشكر اللـه ألف مرة على نعمة الشغل التي تبعدني من تجارب ومغامرات كهذه داخل سورية. فللسياحة أهلها وناسها وكوادرها، ونحن في سورية، يجب أن نعترف أن سنوات الحرب جعلتنا غير مؤهلين لاستقبال سياح سوريين أو أجانب، وتحديداً في المنشآت التي ولدت خلال هذه الحرب وصنفت ظلماً وخدعة لنا بخمسة النجوم على حين واقعها وخدماتها تصنفها بنجمتين لا أكثر. فالتصنيف في دول العالم لا يتم عشوائياً، كما يحصل في سورية، ولا حسب حجم الاستثمار أو هوية المستثمر، التصنيف له ضوابط وأسس تبدأ من واقع المنشأة مروراً بالخدمات المقدمة فيها ومستوى الخدمة والكوادر وصولاً إلى راحة الزبون والقدرة على تلبية متطلباته ورفاهيته. فما اكتشفته زوجتي والأولاد ومن كان معهم من أقارب، وبسرعة قياسية، أن المنشأة الجديدة المصنفة خمسة نجوم ينطبق عليها المثل القائل: من برا رخام ومن جوا سخام!! فالخدمة معدومة، والراحة غير موجودة وأغلبية الكوادر عبارة عن كارثة بشرية متنقلة في الفندق، والخدمات فقط للمدعومين، وما تبقى من زبائن فعليهم أن يسددوا فواتيرهم بصمت من دون أي احتجاج، لا بل أن يشكروا اللـه أن أتاح لهم فرصة الإقامة في هذا الفندق! وعند عودتهم إلى دمشق آمنين وسالمين مع ارتفاع بسيط فقط بالضغط الشرياني وفي نسبة التوتر، وبحة قليلة في الصوت نتيجة العراك اليومي مع الموظفين، طلبت منهم تلخيص الواقع فكان الجواب: موظفو استقبال غير مؤهلين، مافيا على الشاطئ للحصول على كرسي ومناشف، ومافيا في الطوابق لتنظيف الغرف، ومافيا في المطبخ.. وشح غير مسبوق في مستلزمات الغرف، وعلى النزيل أن يخصص موازنة للرشاوي والبخشيش ليحصل على أقل مستوى خدمة يطمح إليه في منشأة مصنفة خمسة نجوم! وحين استفسرت منهم عن المعنى المقصود بكلمة «مافيا» فكان الجواب مذهلاً بأن الموظفين متفقون بينهم لنهب النزيل وإذلاله ويستهدفون حصراً النزلاء الذين يصلون بسيارات عادية من دون شوشرة و«مرافقة» وضجيج، أما المدعوم فيحصل على كامل الخدمات وكامل عناصر الفندق من إداريين وموظفين تحت إمرته لتلبية احتياجاته مرددين طوال اليوم عبارة: بتأمر معلم! أمام هذا الواقع المؤسف للسياحة في سورية الذي لم يفاجئني إطلاقاً، أسأل القائمين على السياحة في سورية وعلى رأسهم الصديق العزيز والوزير بشر يازجي الذي لا يوفر جهداً للنهوض بواقع السياحة السورية: إلى متى سيادة الوزير سيبقى المواطن السوري رهينة وضحية التصنيف الخاطئ للمنشآت السياحية؟ إلى متى سيستمر هذا النصب والاحتيال وقلة الاحترام للسائح والزبون غير المدعوم؟ هل من يتم توظيفه في هذه المنشآت من خريجي المعاهد السياحية أم من ذوي الواسطات وخبرتهم الوحيدة تكمن في الاستيلاء على أموال النزلاء بكل الطرق الممكنة من دون أن يقدموا لهم أي خدمة؟ وفعلياً، ما الرقابة الممارسة على التوظيف في منشآت مصنفة كهذه!؟ ومع محبتي لشخصكم وتقديري لجهودكم في الوزارة، وحرصكم على تقديم أفضل الخدمات في الفنادق التي تملكها وزارتكم والتي بالفعل أثبتت جدارة وتفوقت في عهدكم على فنادق القطاع الخاص، لكني أتمنى على سيادتكم تفعيل دور الرقابة، وتفعيل الشرطة السياحية ووضع شروط صارمة لكل منشأة لا تحترم زبائنها وتذلهم، كما أتمنى أن ترسلوا أشخاصاً عاديين إلى تلك «الفنادق المحدثة» تقيم فيها لأيام معدودة وتعود إليكم بتقارير مفصلة عن المعاملة التي يحصلون عليها منذ لحظة وصولهم حتى مغادرتهم ومقارنتها بالسعر المدفوع، وعلى أساسها تضعون النجوم للفنادق وتوقفون هذه المهزلة المسماة خمسة نجوم! على أن يكون التصنيف سنوياً وليس أبدياً يحصل عليه الفندق يوم افتتاحه. فأنا وأنتم وبحكم السفر الدائم والإقامة بعدة فنادق حول العالم نعرف جيداً أن الشعار الذي ترفعه كل الفنادق هو«الزبون دوماً على حق» ونعرف جيداً ما المعايير الدولية المتعارف عليها في الفنادق ذات النجوم الخمس من خدمات وإداريين وموظفين وطهاة وصولاً إلى كل التفاصيل التي تتحكم بالغرف ومستوى الراحة المقدم.. وصحيح نحن ما زلنا في حالة حرب، وصحيح أيضاً أنه لم يعد في سورية كوادر، لكن حين نسدد ١٠٥ آلاف ليرة في الليلة الواحدة لجناح مؤلف من غرفتي نوم وحمام واحد هذا ابتكار سوري طبعاً لا مثيل له في العالم- وأحصل على خدمات توازي فنادق ذات النجمتين فقط، فمن حقنا أن نسأل إن كنّا نروّج لسياحة أم لاحتيال أو إن كانت الدولة تهدف إلى التغطية على المستثمرين وفتح المجال أمامهم لاستعادة استثمارهم بأشهر والتمتع بأرباح فاحشة لكنها بكل تأكيد غير مستحقة على الإطلاق. أما لأصحاب هذا الفندق الجديد والمستثمرين فيه، فأكتفي بكلمات معدودة لأقول لهم: إنهم أخطؤوا حين اختاروا إدارة كهذه لمنشأة تبدو فقط من الخارج جميلة، وإن الكثير من الأموال يخسرونها يومياً نتيجة الفساد المستفحل داخلها، وإنه قريباً لن يجدوا من نزلاء سوى الذين لا يسددون مالاً، بل يستخدمون نفوذاً، وعليهم ألا يراهنوا على ندرة الفنادق في اللاذقية لجذب النزلاء، لأن الزبون مستعد أن يتخلى عن كامل إجازته مقابل ألا يجد نفسه ذليلاً يواجه مجموعة من الحمقى الذين لا يفقهون أسس السياحة وقواعدها. أما لعائلتي، فأرجو أن تكونوا أدركتم الآن لماذا يبقى الشغل أفضل من الإجازة وخاصة داخل سورية. وكما يقال شعبياً: تعيشوا وتاكلوا غيرها من مفاجآت صيف سورية، وأعدكم أنكم في حال قررتم يوماً وأستبعد ذلك- إعادة التجربة بأن أستعين مستقبلاً بأصدقاء متنفذين يوفرون لكم -على أقل تقدير- حاجتكم من المناشف والحد الأدنى من الاحترام الذي يستحقه كل نزيل يغامر ويذهب إلى عروس ساحلنا، ويقيم في هذا الفندق الجديد في كل شيء حتى في مستوى الانحطاط الذي بلغه هو وإدارته. الوطن