من بينها النقود والبارود.. اختراعات قدمتها الصين القديمة للعالم
من الأمور الأكثر شيوعًا عند ذكر المساهمات الحضارية للبلدان، أن يذكر الجميع الحضارات المصرية القديمة، والإغريقية، وحتى بلاد ما بين النهرين، والحضارة الإسلامية في العصور الذهبية، لكن ذكر الصين كان ولا يزال دائمًا مقترنًا إما بنظم الحكم الإمبراطوري، وإما بالتجارة العالمية؛ نظرًا إلى كونها وجهة شهيرة لكل تجار العالم في ما مضى؛ ولكن ما قد لا يعرفه الكثير عن الصين القديمة هو المساهمات الكبرى لها في عالم الابتكارات والتقنيات التي غيرت مسار البشرية إلى الأفضل، وأحدثت طفرات في عالم التكنولوجيا القديمة، إذ تثبت بجدارة أن تنوير العالم وإدهاشه لم يكن حكرًا على حضارة بعينها كالمصرية، أو الإغريقية، أو غيرهما. الورق الصيني.. أكثر تعقيدًا من البردي المصري كثيرًا ما يحدث الخلط بين الورق الحديث، وورق البردي الذي اكتشفه وصنعه المصريون القدماء قبل 3 آلاف سنة تقريبًا، والفرق يتجلى في التقنية المستخدمة لصناعة كُل منهما، فبينما البردي المصري يعتبر «رقوقًا»، أو «شرائح» متراصة من لُب النبات الشهير؛ الورق الصيني -الذي هو أبو الورق المستخدم حاليًا- صنعه بتقنية أكثر تعقيدًا العالم والمخترع الصيني تساي لون في عام 105 ميلاديًّا تقريبًا. المخترع الذي كان يعمل لصالح بلاط الإمبراطور هان هو تاي جاءته فكرة ابتكار عجينة لصنع الورق عبر تأمله طريقة بناء الدبابير لأعشاشها، ومن ثَم جاءته فكرة خلط لحاء شجيرات التوت ولحاء سيقان نبات البامبو مع خرق قماش من نبات القنب مع الماء، ثم ضغطها، وعَصرها وتجفيفها في شكل صفائح جاهزة للكتابة. ظلت الصين تستخدم الورق المصنوع من العجين مدة تقرب السبعة قرون حصريًّا، لم يستطع العالم خلالها أن يتوصل لطريقتهم الفعالة والمُحكمة في صناعة ورق بالمعايير نفسها، حتى بدأ التجار العرب في ارتياد الطريق الحريري الشهير للتجارة بينهم وبين الصين في القرن الثامن، ومن ثم نقلوا إلى باقي العالم سر صناعة الورق. وساهم اختراع الورق في الصين مساهمة رئيسية في ظهور أول صكوك نقود (أوراق نقد) في التاريخ خلال القرن الثامن الميلادي بمثابة شيكات أو شهادات تحمل قيمتها من المعادن النفيسة أو البضائع. قوالب النسخ والطباعة المتحركة.. من الصين إلى عصر النهضة من الشائع أن العالم الألماني جوهانس جوتنبرج هو أول من ابتكر نظام الطباعة باستخدام القوالب عام 1450، ولكن الحقيقة قد تختلف قليلًا عما هو شائع؛ فبينما ساهم الألماني جوتنبرج في ابتكار أول نظام ميكانيكي لآلة طباعة عبر القوالب، كان للصينيين القدماء الريادة في الطباعة على الورق باستخدام قوالب نقش متحركة في أوائل القرن الحادي عشر؛ أي قبل جوتنبرج بحوالي أربعة قرون أو أكثر، إذ كانت الطباعة بقوالب ثابتة بالأساس متواجدة في الصين منذ القرن التاسع، ولكنها كانت عملية عصيبة، وتستهلك الكثير من الوقت والمجهود. ولكن إبان حقبة سونج الصينية، تحديدًا في عام 1014 ميلاديًّا، ابتكر العالم الصيني باي شينج أول طباعة بنظام القوالب المتحركة عن طريق نقش حروف على الطمي وحرقه، ثم تثبيتها على ألواح حديدية أو قوالب خشبية للنسخ، يسهل تحريك حروفها من موقع إلى آخر بعكس الطباعة التقليدية التي استخدمت نظام قوالب المحفورة للنصوص بعينها، وظلت مُستخدمة في الصين فترات طويلة حتى انتشرت قبيل القرن الثالث عشر في أوروبا، وكانت بمثابة نواة للانطلاقة الأوروبية إلى عصر النهضة، والذي ظهرت خلاله الطباعة الحديثة وآلاتها الميكانيكية. البارود.. «ترياق الخلود» الذي استغله الغرب في القتل! في القرن العاشر الميلادي تقريبًا، عكفت مجموعات من رهبان وعلماء الطائفة «الطاوية» Taoists رواد علم الخيمياء -الكيمياء القديمة ومزج العناصر- الصيني على ابتكار عقار أو ترياق للشباب الدائم، أو الخلود باستخدام عناصر مثل الكبريت والزنك والفحم، وغيرهم، لكن النتيجة المثيرة للخيبة لم تنتج سوى مسحوق خشن سريع الاحتراق والانفجار بكميات قليلة؛ وهذا ما عرفه العالم فيما بعد بالبارود. وقتها كانت الصين واحدة من أكثر البلاد حفاظًا على أسرارها؛ واحتفظ الخيميائيون الصينيون بتلك المادة المتفجرة، ووظفوها في صناعة الأثر المبهر الذي نراه في الألعاب النارية، فعبأ الصينيون البارود في صورايخ ورقية مدببة، واستخدمت في المراسم الإمبراطورية، والاحتفالات، وظلت الصين محتفظة باحتكارها للبارود مدة ثلاثة قرون كاملة؛ حتى حصل الغرب على المادة التي غيرت وجه الحروب في العالم قرابة القرن الثالث عشر الميلادي، ومن ثمَ انتشر مع المدّ المغولي إلى أرجاء أوروبا والعالم. وبينما لم تستخدم الصين البارود في حروبها، أو في ابتكار أسلحة وقودها البارود؛ أقبل علماء وصُناع كُل من إنجلترا وفرنسا والبرتغال، وغيرهم من الدول الكبرى آنذاك، على توظيف هذا الاختراع في ترجيح كفة موازين القوى لصالحهم، بابتكار مدافع البارود، والغدّارات – المسدسات- وحتى العبوات المتفجرة، أو الحارقة. البوصلة المغناطيسية.. من العرافين إلى البحارة تعيد المصادر اختراع أول بوصلة مغناطيسية إلى الفترة ما بين قرنين قبل الميلاد إلى قرن بعد الميلاد، وكان يستخدمها العرافون وقراء الطالع الصينيون، وكانت تستخدم مادة مستخلصة من الحديد المؤكِسد الذي كان يتجه تلقائيًّا إلى القطب الشمالي، ولكن البعض ممن لهم خبرة في الفلك والإبحار رأى أن فكرة طرف البوصلة الذي يتجه نحو قطب مغناطيسي؛ قد تفيد في عالم الإبحار، وخلال ثمانية قرون وحتى القرن العاشر الميلادي، كانت البوصلة المطورة تستخدم استخدامًا رئيسيًّا في السفن الصينية، وفي ترصيص المباني في شوارع المدن، وحتى في فن ترتيب غرف المنازل المعروف باسم فينج شوي. وخلال القرن الثالث عشر الميلادي، انتشرت البوصلات المغناطيسية بين البحارة العرب والمسلمين، الذين أخذوا تقنية صناعتها من البحارة الصينيين أثناء تجارة طريق الحرير، واستخدموها بجوار الإسطرلاب العربي، وانتقلت بعدها إلى اليونان وإيطاليا في القرن الرابع عشر الميلادي، وتطورت أشكالها، وصلاحيتها واستخدمت استخدامًا رئيسيًّا في الحروب والمعارك البحرية بجوار التجارة، والارتحال. الساعة الميكانيكية.. ريادة هنا وأُخرى هناك ربما علم الكثير منّا بريادة المصريين القدماء وحضارة بلاد الرافدين في عالم قياس الوقت، من خلال الساعات الشمسية، أو المسلّات المرتفعة التي كانت بمثابة تقنية متفوقة وقتها، وحتى بعدما تطورت الأفكار واستخدم المصريون القدماء الساعات المائية المُبسطة؛ ظل العالم يعتمد على تلك الوسائل اعتمادًا غير منتشر؛ ولكن في أوائل القرن الثامن الميلادي، وتحديدًا عام 725 ميلاديًّا ابتكر الراهب البوذي يي شينج أول ساعة ميكانيكية في العالم. اعتمدت الساعة الصينية على آلية العمل الأساسية لتساقط الماء من مرتَفع إلى مُنخَفض، كما هي التقنية في الساعات المائية؛ ولكن تلك الساعة احتوت أجزاء وتروسًا وروافع ديناميكية، بالاضافة إلى وجود أول طائر خشبي يخرج على رأس كل دورة زمنية، والتي انتشرت في ثقافتنا الحالية باسم ساعات الكوكو، ومن هذا التصميم بنى المهندس الصيني سو سونج أول برج ساعة في العالم بارتفاع 30 قدمًا -تسعة أمتار- واحتوت على كرة وروافع من معدن البرونز، ثم بعد ذلك ظهرت في أوروبا في القرن السابع عشر الساعات الميكانيكية الزنبركية، وساعات البندول الرقاص عن طريق الهولندي كريستيان هويجنز. الحرير والمظلات.. مظاهر الثراء كان الصينيون أول من أنتج الحرير واستخدمه لصناعة الملابس قبل 6 آلاف عام، وهو الشيء الأكثر شهرةً الذي أوحى بالاسم الذي أطلقه العرب والعالم على طريق التجارة بين الصين والشرق الأوسط؛ ألا وهو طريق الحرير، النسيج الفاخر الذي ارتبط بالأباطرة الصينيين، وحتى الميثولوجيا الصينية القديمة، عده العالم واحدًا من أثمن البضائع التي ظل سر صناعته لوقت طويل حكرًا على الغزّالين الصينيين، حتى انتقل من الصين إلى الجزيرة الكورية، ومنها إلى الهند في القرن الثاني الميلادي. ومن الحرير والخشب صنع الصينيون أول مظلة حامية من الشمس قبل 3500 عام؛ أي 1500 عام قبل الميلاد، بواسطة النجار والمهندس الصيني لو بان، وصنعت من الخشب والأقمشة العادية لمن يرغب في اقتنائها من عامة الشعب، والتي كانت بجوار مروحة اليد القابلة للطي، من مظاهر الثراء الإمبراطوري والعائلة الحاكمة. ساسه بوست