يوم.. سورية الحزين السويداء موجوعة و كل سورية تتألم لألمها
صاحبة الجلالة - ضياء الصحناوي وسط سيل من الدماء والحزن المكبوت بالقهر على الأطفال الذين نحروا، وعلى النساء اللواتي متن دون أن يعرفن مصير أطفالهن الرضع، وعلى شيوخ خرجوا في جنح الظلام مسلحين بإيمانهم بالله والوطن للدفاع عن عرضهم وشرفهم مهما كانت النتائج، كان الشبان من غالبية القرى والبلدات يزحفون بالسلاح والعصي باتجاه القرى المنكوبة لكي يثبتوا أن هذه الأرض لا يمكن أن تهان. وحملت الـ 48 ساعة الماضية كماً كبيراً من النتائج التي يحاول المحللون استيعابها بعيداً عن خلفياتهم وطائفيتهم والموجود مسبقاً في عقولهم، فقد كانت السويداء آخر المحافظات التي يطأها داعش ولا يستطيع الاستقرار بها رغم كل ما استخدم من فنونه الوحشية المعتمدة لديه، وحجم الدعم والمعدات، والطرق المتمرسة في القتل والترهيب، وتلقى أكبر هزيمة منذ نشأته المشبوهة فوق الأرض السورية التي لم تنفعه معها انتحاريوه الكثر، وأحزمته الناسفة، والدراجات الملغومة الموضوعة بين المدنيين. وكان للفزعات التي قدمت من المحافظات السورية وعلى رمزيتها انتصاراً لسورية الكبرى، وتحولت المحافظة الصغيرة في الوطن الكبير إلى ساحة للتعاطف والمواساة والمحبة من الشمال السوري في الحسكة وإدلب وحلب، إلى الشرق الجريح في دير الزور والرقة، إلى الساحل الملتهب في اللاذقية وطرطوس، ووسطه في حمص وحماه، وإلى أم العواصم التي ما بخلت بالرجال، وإلى أخوات الجبل في درعا والقنيطرة، حتى تكاد تشعر أن السويداء هي سوريا بكل ما فيها من طوائف ومذاهب وكنائس وجوامع، وهي الخارطة التي تضم 185 كم مربع كاملة لا لبس فيها أو مكان مشبوه بالأعداء. ووسط هذا الجحيم الذي خيم لساعات طويلة على الجبل، تبرز قصص البطولة المطلقة التي كانت الحافز الكبير في صمود الجبليين وعدم نزوحهم من بيوتهم رغم هول المآسي، فكان الشاب يامن أبو عاصي الذي كان مع الموت واحتضنه لمنع داعشي من تفجير نفسه، فمنع مجزرة كبرى من الحدوث، وتحول إلى أيقونة لكل الشباب الذين زحفوا نحو ساحات المعارك بلا أي تفكير، فخرج منهم مئات الأبطال. ولم تكن تلك السيدة التي حاولت بكل أمومتها أن تحمي ابنها المعاق من النحر، أقل شأناً من الرجال، فاختلطت دماؤهما معاً في معركة "الكرامة"، وتحولت إلى أيقونة أخرى مخلدة. وحمل شيخ ثمانيني بندقيته نحو الشرق الجريح، ولم يعد إلا والدماء تغطي عمامته البيضاء دون أن يسمح للألم أن يعتلي وجهه. وعلى نفس السياق، تسابق الجبليون نحو الجبهات المشتعلة بسياراتهم المحملة بالمؤونة والماء والسلاح، وتنادوا على مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن هاربين من الموت لإيوائهم، وفتحوا البيوت والمضافات كما هي عادتهم، ولم يستسلموا للشائعات التي اجتاحت المحافظة عن انغماس الانتحاريين الدواعش في القرى والمدن الكبرى، وخرجوا نحو المشفى الوطني بالمئات للتبرع بالدم، وتشييع الضحايا الكثر، فكانوا رغم ضيق الحال والحسرات أكبر من المحن وأمضى من أن يفكر أعداء سوريا باختراقها. 500 ضحية بين شهيد ومصاب، هي حصلة المعركة الكبرى مع داعش، لكنها بالمقابل حصدت العشرات من الذين هجموا على الأطفال والنساء العزل، ولعلها تكون المعركة الأخيرة في سوريا كلها.