آخر كلماتٍ قالها الأستاذ عمران الزعبي قبل وفاته
صاحبة الجلالة _ عمر المقداد:
بالتزامن مع نشر هذه المقالة يكون واحدٌ من "آخر الرجال الطيبين" المحامي عمران الزعبي قد ووري الثرى بعد حياة حافلة بالنضال الوطني في الحياة العامة وكافة المواقع والمسؤوليات الرسمية والحزبية التي شغلها، والتي كان آخرها نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية.
كان خبر وفاته صادماً وحزيناً لكل من سمع عن عمران الزعبي ورآه وتابعه عن قرب وعن بعد، وكنا "محبين وأمناء عامين ووزراء ومسؤولين وقيادات حزبية وأعضاء مجلس شعب وإعلاميين وذوي الفقيد الشهيد غير مصدقين يوم أمس في مشفى الشامي بدمشق أن الرجل القوي الشجاع يصارع الموت في غرفة العناية المشددة، وقد مات، وهو الذي دافع عن بلده دفاع الأبطال، وكانت كلماته وابتسامته مصدر ثقة واطمئنان للكثيرين داخل سورية وخارجها.
نعم لقد توفي، وأنا هنا لا أكتب من واجب العزاء والرثاء فقط، وإنما لأن الواجب يقتضي أن نبين دور هذا الرجل في حياة سورية خلال السنوات السبع الماضية، ومع أني لم أعرفه عن قرب، ولم تجمعني وإياه سوى لقاءات نادرة طيلة السنوات الماضية، وكان آخرها قبل أربعة أيام من وفاته، حين استدعاني للقائه، وكان قد قرأ مقالات لي عن الأحزاب السورية، كنت قد نشرتها على موقع "صاحبة الجلالة" ومن بينها مقالة دعوت فيها إلى تجديد الحياة الحزبية وتطوير الأحزاب وانتقال مسؤولية قيادتها إلى قيادات الصف الثاني.
كان اللقاء مناسبة، كي أسمع وجهة نظر رجل قانون وسياسة بالشأن الحزبي، ونحن الذين عرفناه رجل سياسة ومحاوراً ومفاوضاً بارعاً خلال توليه منصب وزير الإعلام في الفترة /2012-2016/ ومشاركته في الوفد السوري إلى محادثات الحل السياسي للأزمة السورية، وبينما توقعت أن يبدأ لقاءنا بالحوار حول ما كتبته، فقد بادرني بالسؤال عن حال درعا وحوران، وكيف هي مدينة بصرى الشام التي أنتمي إليها، فقلت له: الأخبار عندك يا "سيدنا" وأضفت: مع ذلك، الناس في جنوب سورية وفي بصرى ينتظرون وصول الجيش العربي السوري إلى عموم قرى درعا ومحافظات الجنوب، وكان رده: تأكد أنه سيصل، وتأكد أننا جميعنا سنزور قرى درعا وجنوب سورية عما قريب".
كانت كلماته تلك ترحيباً بي على طريقته، وهو الرجل صاحب النكتة والفرح، وقد أردف قائلاً: لقد قرأت مقالاتك عن الأحزاب السورية، وأنا متفق معك بكل ما كتبته بشأن الأحزاب وتجديد قياداتها ودورها الآن ومستقبلاً، ونصيحتي لك هي أن لا تخاف ولا تتردد، واكتب قناعاتك ورؤيتك، فما كتبته هو من أجل سورية ومن أجل المصلحة الوطنية، وأضاف: أنا متفق معك بشأن ضرورة تجديد الحياة الحزبية وتطوير عمل الأحزاب والنهوض بها داخل الجبهة وخارجها، وإن أهم خطوة يجب أن نعمل عليها بعد انتصار سورية على الإرهاب وتحقيق الجيش العربي النصر، هي أن نطور أكثر مناخ الحياة الحزبية في سورية وأن نطور عمل الأحزاب كلها، داخل الجبهة وخارجها، وأن ننظر في بنيان الجبهة ذاته، فنطور ما يمكن تطويره ونتحاور حول القضايا التي ترهق عملها، وقد نعِّدل في عضوية الجبهة، كأن تخرج أحزاب من عضويتها أو تنضم إليها أحزاب وشخصيات وطنية مستقلة، وسيكون القرار رهناً بالوصول إلى أفضل النتائج في هذا المجال.
وقال: لقد حاولنا خلال السنتين الماضيتين أن نطور عمل الجبهة وقد طورنا وعدلنا ميثاقها ونظامها الأساسي، وشكلنا لجان عمل جبهوية في مختلف المناطق وزرنا العديد من المحافظات للاطلاع على العمل الحزبي الجبهوي، كما عقدنا المؤتمر العاشر لأعضاء المكاتب والقيادات السياسية لأحزاب الجبهة، وكان مؤتمراً غير مسبوق من سنوات طويلة، كما ناقشنا واقع الحياة الداخلية للأحزاب ودعوناها إلى تطوير عملها وتجديد قياداتها ومكاتبها السياسية، كما جمدنا عضوية أحد أحزاب الجبهة لأنه يعيش حالة صراع تنظيمي داخلي حول منصب الأمين العام له بعد وفاة من كان يشغله، وبالتالي نحن نعمل على تطوير الحياة الحزبية وتجديدها، ولأننا على ثقة بأن الأحزاب الوطنية السورية والعمل السياسي الصحيح، بشقيه القائم في السلطة والمعارضة الوطنية سيكون إحدى روافع نهضة سورية.
وختم حديثه بالقول: إن أي نظام سياسي يستمد شرعيته من ثلاثة مصادر هي: الشرعية الثورية، والشرعية الدستورية والشرعية السياسية، وقد تكون المصادر الثلاثة غير متطابقة لكنها غير منفصلة، وإذا أسقطناها على حالة النظام السياسي السوري، سنجد أنها متواجدة فيه، والدليل أنه يحظى بالدعم الشعبي الواسع وبمواجهة عدوان غير مسبوق بالتاريخ.
وهنا قلت له: إن الناس في الشارع ينتظرون أن تطور الجبهة في عملها وعمل أحزابها على المستوى التنظيمي والفكري والسياسي، وإذا كانت الجبهة تقدم نفسها على أنها تحالف سياسي غير مرتبط بأفق زمني، فالربط الزمني على الإطلاق أمر غير صحيح، وعلى الأحزاب أن تقرأ الواقع السياسي الحالي وأن تفكر بمصلحة البلد قبل تفكيرها بمصلحتها أو حتى مصلحة قياداتها، وكان رده: إن قيادة الجبهة تعمل على ذلك، وهناك قضايا جديدة سنعلن عنها في حينه، فقلت له: هل من كلمة تريد أن تقولها لي في هذا المجال، فقال: لا، فقلت له، وقد انتهى مضمون حوارنا: إن كثير من السوريين يسألون عنك، وينتظرون أن تظهر على أي شاشة فضائية، فلماذا لا تظهر على التلفزيون السوري أو الصديق والمقاوم وتتحدث عن حال السياسة الآن وعن الوضع الآخذ بالتحسن بازدياد في سورية، خاصة وأنك كنت جزءاً ممن عملوا من أجله، أو أن تتحدث عن الحياة الحزبية السورية وعن الأحزاب الوطنية، خاصة وأنك تتولى مسؤولية حزبية وطنية حالية هي نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية، فقال لي: لقد ظهرت على الإعلام بما فيه الكفاية، وقدمت كل ما يمكن، وحين يحتاج الأمر والبلد إلى ذلك، فلن أتردد، لكني الآن مكلف بمهمة جديدة، ودوري أن أخدم سورية، وبانتظار أن نحرر كل سورية، فدوري أن أعمل بصمت على تطوير العمل الحزبي وتجديده، ودروك ودور الكثيرين غيرك أن تتحدثوا عن تطوير العمل الحزبي في الإعلام.
وهنا، كانت العشر دقائق مدة اللقاء المخصصة لي قد استنفدت، فقلت له: أنا مسرور أني رأيتك بخير وسمعت منك هذا الكلام، وعلى الرغم من التعب الظاهر على وجهك، وكلي أمل أن تبقى بخير، ثم وقف وتبادلنا المصافحة والعناق، ورافقني إلى باب مكتبه، وقد رجوته أن لا يفعل، لكنه لم يرد، وهنا قلت له: سأكتب ما دار بيننا، وسأضمِّنه وجهي نظري، فقال: لك ما تريد ولن استدعيك مهما كتبت.
وعند باب مكتبه، قال لي هل أنت خائف مما ستكتب، فقلت: بعض الشيء، فقال: لا تخاف، فقد كنت خائفاً مثلك ذات يوم، وحين نظرت إلى شجاعة الرئيس بشار الأسد، لم أعد أعرف الخوف.