فروغ فرخزاد..شاعرة الجنس المتمردة
قليلات هن النساء الشاعرات اللواتي كتبن الشعر بحرية مطلقة وتجرأن على كل ماهو مقدس وسام ٍلدى الشعوب ووقفن بوجهه العادات والتقاليد التي تحكم المرأة وتكبلها بقيد الشرف وتمنعها من ممارسة ماترغب به وماتطمح إليه ومن ؤلاء النساء الجريئات الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد والتي اعتبرت من أشهر الشاعرات الإيرانيات على الرغم من عمرها الأدبي القصير فقد ولدت هذه الشاعرة المتمردة في الخامس من يناير في طهران في عائلة عسكرية وهي الثالثة بين ستة أشقاء وتوفيت في 14فبراير 1967 في حادث مأساوي فقد أصيبت إصابات بالغة في رأسها في حادث سير بينما كانت تريد أن تتجنب عربة قادمة اصطدمت بجدار كان أمامها إلا إن هذه الفترة القصيرة جعلت من فروغ أي (الضوء) علما مرفرفا في الأدب الإيراني يذكر اسمها أينما جاء ذكر الأدب الفارسي لأنها استطاعت أن تؤسس لها منهجا في الكتابة من خلال خيالها الواسع وتمردها الذي جاوز حدوده. وفروغ فرخزاد فضلا عن كونها شاعرة تفتحت
قريحتها منذ الصغر إلا إنها لم تقتصر على ذلك فقط فبعد تخرجها من مدرسة الأحداث العليا انتقلت الى مدرسة فنية لدراسة الرسم والخياطة والسينما والمسرح ولم تنه المرحلة الثانوية. وفي السادسة عشرة من عمرها وكانت لاتزال مراهقة فرضت زواجها على والدها الذي كان برتبة عسكرية كبيرة وأخيها المغني والشاعر والناشط السياسي فريدون فرخزاد وتزوجت من حفيد
خالة والدتها بارفيز شابور الذي أحبته وبعد إكمالها دروس الرسم والخياطة انتقلت هي وزوجها الى الأهواز وبعد عام رزقا بولدهما الوحيد وأسموه كاميار ولكن بدا فيما بعد أنها تندمت على زواجها من بارفيز فقد قالت بهذا الخصوص: ( أحسّ أني خسرت عمري كله ، كان عليَّ أن أعرف أقل بكثير من خبرة السبعة والعشرين عاما ً، لعلّ السبب يكمن في أن حياتي لم تكن مضيئة ،
فالحب ، وزواجي المضحك في السادسة عشرة زلزلا أركان حياتي. على الدوام لم يكن لي مرشد ، لم يربّني أحد فكرياً وروحيا ً. كل ما لدي هو مني ، وكل ما لم أحصل عليه كان بمقدوري امتلاكه لولا انحرافي وعدم معرفتي لنفسي .
عراقيل الحياة منعتني من الوصول لكنني أريد أن أبدأ) وبدأت بعد ذلك فروغ بالتمرد أكثر وأكثر ووصل كرهها للرجل ذروته حتى إن والدها نال حصته من ذلك الكره حتى قالت فيه انه لايستحق من أن تقول له أكثر من مرحبا وأخذت تعلن عن كرهها للرجل في كل ناد ولم يتوقف جنون وتمرد فروغ عند هذا بل تعداه الى رب بيتها حينما وقعت في حبال الخيانة الزوجية عندما تعددت علاقتها الغرامية وكانت مستعدة لأن تضحي بولدها الوحيد في سبيل التخلص من
سيطرة الرجل وبالفعل حصل ذلك عندما طالبت بالطلاق بعد ثلاث سنوات من الزواج وحصلت عليه جاعلة من ولدها كاميار يدفع الثمن باهظا وحرمت بعد ذلك من زيارته عانت على أثرها من انهيار عصبي جعلها طريحة الفراش لثلاثة أشهر مع العلاج . بعد الطلاق عاشت فروغ مع الشاعرة الإيرانية توسي حائري وكانت هذه تميل كثيرا الى التطور الأوربي الحاصل نتيجة تأثرها بأوربا خلال الفترة التي قضتها في فرنسا للدراسة . وفي العشرينات من عمر فروغ فرخزاد
سافرت الى أوربا 1958 وقضت تسعة أشهر فيها التقت إثناءها المنتج والكاتب الإيراني إبراهيم جولستان والذي ارتبطت معه بعلاقة عاطفية قوية لثمان سنوات على الرغم من انه كان متزوجا الأمر الذي جعلها تتعرض الى النقد اللاذع على ألسنة كثير من النقاد الكبار وقد عبرت عن علاقتها تلك بقصيدة مطولة حملت عنوان معشوقي ،وفي عام 1962 ذهبت الى تبريز لتصور فيلما وثائقيا عن المصابين بالجذام تحت عنوان البيت أسود (The House is Black)
وقد لاقى هذا الفيلم نجاحا عالميا وفاز بعدة جوائز دولية .صدرت مجموعة فرخزاد الشعرية الأولى عام 1955 بعنوان الأسيرة (The Captive) احتوى على أربع وأربعين قصيدة فعلى الرغم من الغزليات التي كانت تطغي على مفرداته إلا انه كان بمثابة بيان أصدرته فروغ لتعلن عن يأسها في حياتها من جراء الندم الذي أحست به بعد زواجها .وفي عام 1956 نشرت مجموعتها الشعرية الثانية التي حملت عنوان جدار( The Wall) والذي أهدته الى زوجها سابقا
وكذلك فقد اشتمل هذا الديوان عل الغزل الكثير والتمرد الذي اخذ يتصاعد عندها . بعدها وربما في نفس العام نشرت مجموعتها الشعرية الثالثة بعنوان عصيان (Rebellion) الذي اشتقت صوره من القرآن الكريم والآداب الفارسية .
لم يكد عمر فروغ فرخزاد يبلغ الأربعة والعشرين وهي قد أصدرت ثلاث مجموعات شعرية وكان هذا دليل على انه سيكون لها مستقبل واعد في الأدب الفارسي على الرغم من سمعتها السيئة . في عام 1964 أصدرت شاعرتنا المتمردة مجموعتها الشعرية الرابعة تحت عنوان ميلاد آخر (another Birth) وكما يدل العنوان فأنها أرادت أن تعلن إنها ولدت من جديد وإنها تتمتع باستقلالية ذاتية حقة تمكنها من تلبية رغباتها ونزواتها التي تريدها واعتبرت أن هذا حقها
المشروع لأنها ناضلت كثيرا من اجل أن تصل الى ما وصلت إليه وكانت هذه المجموعة الشعرية علامة بارزة في تاريخ الشعر الحديث في إيران .
ونشر لها بعد وفاتها قصيدتها التي تعد من أقوى القصائد في الشعر الفارسي الحديث (لنؤمن ببداية فصل البرد ) والتي انبرت فيها الموضوعات الجنسية بكل صراحة إذ إنها اعتبرت انه من حقها الدفاع عن حق الحرية الجنسية بكل ضراوة وعناد.
إن فروغ فرخزاد اعتبرت إن الشعر أمر جدي وليس فقط اسطر تكتب وتنشد لذلك اعتبرتها الوسيلة الوحيدة القوية القادرة على إيصال صوتها وجعله مسموعا وأخذت تعبر عما يجول في خاطرها ونفسها من خلال ماتكتبه وقالت في ذلك :( إن الشعر أمر جدي بالنسبة لي ،انه مسؤولية احملها تجاه كينونتي وهو نوع من الإجابة اشعر وكأني مجبرة على إعطائها لحياتي ولا أبحث عن شيء في قصائدي بل اكتشف نفسي من خلالها) .أن المتتبع والقارئ لشعر فروغ فرخزاد يجدها مليئة بالمفردات التي تحفز على الثورة وكذلك يكتشف حقيقة فروغ من
خلال شعرها عندما يجد جرأتها العنيفة التي ما تخلت عنها في شعرها وصراحتها التي جعلتها معروفة وذات صيت سيئ وبالمقابل نجد وبكثرة إن فروغ فرخزاد كانت شجاعة ولم تخش أحدا حين كتبت الشعر ،إلا إن أهم شيء نجده في شعرها هو الشهوانية الجنونية التي تثير نفس القارئ ويصبح بالكاد يستطيع السيطرة على نفسه ويكبح جماح جنونه وهذا الأمر جعل من فروغ فرخزاد محط أنظار كل من له شأن بالأدب والثقافة وهذا أيها القارئ الكريم بعضا من
شعرها :
نوم نوم نوم
هو النوم
فوق حبات الرمل الحارة
تحت اشعة الشمس الحادة
***
من بين الجفون النصف المفتوحة
ينظر المهموم الى :
غزارة مياة ظفائري المبللة
تجري فوق صدرة
ورائحة عطر خمرة جسدة
قد هبت في جسدي
***
انظر الى المهموم :
مالت السماء نحو وجهة
ويدة في حبات الرمل الحارة
وبة قطع مسكورة من الصدف
قد خط خطا" مضىء غير واضح
***
احبها
كالبذرة للنور
كالحقل للرياح
كالزروق للموج
او طائرا في العلالي
احبها
***
من بين الجفون النصف المفتوحة
انظر الى المهموم:
ليت مع هذا الهدوء ومع هذا الصفاء
وبين سواعدي
ان تصبح ترابا"
مع هذا الهدوء ومع هذا الصفاء
وبين سواعدي
تحت ظل ضفائري
لحظة تذوقك الخمر
ناحية عطش جسدي الشاب
كهطول المطر الناعم
كالقمر المدلل
ليتك تصبح ترابا"
ليتك تصبح ترابا"
***
حتى اخر جسد
في حملة الايام البعيدة
لم ياخذ من لون ورائحة جسدك
ولم تتطبع مع جسدك
حتى اخر امراة
لاتنم في منخفض صدرك
لاتغفو بجانب بيتك
لاتجري صوب بيتك
لاتسمعك نغمة القلب
***
من بين الجفون النصف المفتوحة
انظر الى المهموم:
كالامواج انت من ساحلي
تبتعد
وكذلك تبتعد
نحو الافق اللامحدود
كنور ثاقب
***
باي شي تستطيع
ان تبقي هذا الحب السرمدي ؟
باي قبلة ؟ باي شفة ؟
في اي لحظة ، في اي ليلة ؟
***
ليس مثلي انا اصبحت
مثل الايام ....
مثل الفصول ....
مثل عش الطيور ....
كالثلج على سطوح المنازل ....
هذة النهاية
اصبحت غبارا" في وسط الظلال
مثل صورة قديمة
تمزقت اربا" اربا"
***
باي فكر تستطيع
ان تهرب من زوال الايام والالام !
باي دمعة تستطيع
ان ترفع الحجاب عن رؤية حيرة الزمان
باي يدا" تستطيع
ان تبقي هذا الحب السرمدي ؟
باي يد ؟
***
نوم نوم نوم
هو النوم
فوق حبات الرمل الحارة
تحت اشعة الشمس الحادة
مواقع