قد يولد الجمال من رحِم القبح.. كيف يفسّر علم النفس انجذابنا للأشياء القبيحة؟
ليس كل ما تنجذب إليه النفس البشريّة جميل بالضرورة، ومن الصعب أن تقابل إنسانًا مدركًا لكل رغباته الكامنة في اللاوعي، ولذلك في بعض الأحيان قد يُعرّض الإنسان نفسه لأشياء تثير النفور أو الاشمئزاز في نفسه؛ غير مدرك أنّه يفعل هذا عمدًا لأسباب نفسية لم يطّلع عليها بعد أو يفهمها. وقد تكون سألت نفسك من قبل: لماذا أنجذب لهذا الشيء القبيح؟ أو لماذا لا أستطيع إبعاد عيني عنه رغم أنه يؤذيني؟ في هذا التقرير، يخبرك علم النفس عن تلك المشاعر المعقدة المتعلّقة بالنفور والانجذاب. إنه جذّاب.. ولكنه ليس جميلًا الجمال أمر مُتعارف عليه وعادة ما يكون له معايير ثابتة في كل ثقافة أو مجتمع، والمرأة الشقراء الطويلة عندما تتمايل بجسمها المتناسق أمام مجموعة من الرجال؛ لن يختلف أحد منهم على كونها جميلة، ولكن عندما تقرر تلك المرأة الجلوس مع هؤلاء الرجال، ومن ثم تبدأ الحديث والمناقشة معهم؛ كم رجلًا سيجدها «جذابة»؟ هل تتساءل وما الفرق؟.. نعم هناك فرق بين الجمال والجاذبية كما يخبرنا الطب النفسي. الشيء أو الشخص الجميل –يخبرك علم النفس- هو ما نتّفق أن شكله الظاهري تتطابق مواصفاته مع المعايير التي يضعها المجتمع لتعريف الجمال، على سبيل المثال: تلك الفتاة الشقراء الرشيقة إذا كانت تسير أمام مجموعة من العرب في العصور القديمة؛ فلن تكون جميلة في نظرهم بقدر الفتاة المكتنزة البضة بالحياة؛ حينما كان يُربط الجمال بالوزن الزائد والذي يعبر بدوره عن انتماء تلك المرأة لأسرة ميسورة الحال تستيطع تغذيتها جيدًا. في المقابل؛ عندما نتحدث عن الجاذبية، يختلف الأمر إلى حد كبير، فاعترافك بجمال شيء أو شخص؛ ليس بالضرورة دليلًا على انجذابك إليه، وهذا لأن الجاذبية أمر لا يمكن التحكم فيه بالمعايير الذهنية التي بُرمج العقل عليها وفقًا لمجتمعه وثقافته؛ الجاذبية أمر عادة ما يحدث دون تخطيط من المرء. الجاذبية يمكن أن تُعرف ببساطة وفقًا للطب النفسي؛ بأنها الشعور الذي ينتاب الإنسان تجاه شخص يدغدغ حواسه أو يثيره جنسيًا، وهذا الأمر ليس بالضرورة أن يكون سببه الشكل الخارجي، بل إن الجاذبية تعتمد أكثر على جوهر الشخص الذي ننجذب إليه، سواء كانت أفكاره أو شخصيته أو أسلوبه في التحدث؛ حتى وإن كان هذا الشخص يعتبر قبيحًا بالمعايير المتعارف عليها. ولكن كيف نصنف الأشياء بالقبح من وجهة نظر الطب النفسي؟ «انتصار للشخصية وفرض الجوهر على السطحية» القُبح من منظار بسيط، وكما ذُكر في قاموس أكسفورد هو «الشيء المُنفر للعين، أو المنبوذ أخلاقيًا من المجتمع، وغير السار»، ولكن النفس البشرية لا تعمل بهذه البساطة؛ فتفرح عندما ترى شيئًا جميلًا وتبتعد عندما ترى شيئًا منفرًا، فربما ننجذب لشيء مُنفر للعين ولكنه جذاب من وجهة نظر أخرى. وقد اختار الطبيب النفسي الأمريكي أنتونتي ثاينوت؛ سوزان بويل مثالًا حيًا على هذا، وهي المرأة التي لا تعتبر جميلة بالمقاييس المتعارف عليها عالميًا، ولكنها حين شاركت في أحد برامج مسابقات المواهب الفنية؛ نجحت في جذب جمهور عالمي بشخصيتها الملائكية- كما وصفها أنتوني- وصوتها الرائع في الغناء. عندما صعدت سوزان للمرة الأولى على المسرح في البرنامج وأظهرت ثقة في نفسها على الرغم من شكلها القبيح؛ كانت تعبيرات وجه أفراد لجنة الاختبار والجماهير ساخرة منها؛ وكأنهم يسألونها من أين تلك الثقة وأنتِ متقدمة في العمر ولا تملكين معايير جمال جسدية؟ والإجابة كانت واضحة حينما بدأت في الغناء. شاهد كيف استقبل الجمهور سوزان ومن ثم كيف تأثر بصوتها من هُنا. بعض من الدموع، وبعض نظرات الندم على التسرع في الحكم عليها من مظهرها، ثم شهرة عالمية في العام 2009 الذي عُرض به برنامج «Britain’s Got Talent» والذي ساهم في نجاح تلك الموهبة المدفونة خلف الوجه القبيح، أو كما قالت الناقدة الأدبية دافني ميركين عن جمال الجوهر: «انتصار الشخصية، وفرض الجوهر على السطحية». ولكن ماذا لو كان الشيء أو الشخص الذي نراه؛ ليس له مكمن جمالي يمكن استشعاره؟ هل يمكن أن ننجذب إليه، وهل للقبح جاذبية خاصة به؟ الفنانة الفرنسية شارلوت جينسور يبدو أن الإجابة يمكن أن تكون بـ«نعم» ومن الأمثلة الشهيرة في هذا السياق نجاح بعض الممثلات اللاتي وصفتهن دافني ميركين، الناقدة الأدبية في صحيفة النيويورك تايمز بكون جاذبيتهن التي حصلن عليها تكمن في قبحهم المميز، مثل –وفقًا لرأي دافني- الممثلة الفرنسية شارلوت جينسبور. تلك التوصيفات المتضادة ليست جديدة على لسان العالم، وانتشر مثلها الكثير، ويعتبر التعبير الفرنسي «Jolie laide» أو القبح الجميل هو ما يوصف به كل شيء أو شخص خرج عن معايير الجمال المتعارف عليها، وصنع لنفسه جاذبية خاصة به قد لا يشعر الإنسان بالراحة التامة أمامها؛ ولكنه في نفس الوقت لا يستطع رفع عينه من عليها، وهُنا يأتي دور سيجموند فرويد ليخبرك: لماذا تنجذب أحيانًا للشيء القبيح أو الغريب رغم ما يتركه في نفسك من نفور؟ غير القابل للمقاومة.. UnCanny الطبيب النفسي سيجموند فرويد هو أول من ناقش ذلك الانجذاب النفسي المبني على النفور، وأطلق على هذا الشعور بـ«Uncanny» والتي تشير إلى الشيء الغريب أو الغامض الذي ينطوي على جاذبية غير مفهومة، خاصة وأن البعض قد يصنف هذا الشيء على أنه «قبيح» لأنه لا يتوافق مع المعايير المتفق عليها للجمال وتوسع في وصف الأمر من خلال كتابه الذي يحمل نفس الاسم «Uncanny» والذي يمكن ترجمته للعربية بأنه الشيء الغريب لدرجة غير قابلة للمقاومة، وهذا ما يمنحه الجاذبية. أقنعة خشبية يليق عليها تعبير «Uncanny» عندما تنظر إلى شيء قبيح أو غريب من وجهة نظرك –يخبرك فرويد- فأنتَ في تلك اللحظة تقع تحت وطأة صعوبة اختيار منح هذا الشيء أو الشخص صفة جيّد أو سيّء، لأن هذا ما نشأ عليه الإنسان. ولكن الشيء الذي يوصف بـ«Uncanny»؛ يتأرجح بين الجيد والسيء ويستقر في خانة غير معروفة، ولكنه أيضًا جذاب، فالصراع الذي يعيشه الإنسان في هذه اللحظة هو رغبة الوعي في رفض هذا الشيء والابتعاد عنه للتماشي مع القيم المتعارف عليها، وبين رغبة اللاوعي المُلحة في اكتشاف هذا الشيء الجديد غير المألوف حتى وإن ترك إحساسًا منفرًا في النفس. هذا الإحساس يضعنا في حالة نفسية لا نستطيع أن نحدد إن كانت سيئة أو جيدة، ويمكن وصفها بالمتعة من الاستياء. وادي الـUncanny.. صوفيا مثالًا منذ أكثر من 40 عامًا كتب ماساهيرو موري أستاذ علم «الروبوتات» في معهد طوكيو للتكنولوجيا؛ مقالًا يشرح تصوره عن ردود أفعال البشر عن «الروبوت» حينما يبدأ في التحرك تحرّكًا يحاكي البشر تقريبًا؛ متوقّعًا أن إحساس الإنسان بالفخر لما توصل إليه البشر من تكنولوجيا؛ سيتحول سريعًا إلى الشعور بالhشمئزاز، ولكن في نفس الوقت –أكد ماساهيرو في مقاله-سيكون من الصعب على هذا الشخص المشمئز تجاهل هذا الروبوت رغم ما يشعر به من نفور تجاهه، وسيسعى لمشاهدته والتعامل معه واكتشافه، ولذلك أطلق ماساهيرو على تلك الطفرة من التكنولوجيا والروبوتات التي ستغزو العالم بـوادي الـ Uncanny، تيمّنًا بوادي السيليكون الذي يُعتبر حاضنة لأحدث الابتكارات التكنولوجيّة في العالم. وحينما ظهرت صوفيا أول روبوت مواطن في العالم، وصفها الكثير بالـ«مخيفة»، والـ«مُنفرة» وغيرها من التعبيرات التي تدل على الرفض، ولكن في نفس الوقت حصلت المقاطع المصورة للقاءات مع صوفيا على موقع يوتيوب إلى ملايين المشاهدات لكل مقطع مصور؛ ولذلك تعتبر صوفي هي المثال الحي الموجود الآن والذي يمكن له أن يشرح لك تعبير فرويد عن الانجذاب للنفور، أو المتعة من الاستياء كما وصفها جاك لاكان. ساسه بوست