أطلقها الفرنسيون وصدقها العرب … «كذبة نيسان»
كثيراً ما نقع في المقالب التي يقوم بافتعالها بعض الأصدقاء والفنانين والوجوه العامة بشكل عام تتعلق بموت أو مرض في الأول من نيسان، فإن شحب وجهك وبدا عليك تصديق الأمر، يخبرونك أنك قد وقعت فريسة لكذبة نيسان.
كذبة نيسان كانت جزءاً من تراثنا الاجتماعي والثقافي، إلا أنها بدأت في الاضمحلال والخفوت، نظراً لانشغال الناس بأمور أخرى.
في الماضي، كانت أوسع انتشاراً، أما الآن، فيمكن الاعتقاد أن معظم الجيل الجديد الذي يقل عمره عن 20 عاماً، لا يعرفها من الأساس. إضافة إلى أن تسارع الحياة، وظهور أمور أخرى، أكثر جذباً للأذهان والتفكير، جعلت الكثير لا يتفنن في الخروج بكذبة.
أصل الكذبة
هذا اليوم مناسبة تقليدية في عدد من الدول، ولا يُعد يوماً وطنياً أو مُعترفاً به قانونياً كاحتفال رسمي لكنه يوم اعتاد الناس فيه الاحتفال وإطلاق النكات وخداع بعضهم البعض، فما أصلها؟.
بدأت هذه الكذبة بصفة رسمية في فرنسا، حيث إنها كانت الدولة الوحيدة التي تحتفل بأعياد رأس السنة الميلادية في الفترة من الحادي والعشرين من آذار، وحتى الأول من نيسان من كل عام بناء على تقويم خاص بها، تم وضعه من الإمبراطور الفرنسي شارل التاسع الذي حكم فرنسا منذ عام 1564.
وبعد انتهاء ولايته عادت فرنسا للتقويم الذي يتبعه كل دول العالم الذي يبدأ بشهر كانون الثاني، ولكن الفرنسيين ظلوا يحتفلون به في الأول من نيسان وهؤلاء القلة ذاع صيتهم، حيث أطلق عليهم «ضحايا كذبة نيسان»، وبدأت أخبارهم تنتشر في أنحاء أوروبا ليكونوا أضحوكة فيها، ثم بدأت الفكرة ذاتها تتطور، ليقوم الأوروبيون بترويج الشائعات والأكاذيب.
وعلى جانب آخر، فإن الهنود يقومون بالاحتفال بما يسمى «عيد هولي»، ومن ضمن طقوس ذلك العيد أن يقوموا بإطلاق الأكاذيب أيضاً، وبعد ذلك انتشرت كذبة نيسان حول العالم أجمع منذ بداية القرن التاسع عشر، ولكل دولة طريقتها في الاحتفال بما يناسب عاداتها.
بعض المؤرخين يرون أيضاً أنها نشأت في القرون الوسطى، حيث يعد شهر نيسان شهر شفاعة لضعاف العقول والمجانين، فيصلي العقلاء من أجلهم ولأجل إطلاق سراحهم، فنشأ عيد جميع المجانين، وكان هذا العيد أسوة بعيد جميع القديسين.
كذبة طريفة
حدث أن كان كارول ملك رومانيا يزور أحد متاحف عاصمة بلاده في أول نيسان، فسبقه رسام مشهور ورسم على أرضية إحدى قاعات المتحف ورقة مالية أثرية من فئة كبيرة، فلما رآها أمر أحد حراسه بالتقاطها فأومأ الحارس على الأرض يحاول التقاط الورقة المالية الأثرية ولكن عبثاً.
وفي سنة أخرى رسم الفنان نفسه على أرض ذلك المتحف صوراً لسجائر مشتعلة وجلس عن كثب يراقب الزائرين وهم يهرعون لالتقاط السجائر قبل أن تشتعل نارها في الأرض الخشبية.
وفي رومانيا أيضاً حدث أن نشرت إحدى الصحف خبراً جاء فيه أن سقف إحدى محطات السكة الحديدية في العاصمة هوى على مئات من المسافرين فقتل العشرات وأصاب المئات بإصابات خطرة.
وقد سبب هذا الخبر المفزع الذي لم تتحر الصحيفة قبل نشره هرجاً وذعراً شديدين وطالب المسؤولون بمحاكمة رئيس تحرير الصحيفة الذي تدارك الموقف بسرعة وبذكاء فأصدر ملحقاً كذب فيه الخبر وقال في تكذيبه «كان على المسؤولين قبل أن يطالبوا بمحاكمتي أن يدققوا في قراءة صدور العدد الذي نشر فيه هذا الخبر، فقد كان في الأول من نيسان»، ومن يومها دأبت الجريدة على نشر خبر مماثل في أول نيسان من كل عام.
وهناك أكاذيب انتشرت في كل بلد من بلدان العالم وما زالت شعوبها تتذكرها وتكررها حتى الآن مع حلول أول نيسان.
كذبات شهيرة
هناك كذبة اشتهر استخدامها في أول نيسان في بريطانيا، وهي أن يبعث أحد الناس بمئتي رسالة إلى الناس ويطلب منهم أن يتصلوا برقم تلفون يحدده في رسائله لأمر مهم جداً ومستعجل، ويحدد موعد الاتصال بين الساعة الثامنة والعاشرة صباحاً، وتكون النتيجة أن يظل صاحب رقم التلفون المذكور في شغل شاغل بالرد على مكالمات واستفسارات الناس طوال اليوم، وقد ضربت هذه الكذبة الرقم القياسي في استخدام الشعب الإنكليزي لها.
وفي عام 1957 أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أنه بفضل الشتاء المعتدل للغاية والقضاء على سوسة المعكرونة، سيتمكن المزارعون السويسريون من جني محصول وفير من الأسباغيتي في ذلك العام.
وأظهرت لقطات لفلاحين سويسريين يسحبون خيوط الأسباغيتي أسفل بعض الأشجار، وقد انخدعت أعداد كبيرة بالفعل وقتها من المشاهدين، واتصل العديد منهم بالشركة لمعرفة كيفية زراعة شجرة الأسباغيتي، وكانت الشركة تجيب «ازرع قطعة من الأسباغيتي في علبة من صلصة الطماطم، وتمنَّ حدوث الأفضل».
في عام 1998 أعلنت شركة «برغر كينغ» إنتاج برغر جديد مصمم للعملاء العسر، وظهرت إعلانات على صفحات كاملة لتعزيز تسويق البرغر الثوري الجديد، وقالت الشركة وقتها إن كل مكونات البرغر الجديد سيتم تدويرها بزاوية 180 درجة، حيث ينحرف الجزء الأكبر من الساندويتش إلى اليسار، حتى يناسب الشخص الأعسر عند تناوله الطعام، وبالطبع لم يكن هذا سوى كذبة مرحة طريفة من الشركة.
وفي عام 2009 أعلن موقع Hotels. com أنه سيتم قريباً عرض غرف بأسعار معقولة على سطح القمر، وقال «نحن واثقون من أن الإقامة على سطح القمر ستكون تجربة رائعة حقاً للخروج من هذا العالم».
وقالت الشركة: إن الغرف المعلن عنها تبدأ من 800 جنيه إسترليني، ليست شاملة تكاليف السفر.
مآس باكية
إلى جانب هذه المواقف المضحكة هناك مآسٍ باكية حدثت بسبب كذبة أول نيسان، فقد حدث أن اشتعلت النيران في مطبخ إحدى السيدات الإنكليزيات في مدينة لندن فخرجت إلى شرفة المنزل تطلب النجدة ولم يحضر أحد لنجدتها، إذ كان ذلك اليوم صباح أول نيسان.
كذبات عربية
عرف العالم العربي الكثير من الكذبات التي صدقها الكثيرون وتداولوها، وهذه أشهر الكذبات التي شاعت في السنوات الأخيرة.
الأولى: بعد إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، انتشرت شائعة أنه يظهر في القمر، ما جعل بعض الناس يجلسون في الليل لرؤية صورته في القمر في موقف أقرب للطرافة.
الثانية: انتشرت صورة لكائن يشبه القرد وقال متداولو الصورة: إنها لفتاة رمت القرآن الكريم في الحمام، فكان هذا هو جزاؤها لما فعلت، لكن سرعان ما تبين في النهاية أنها ليست سوى صورة لتمثال يتم عرضه في أحد المعارض الأجنبية.
الثالثة: من منا لم ير هذه الورقة التي كتبت فيها قصة غريبة لرجل فقير قام بنشر هذه الورقة 15 مرة فأصبح غنياً، وأن الشخص الذي لم ينشرها طرد من العمل مباشرة، الأمر لا يتعدى كذبة.
سؤال مهم
لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يكذب الناس؟ قال الباحث الإنكليزي جون شيمل الذي شغل نفسه بالكذب وبالبحث عن أصوله ودوافعه ومسبباته: «إذا كان الكذب قد أصبح صفة يتميز بها البشر عن سائر المخلوقات ويستخدمونه في شتى مرافق الحياة واتصالاتهم العامة أو الخاصة، فإن كل الأدلة تثبت أن المرأة أكثر استخداماً للكذب من الرجل».
وأضاف: إن السبب في ذلك يرجع إلى عاملين، أولهما نفسي عاطفي، فالمرأة أكثر عاطفة من الرجل، ولأن الكذب حالة نفسية ترتبط بالجانب العاطفي أكثر من ارتباطها بالجانب العقلاني، فالنتيجة الطبيعية أن تكون المرأة أكثر كذباً من الرجل».
وتابع: «العامل الثاني أن الكذب بصفة عامة سمة المستضعفين والإنسان غالباً ما يلجأ إلى الكذب لإحساسه بالضعف من حالة من المعاناة والاضطهاد وللهروب من واقع أليم يعيشه، ولأن المرأة خلقت أضعف من الرجل وعاشت على مر العصور وفي مختلف المجتمعات البشرية تعاني الاضطهاد والقهر فكان لابد أن تلجأ إلى الكذب».
دولتان فقط
هناك دولتان فقط حول العالم لا تعترفان بكذبة نيسان، ولا تحتفلان بها، هما إسبانيا لأنه يوافق لديهم يوماً مقدساً، وألمانيا لأنه يوافق ميلاد الزعيم بسمارك.