«أكيتو بريخو».. أيها السوريون!
يغيب آباءُ «الإينوما إيليش» عن الذاكرة الوطنية للأحفاد، فلا يعرفون أمهم عشتار التي يسمونها «أم الزلف» عندما يغنّون لها «الموليّا» في الأعراس!.
يحتفون في الريف بأعياد الربيع في آذار والأول من نيسان من دون أن يعرفوا العلاقة بين تموز وعشتار وأسطورة النزول إلى العالم السفلي ومن ثم الانبعاث والعودة للحياة مرة أخرى!.
كأنَّ سورية القديمة التي يصادف تقويمها اليوم، العيد المعروف بـ«الأكيتو» وهو رأس السنة السورية، خارج الجعبة التاريخية للمؤسسات الرسمية المعنية التي لا تتردد بإحياء المناسبات العالمية التي حددتها الأمم المتحدة لتكريم الفنون مثل المسرح والسينما والشعر.. في حين تبدو السنة السورية التي تدخل عامها الـ6767 بعيدة عن دائرة الضوء، رغم أنها تتصل مباشرةً بنشوء الحضارة واكتشاف أول قصيدة وأول محراث وأول حبة قمح!.
أحفاد «الإينوما إيليش»، أصيبوا بالزهايمر!. وهم يهرعون لتقليد التجريد في التشكيل العالمي بلا رصيد محلي، والهايكو في الشعر من دون مقومات لهذا الفن، ويحتفون بالغرائبيات المستوردة من الثقافات الأخرى حتى باتت الذائقة مقطوعة الجذور، مع إن هذه الذاكرة المطموسة لسبب أو آخر، ممتلئة عن بكرة أبيها ومآثرها تطفّ من دون أن يلتقطها أحد بالشكل المطلوب!.
من معالم هذا الطمس ربما، تحويل عيد السنة السورية، إلى عيد «للكذب»! رغم ما سيقوله البعض عن التقويم الأوروبي ومناسبة تغييره من قبل ملك فرنسا شارل التاسع عام 1564، فإن سلب تلك المناسبة من ذاكرة السوريين وتحولها إلى خديعة رغم أنها ترتبط بعيد الزراعة الأول في التاريخ البشري، يعدّ مسألة تستحق الوقوف والتساؤل فعلاً!.
نقول اليوم لأحفاد «الإينوما إيليش» وهي أسطورة الخلق البابلية، «أكيتو بريخو» عيد مبارك باللغات القديمة الآرامية والسريانية التي شاءت المفارقات أن يسميها العامة لغة «الجان»، مع إن الخبراء يعدّونها الأم الشرعية للغة العربية التي نتحدث بها الآن!. كأن القطيعة مع سورية القديمة التي رسمت ملامح البشرية أمر مخطط له في دوائر عالمية بهدف الطمس والإظهار والتغييب أو التحوير والتجيير.. في كل هذا يبدو أحفاد «الإينوما إيليش» مغلوبين على أمرهم عندما ينسون أو يتناسون مناسبات تعدّ انعطافات في الإنسانية المدنية بدءاً من الأبجدية والسلم الموسيقي السباعي وصولاً إلى النصوص الملحمية الأقدم حتى مما كتبه الإغريق أنفسهم، لكن التاريخ في كل مرة شاء أن يتواطأ مع ما كتبه المستشرقون عندما أزاحوا الصفة السورية من كل المعالم واستبدلوها بالإغريق والرومان ونحن تلقفنا كل ذلك بسبب جهلنا اللغات القديمة فاضطررنا إلى قراءة تاريخنا عن الانكليزية والفرنسية للأسف!. ألا تحتاج هذه المفاصل إلى مؤسسات كاملة كي تبدأ مشروع الإضاءة وإحياء التاريخ المسفوك والمسروق والمغيب؟. هل يمكن أن نقارن ملحمة جلجامش بتوقيع مترجمها طه باقر أو نائل حنون عن اللغات السورية الأم، مع الترجمات التي قدمها لنا المستشرقون كي نكتشف حجم المتعة التي خسرناها ونحن نترجم تاريخنا من لغات الأجانب إلى العربية كأننا نقرأ أدباً عالمياً لا ننتمي إليه بشيء؟.