بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

«يمارسون الجنس مثل قردة البابون».. ماكسويل يروي أسرار نشأته في طائفة «الحب الحر»

الأحد 13-05-2018 - نشر 7 سنة - 4946 قراءة

نشرت «الجارديان» تقريرًا كتبه «سام ولاستون» يتناول الحياة السرية لإحدى الطوائف الروحية الجامحة، وما تمارسه من حفلات الجنس الجماعي، وذلك من خلال النظر عن كثب لحياة أحد أفرادها الذي انضم لها طفلًا ثم تركها لينطلق للعالم الخارجي بكل ما فيه من تحديات ليصبح أبًا لثلاثة أطفال. انتقلت الطائفة للولايات المتحدة الأمريكية بعد نزاع مع السلطات في الهند، وبدأت تتكشف أعمالها غير القانونية.

يقول الكاتب: إنه في عام 1976 انضمت عائلة «نوا ماكسويل» إلى مجتمع «الحب الحر» الذي أسسه «باغوان شري راجنيش» الشهير بـ«أوشو» – زاهد هندي ومعلم روحي – وتعرض شبكة «نتفليكس» حاليًا سلسلة تتناول حياة هذه الطائفة، لكن الكاتب يتعرض بشكل خاص إلى فترة طفولته «الغريبة»، ومعاناته في سبيل التأقلم مع الحياة في الخارج.

إعلان الوثائقي المعروض على نتفليكس

يذكر الكاتب أنه عندما كان «نوا ماكسويل» في الرابعة من عمره، وبعد تلاشي انبهار والديه – المنتميين للطبقة المتوسطة العليا البوهيمية – بمدينة لندن وتزايد إحباطهم، اشترى والداه مزرعةً في هيرتفوردشاير، حيث طفقا يعيشان حياةً مستقلة اعتمادًا على مجهودهما الذاتي – من أعمال الحصاد باستخدام الخيل، وذبح الخنازير، وصنع لحم الخنازير المقدد، وصناعة الزبدة – ومحاولة العثور على وقت للرسم وسط كل ذلك.

في أحد أيام عام 1976 تلقوا رسالةً من أحد أصدقائهم في الهند آنذاك، حيث وجد معنىً لكل شيء، توجهت عائلة «نوا» -الوالدان بالإضافة إلى ثلاثة أطفال – على أثر ذلك لزيارة مقر الطائفة في مدينة «بونا» حيث يقيم «باغوان شري راجنيش»، زعيم الطائفة المثير للجدل، حيث كان يلقي مزيجًا من مواعظ التصوف الشرقي، والفلسفة الغربية، والحب المتحرر، رافعًا بذلك الوعي والمثالية الواعدة لأتباعه من شتى أنحاء العالم، الذين ارتدوا الملابس البرتقالية.

كنا عائلة صغيرة من الطبقة المتوسطة.. لكن خلال فترة وجيزة، تمزقت وحدة الأسرة – نوا ماكسويل

تجدد ظهور «راجنيش» – الذي مات عام 1990 – وحركة «سانياسن» التي أسسها على السطح خلال الأسابيع القليلة الماضية بفضل وثائقي جديد يُعرض على شبكة نتفليكس باسم «Wild Wild Country». يركز المسلسل، الذي كثر الحديث عنه خلال الفترة الماضية، على ذلك المجتمع الذي أُسس في ولاية أوريغون بعد أن أُجبروا على الخروج من الهند عام 1981، وكيف صبوا جل تركيزهم على السكان المحليين في أمريكا، وتبعات ذلك.

يقول الكاتب: إن تلك السلسلة التي تعرضها نتفليكس، كانت السبب الرئيس لإجراء هذا اللقاء مع «نوا»، الذي يبلغ من العمر الآن 46 عامًا، في مقهى بمدينة نوتينغ هيل غربي لندن. يذكر الكاتب أنه كتب مراجعة إيجابية عن ذلك المسلسل؛ لما تضمنه من سرد قصة غير عادية، تحمل بين طياتها الارتياب وسوء الفهم، والسلطة والسياسة، والخوف والكراهية التي تطورت إلى سعي للقتل، والإرهاب والحرب الكيميائية، بشكل شامل وموضوعي، إلا أنه أراد معرفة المزيد عن الحياة داخل الطائفة، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يظهرون راكضين في خلفية المشهد، أرسل «نوا» تغريدة للكاتب مفادها أنه كان أحد هؤلاء الأطفال بداية في مدينة «بونا» الهندية، ثم في ولاية أوريغون.

صورة نوا ووالديه وشقيقه الأصغر أثناء تواجدهم مع طائفة «سانياسن» في بونا- 1978

يذكر الكاتب أن سُرعان ما تأقلمت عائلة «نوا» في مدينة «بونا» مع حياتهم الجديدة، وعاد «نوا» ووالداه وشقيقه الأصغر إلى الهند بعد سفرهم إلى بريطانيا من أجل بيع مزرعتهم، أما شقيقه الأكبر فلم يرافقهم؛ إذ كان أخوه لأب آخر؛ ما سبب بطبيعة الحال آلامًا شديدة لوالدته.

يتذكر «نوا» زيارة «راجنيش» من أجل منحه اسمًا جديدًا خاصًا بطائفة «سانياسن»، وقد تسارع الأطفال الآخرون إلى سؤاله في فضول عن اسمه الجديد، لكنه لم يتذكره حينها، فاضطر لسؤال أمه، فأجابته «سوامي ديفا روبام».

بعد فترة وجيزة، كانت والدته تعيش في مكان في مقر الطائفة، بينما كان والده يعيش في مكان آخر، أما «نوا» فقد كان يعيش في كوخ الأطفال، ويعلق «نوا» على هذا الوضع الجديد قائلًا: «كنا عائلة صغيرة من الطبقة المتوسطة من حقبة السبعينات، ولكن خلال فترة وجيزة، تمزقت وحدة الأسرة».

حياة الأطفال في طائفة جامحة

ولكن عندما عدت في نهاية المطاف إلى لندن، وكنت في العاشرة من عمري، لم أستطع قراءة أو كتابة أي شيء، بل لم أستطع جمع 2 + 2 – نوا ماكسويل

حسب ما ذكره «نوا» كان كوخ الأطفال عبارة عن بناء من الخيزران مثمن الأضلاع به أسرّة من طابقين، وكان «نوا» وغيره من الأطفال – من أستراليا، وألمانيا، وأمريكا – لهم مُطلق الحرية في فعل ما يحلو لهم، ويضيف «نوا» أنه كانت هناك مدرسة «يديرها هيبي إنجليزي معتوه يُدعى شارما، ذو شعر أشقر طويل، وبيده جيتار، وكنا نغني (We all live in the orange submarine) «نعيش جميعًا في الغواصة البرتقالية»، بيد أنني لم آبه كثيرًا لأهمية ما إن كنا في مدرسة أم لا. ولكن عندما عدت في نهاية المطاف إلى لندن، وكنت في العاشرة من عمري، لم أستطع قراءة أو كتابة أي شيء، بل لم أستطع جمع 2 + 2»، إلا أنه من ناحية أخرى، تعلم «نوا» جيدًا كيف يدخن، وفي السادسة من عمره انتشى دون قصد بعد تناوله كعكًا مخلوطًا بالمخدرات.

كان الجزء الأكثر ترويعًا في السلسلة الوثائقية لشبكة نتفليكس، مقطع فيديو صوره مواطن ألماني من داخل مقر الطائفة في بوما، والذي يبدو أنه طقوس عربدة عنيفة – حفل جنس جماعي – داخل غرفة مبطنة. وحسب ما قاله «نوا» فإنه لم ير أيًا من تلك الحفلات، لكن يذكر أنه شهد بعض السلوكيات الغريبة والعاطفية أيضًا، ويشير إلى أن الضحك كان وسيلة الأفراد للتعبير عن أنهم «متوائمون مع مشاعرهم»، ففي إحدى الليالي – يقول – بدأ آلاف الأشخاص فجأةً في الضحك بهستيرية، ضحك حتى دمعت أعينهم. كان «نوا» في ذلك الوقت يُدرك معنى الجنس، ويقول: «يمكنك سماع أصوات النشوة الجنسية والجماع طوال الوقت. وطوال الليل، كما لو كانوا في موسم تزاوج قردة البابون والجيبون».

صورة «ما أناند شيلا»، المساعد الشخصي لـ«راجنيش»

كان يعرف أن والديه لديهما شركاء مختلفون، وعند سؤاله «هل كان ذلك مزعجًا؟»، يقول: «لم أظهر انزعاجي على الإطلاق. فقد كان هذا الوضع العام، وكانت الرواية السائدة، وبالأخص من والده، أن هذا رائع، وأنت رائع؛ لذا كنت أتظاهر أنه رائع»، لكنه يذكر أنه كان على دراية بأن والدته تعاني في صمت؛ إذ قالت إنها كانت تتساءل آنذاك: «ماذا فعلنا بأنفسنا – بزواجنا – إذ كانوا معًا، لكننا لم نكن نعيش كوحدة أسرية».

يشير «نوا» إلى أن استقلاليته قد أجدته نفعًا بشكل أو بآخر، ويقول: «لكن إن لم يكن لديك حدود في حياتك، يصبح العالم مرعبًا»، فوجود تلك الحدود واختفاؤها أمر يحدث مرارًا وتكرارًا داخل الطائفة. يقول «نوا» إنه تفهم دعوة «راجنيش»، وهيبة الرجل والهالة المحيطة به، صوته غير العادي، والجاذبية والحضور الشخصي الذي يتمتع به. ويردف قائلًا: «لكنني أعتقد بما لا يدع مجالًا للشك أنه مُلام بشدة، ومذنب بالاستخفاف بأتباعه، وأنه السبب في كثير من الأضرار الجسيمة التي حلت بالكثير منهم».

رفض «نوا» النظر إلى صوره، كما صرح برفضه التام لرسالة الطائفة، إذ يقول «في نظري، يرتبط معنى حياتي بالعائلة، وبالعلاقات العائلية، إلا أن ذلك يتم تجاهله بشكل صارخ في ظل فكرة أن هؤلاء الأطفال سيكونون سعداء إذا ما ترعرعوا في كنف هذا المكان الجامح وحسب».

يؤكد الكاتب أنه من الصعب أحيانًا ربط «نوا» ذلك الرجل اللبق الجذاب وهو يحتسي الماكياتو في مقهى «لو بان كوتيديان» (Le Pain Quotidien)، بطفل هيبي يركض بجموح بلا حذاء ولا حدود في الهند، ومع ذلك يقول الكاتب: «إن هناك أمرًا ما في عينيه، نظرة تقول: نعم، لقد شهدنا ما يكفي حين كنا صغارًا».

بعد أن قضى «نوا» وعائلته قرابة أربع سنوات في «بونا»، وفي ظل تزايد التوترات بين الطائفة والسلطات الهندية، انتقل «راجنيش» وأتباعه إلى الولايات المتحدة، وأسسوا مجتمعًا في مزرعة خاصة بمقاطعة واسكو في ولاية أوريغون، وهو المكان الذي بدأت منه قصة سلسلة نتفليكس (Wild Wild Country). تتجسد شخصية البطل أو بالأحرى «الشخصية الشريرة» لسلسة نتفليكس في شخصية «ما أناند شيلا»، المساعدة الشخصية لـ«راجنيش»، والتي كان لها دور أساسي في البناء السريع لـ«راجنيشبورام»، المدينة الجديدة المنعزلة تمامًا، والتي لا تتقاطع بأي شكل بالإنجازات الإنسانية.

كل ما يذكره «نوا» عن «شيلا» أنها كانت مرحة، ولطيفة، وتتمتع بثقة عالية، ويضيف «لكنني أعلم أيضًا حسب ما سمعت من والدي، أنها كانت لا تعرف الرحمة، وأعتقد أن ذلك كان جليًا من السلطة التي بيدها». يذكر أن ذات مرة، اختلف والده مع «شيلا» بشأن الدجاج، ومن ثم استبعد على الفور من واجباته الزراعية (التي كان على دراية جيدة بها)، ووُضع بدلًا عن ذلك في برج المراقبة، بينما كانت والدته ترعى الأبقار، وبالتالي لم يكن أي منهم جزء من الدائرة الداخلية لـ«شيلا».

حياة البرية

يتذكر «نوا» حجم العمل المجنون والمحموم الذي كان يجب إنجازه، لا سيما مع ظروف أن المكان كان أكثر برودةً في الشتاء مما قد رآه من قبل في الهند، وكانت حرارة الصيف حارقة. وعلى غرار المقر القديم في الهند، عاش «نوا» مرة أخرى إلى جانب الأطفال الآخرين حياة برية، يحاولون القفز على كتل الجليد الطافية على سطح النهر، ويقتلون الأفاعي، ويضعون العناكب والدبابير في صناديق أشرطة الكاسيت لمعرفة أي منها سيقتل الآخر، ويرى «نوا» أن ذلك كان أمرًا رائعًا من نواح عدة.

صورة لاستقبال أتباع طائفة «سانياسن» زعيمهم الروحي 

يستحضر «نوا» إحدى الذكريات السيئة، فيقول: «ذات ليلة، عندما حصلنا على برميل من الجعة، وواصلنا تناول الشراب دون وعي، ثم فجأةً وللمرة الأولى أصبحت في حالة سكر شديد. إذا تدبرت الموقف، ترى أن سن العاشرة ما يزال مبكرًا بعض الشيء لمثل ذلك. ومن ثم انفجرت في البكاء طالبًا أمي وأبي، كنت أحتاجهم فحسب».

يستكمل قائلًا: إن الأطفال الآخرين ربما كانوا متقدمين عنه قليلًا، ولديهم خبرة سابقة في ممارسة الجنس، «ليس بنفس مقدار هوس الآخرين البالغين»، مشيرًا إلى حالات العربدة والجنس الجماعي للكبار، «بل بالأحرى يختلف مقدار ذلك من شخص لآخر، لكنني أعتقد أننا اختبرنا الكثير مبكرًا – في سن صغير – بعض الشيء؛ كانت خبراتنا متقدمة في كل شيء».

يذكر الكاتب أن جزء كبير من السلسلة الوثائقية يتمحور حول العداوة بين مجتمع «سانياسين»، والسكان المحليين لمقاطعة واسكو، لكن يوضح «نوا» نظرة طائفته فيقول «لقد كانوا هم العدو، الأشخاص الأغبياء التقليديين المحافظين». وأضاف أن أفراد مجتمع «سانياسين» اعتقدوا أنهم كانوا أفضل من دونهم من البشر، وهو ما يظهر في السلسلة الوثائقية، يذكر «نوا» مدى اندهاشه عندما خرج مع والدته لمقابلة أصدقائها؛ اندهش من أنها تمكنت من التحديث بلباقة ووضوح وبقدر عال من الذكاء العاطفي، ويقول: «لقد ظننت أنك ما لم تكن أحد أفراد مجتمع سانياسين، فأنت لا محالة ستكون مجرد أحد الآلات القتالية».

يعتقد «نوا» أن هذه السلسلة تبدي كثيرًا من الاهتمام بالصراع بين أفراد «سانياسين» وغيرهم من «الرجعيين»، وهو حسب وصفه «أمر مشوق حقًا، لكن القصة الداخلية أكثر تشويقًا وإثارة، وتدور حول كيف انتهى الحال بكثير من الأشخاص من الطبقة المتوسطة الذكية مثل عائلتي باتباعهم للطائفة، ووصولهم للحالة التي هم عليها الآن، إلى قاع الظلام. كيف يحدث ذلك؟ لقد كان الأمر أشبه بالمثالية التي تتخطى الواقع، فتجعلك تفقد إحساسك بالعدالة، وما هو صواب في هذا العالم».

يؤكد الكاتب أن «نوا» لم يكن على دراية بالفضائح التي ظهرت في السلسلة آنذاك، كعمليات الاحتيال لتوطين أفراد «سانياسين» المهاجرين، المتمثلة في انتقالهم إلى أجزاء متفرقة من الولايات المتحدة الأمريكية والزواج من مواطنين أمريكيين حتى يتمكنوا من المكوث في الولايات المتحدة الأمريكية، وتورطهم في تسميم 751 شخص في بلدة «ذا داليس»، من خلال تلويث محتويات ركن السلطة في أحد المطاعم المحلية، بالإضافة إلى حلقة أخرى مروعة، كشفت أنهم قاموا بنقل أعداد غفيرة من المشردين في حافلات من أجل الفوز بالانتخابات المحلية. في الحقيقة، كان «نوا» قد ترك الطائفة قبل وقوع كل تلك الأحداث، لكنه يتذكر رؤية مشردين في مقر الطائفة، على الجانب الآخر من السياج المعدني، أثناء زيارته لوالده.

ويتساءل الكاتب في تعجب «أنى له أن يدري بما كان يحدث؟» إذ كان طفلًا، وكانت تلك حياته، بيد أنه لاحظ زيادة التوترات وصراع السلطة، وكان هناك تزايد مستمر في الأسلحة داخل الطائفة. يقول «نوا»: «مع مرور الوقت حتمًا يدرك المرء أن ثمة أمرًا غامضًا، فكل شيء بدا غريبًا، كان هناك ذعر وارتياب شديد حيال مرض الإيدز – نقص المناعة المكتسبة – واقتراب نهاية العالم».

صورة. تجمع بين «راجنيش» ومساعدته «ما أناند شيلا»

يقول الكاتب: إنه في عام 1986 اعترفت «شيلا» بذنبها في الشروع في القتل، وبمحاولتها التنصت إلكترونيًا داخل التجمع، فضلًا عن دورها في جرائم الاحتيال المتعلقة بالهجرة، وحوادث التسمم، وقد حُكم عليها بالسجن، إلى جانب زعيمين آخرين. وفي عام 1993 وقعت أحداث «واكو»، حين اقتحمت المباحث الفيدرالية مقر زعيم أحد الطوائف يدعى «ديفيد كوريش»؛ ما أدى إلى مقتل 76 شخصًا؛ فكان لتلك الحادث بالغ الأثر على «نوا»، وأدرك فجأةً أن شيئًا مثل هذا قد يحدث لهم أيضًا.

تحديات خارج الطائفة

«أعتقد أنني لو بقيت فترةً أطول، لكان الانفصال عن العالم الواقعي أكثر عمقًا»

انتهى المطاف بوالدة «نوا» برغبتها الملحة في ترك الطائفة؛ إذ لم تكن تشعر بالطمأنينة والراحة حتى في «بونا»، ومن ثم عادوا مجددًا إلى بريطانيا، وانتهى زواج والديه، أرادت والدته الاستقرار في «نورفولك»، أما والده فعاد إلى «أوريغون» مع الطائفة، ومُنح «نوا» وشقيقه حق اختيار البقاء مع أيهما، يقول «نوا»: «أتذكر جلوسي في المقعد الخلفي للسيارة، حيث قالا لي، ماذا تريد أن تفعل؟ قلت أريد البقاء – في بريطانيا، وأن أذهب إلى المدرسة وأتعلم»، واتخذ شقيقه نفس القرار.

يشير الكاتب إلى أن رد فعل «نوا» بعد معايشته لطفولةٍ «غريبة»، تمثل في اتخاذه قرارًا يتعارض تمامًا مع كل ما مر به، يقول «نوا»: «أردت أن أكون عاديًا قدر الإمكان، واتخذت كثيرًا من الخيارات التي قد تمنحني مثابرة، ووضعًا أكثر متانة».

يعتقد «نوا» أن تركه للطائفة في سن صغيرة كان في صالحه، ويفسر ذلك قائلًا: «أعتقد أنني لو بقيت فترةً أطول، لكان الانفصال عن العالم الواقعي أكثر عمقًا. وهو ما شعرت به في حالات غيري من الأطفال الذين بقوا مدة أطول. أتصور أنه كان من الصعب الاندماج مجددًا في العالم الواقعي الخارجي، وهكذا انتهى الحال بكثير منهم بالعودة إلى غياهب ذلك العالم الجامح».

يؤكد الكاتب بعد لقائه بـ«نوا» أن الانخراط في مجتمع شامل وأوسع لم يكن بالأمر السهل إطلاقًا؛ فعلى سبيل المثال لم يغير «نوا» اسم «روبام» الذي مُنِح له في الطائفة لفترة طويلة؛ بدافع الوفاء لأبيه، لكنه أبلى جيدًا إلى حد ما في التكيف والتأقلم، فكان يقول لمن حوله في بريطانيا: «إن اسمه الهندي يرجع لاشتغال أبيه بالزراعة في الهند، دون الإشارة إلى الطائفة».

يقول الكاتب: «في تلك الفترة، انتشرت بعض التقارير الصحفية عن طائفة الجنس، وزعيم الطائفة، وسيارات الرولز رويس، وبدأ نوا يدرك مدى غرابة الأمر، وبطبيعة الحال لم يرد أن يرتبط اسمه بأي من تلك الاحداث، لكنه كان متأخرًا جدًا، وتورط في بعض المشاكل، ليس لأنه كان متمردًا، بل لاكتشافه تدريجيًا أنه من الصعب التواجد في العالم الحقيقي».

دفعت جدته آنذاك تكاليف ارتياده مدرسةً نباتية هيبية خاصة؛ ما شحذ رغبة «نوا» في أن يصبح ممثلًا، وفي يوم من الأيام دعا مدير المدرسة إلى ندوة خاصة بسبب حضور بعض الأشخاص الخطرين إلى المدينة، «طائفة جنسية تُسمى سانياسين»، عارضًا فيديو تحذيريًا على الجميع، فيتساءل الكاتب «أتدري لمن كانت اللقطة الافتتاحية؟» لتكن الصدمة أن اللقطة الافتتاحية كانت «لقطة مقربة لوجه «نوا»، لكن لحسن حظه، لم يتعرف عليه أحد بسبب شعره الأشعث الطويل، فضلًا عن أن تلك الصورة كانت قد التُقطت قبل عدة سنوات.

صورة «راجنيش» أمامة بعض أتباعه

استمر أفراد طائفة «سانياسين» في الانتقال إلى أماكن مختلفة، وفي شيع مختلفة بعد انتهاء «راجنيشبورام»، وبعد رحيل «راجنيش»، وما يزال والده ملتصقًا بعمق بالطائفة، بينما تهيمن على والدة «نوا» مشاعر الألم والذنب.

كيف هي حياته الآن؟

يذكر الكاتب أن «نوا» يشعر بمزيج غريب من الاستياء والامتنان؛ فهو تحمل نصيبه العادل، أو بالأحرى ما يصفه «بالحصة الضخمة» من أنواع العلاجات النفسية المختلفة للتعامل مع طفولته الجامحة الخالية من الحدود – وما يثيره أمر كهذا من ذعر – وكذلك للتعامل مع تبعات إساءة استغلال السلطة في تلك الطائفة، وما يمكن أن يولده كل ذلك من مشاعر تخرج عن نطاق السيطرة، وليس غريبًا أنه صار حذرًا للغاية من المعلمين الروحانيين لمثل تلك الطوائف.

صورة لأتباع الطائفة في ولاية أوريغون الأمريكية يؤدون أحد طقوسهم التأملية

لكنه يقول: «إنه اكتسب قدرًا جيدًا من فهم الناس خلال الوقت الذي أمضاه في الطائفة، وهو أمر لا يُقدر بثمن». أصبح «نوا» ممثلًا، واستخدم اسم «روبام ماكسويل»، وكان دوره الأخير في مسلسل «إمردايل»، حيث لعب دور اللورد «أليكس أوكويل»، شابٌ أرستقراطي مفعم بالحياة، خلال الفترة من 1997 إلى 1998.

ثم اتجه إلى التدريب حتى الآن، إذ يقدم المشورة لعملائه في مجالات التأثير الشخصي، معلمًا إياهم كيفية استغلال نقاط قوتهم الطبيعية، كالتحكم في نبرة الصوت، وفي عروضهم التقديمية، والظهور الإعلامي. ويذكر مرارًا أنه يحب «البنية الخطية» للعمل مع شركات المحاسبة والشركات القانونية، في ظل حدودها ووفق لوائحها. ويضيف أن ما يقوم به يرتكز بالأساس على الموثوقية، يقول الكاتب: إنه «عقب انتهائهما من تناول القهوة، اتجه نوا إلى جنيف لحضور اجتماع».

نوا ماكسويل، الناجي من طائفة هيبية جامحة

أما عن حياته الخاصة كزوج وأب فيقول الكاتب: إنه تزوج، وذكر أن زوجته «تنحدر من أصول أيرلندية كاثوليكية جيدة بالفعل، وأنا أحب ذلك»، وذكر أيضًا أن لديه ثلاثة أطفال، يبلغون من العمر: 17، و16، وتسع سنوات.

وتوجه الكاتب إليه بسؤال ربما يتبادر إلى عقل القارئ: كيف يغدو شخص لديه مثل هذا الماضي والطفولة الغريبة أبًا؟ فكان رده «لست أبًا جيدًا بالقدر الذي أعتقده. يخبرني طفلي الأكبر حاليًا أنني أحيانًا كنت شديد الغضب في تعاملي معهم عندما كانوا صغارًا، وأمورًا أخرى من هذا القبيل، لكن بالنسبة لي الشيء الأول والأهم في حياتي: الأسرة، وأن يتلقى الأطفال الدعم من والديهم، بطريقة تظهر لهم جليًا أنهما سيكونان حاضران دائمًا لمساعدتهم في أن يكبروا في هذا العالم».

ويختتم الكاتب تقريره مؤكدا أنه على الرغم من طفولته الغريبة، يشعر «نوا» بالارتياح إذ صار قادرًا على التحدث مع أبنائه بشأن طفولته والطائفة القديمة، ويساعده في ذلك أنهم متفهمون، وذوو بصيرة، ومتزنون، وأضاف «ربما يذهبون الآن وينضمون إلى طائفةٍ ما».


أخبار ذات صلة

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

تأثير التعليم على الفيزيولوجيا

إشراف.. الأستاذ الدكتور رشاد محمد ثابت مراد

المايسترو ميساك باغبودريان:

المايسترو ميساك باغبودريان:

من المحزن عدم وجود أي برنامج يتحدث عن الموسيقا في قنواتنا التلفزيونية