21 أذار ليس عيد الأم ..عيد سوري
يعتبر يوم 21 آذار يوم عيد الأم من أهم المناسبات التي يحتفل بها الناس في أنحاء العالم وتحديداً في المنطقة العربية حيث تقدم الهدايا والورود والحلوى للأمهات تعبيراً عن الحب والتقدير والامتنان لدورهن العظيم... هذا ما يعرفه معظم الناس لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن سوم 21 آذار هو يوم الربيع حيث تتمكن عشتار (آلهة الأنوثة) من تخليص تموز (إله الذكورة) من العالم السفلي، ليعود إلى الحياة ويخصب عشتار ويجلب إلى الارض الربيع والخضرة.
وكان الإعتقاد السائد أن سبب إنبعاث الطبيعة في نيسان(الذي يصادف حاليا يوم 21 آذار، أو عيد الرابع بالساحل السوري وهو يوم المنقلب الربيعي، وتبناه الإيرانيون ومن ثم الترك وشعوب آسيا الوسطى باسم عيد نيروز).. هو يوم خروج (تموز إله الخصب والذكورة) إلى الأرض بعد صراعه مع الآلهة الشرّيرة ثم انتصاره عليها، وزواجه من الإلهة (عشتار آلهة الأنوثة الخصب). إن انبعاث الحياة المتمثلة ببداية الربيع هو جوهر الحياة الطقسية البابلي وسابقا سُمّيَ هذا العيد بالسومرية " خجيتي زيغوركو" (الحجة الصغرى) أي (العيد الصغير) .
أماّ بالأكادية(البابلية الآشورية) فكان يسمّى (ريش- شاتين) أي رأس السنة وبالارامية ريش شنثا وبالعبرية روش هاشونا وراس السنة بالعربية وعمليا وعلمياً يعتبر شهر نيسان البداية الحقيقيّة لدورة الحياة الطبيعية على الأرض كونه في نيسان تبدأ الطبيعة بالتجدد والإنبعاث، وليس في كانون الثاني. وفي المدن السورية والعراقية (بابل ، نينوى وباقي المدن...)، اعتبرت ملحمة "إينوما إيليش"(عندما في العُلى)، التلاوة الطقسية المُجَسِّدة لخلود سيّد الآلهة آيل او شمش او مردوخ او حدد، وخلق الحياة. وكانت تُتلى في معبد الإله (إيساغيلا = البيت الشامخ) في اليوم الرابع من "آكيتو" التي كانت تدوم طوال إثني عشر يوما بعد ليلة الاعتدال الربيعي وإستواء الليل بالنهار.
-البرنامج الاحتفالي والذي كان يقام بكل سوريا والعراق ولكن في بابل بابهة امبراطورية وكما وصفتها مدونات نبوخذ نصر
كانت احتفالات رأس السنة العراقية (البابلية -الآشورية-الكلدانية) (آكيتو ـ حجتو) تقام بدءاً من أوّل ليلة الإعتدال الربيعي (تساوي الليل مع النهار)،وتتخللها الصلوات والتمثيليات الدينية الضخمة بشكل مهرجانات سنوية يشارك فيها الشعب من كافة الطبقات، فيما يستعمل الكهنة نماذج تمثل الآلهة، كمجرّد وسيلة تعبير ليس إلاّ، وكانت احتفالات آكيتو ببابل تجري وفقاً للبرنامج التالي:
1- من اليوم الأوّل إلى الثالث :
تطهير النفوس؛ في هذه الفترة يقوم كاهن الإيساغيلا(بيت الاله) بتلاوة طقوسٍ حزينة، بمشاركة كهنة المعبد، ويرد عليهم المشاركون من الشعب بترانيم باكية تعبّر عن خوف الإنسان من المجهول، لذلك يتّجه الكاهن الاعلى كلّ صباح إلى الإيساغيلا لطلب الغفران من الاله، راجياً إياه حماية بابل مدينته المقدّسة وسُمّيت هذه الصلاة : سرّ إيساغيلا.
2- اليوم الرابع :
في الصباح، يسير كلّ شيء كما في الأيام الثلاثة الأولى، وفي المساء كانت تُتلى ملحمة الخلق "إينوما إيليش" (عندما في العُلى) بالكامل، لتحكي عن بدء الكون وتكوّن الفصول وإتحاد قوّة كافة الآلهة في الإله مردوخ بعد انتصاره على التنين تيامات وتعتبر تلاوة هذه الملحمة، تحضيراً لطقوس خضوع ملك بابل أمام الاله ، في اليوم الخامس من آكيتو.
3- اليوم الخامس :
يوم الخضوع لملك بابل أمام الإله ، حيث سيدخل الملك الإيساغيلا برفقة الكهنة، ويتجهون نحو المذبح، فيدنو الكاهن الأعلى للإيساغيلا من الملك آخذاً دور الإله ، ويبدأ بتجريده من حليّه وصولجانه وحتّى تاجه، ثمّ يصفع الملك بقوّة حيث يركع الأخير ويبدأ بتلاوة الغفران وإعلان خضوعه للاله قائلاً: " أنا لم أخطيء يا سيّد الكون، ولم أهمل أبداً جبروتك السماوي..." ويردّ عليه الكاهن بدَور الاله : " لا تخف ممّا يقوله الاله، فسوف يسمع صلواتك ويوسّع سلطانك، ويزيد عظمة مُلكك..." وبعدها يقف الملك فيعيد اليه الكاهن حليّه وتاجه ثم يصفعه مرّة أخرى بقوّة على أمل أن يذرف الملك دموعه، لأنّ ذلك سيعبّر عن المزيد من الخشوع للاله والإجلال لسلطانه. وعندما يقوم الكاهن بإعادة التاج إلى الملك، إنّما يعني ذلك تجديد السلطة من الإله، وبذلك سيعتبر نيسان تجديداً ليس للطبيعة وللحياة فحسب، بل لنظام الدولة كذلك. وهكذا ستجعل هذه المراسيم أعظم وأرهب الشخصيات في ذلك الزمان (ملوك بابل ونينوى)، ترضخ للإله الأعظم، وتعيش لحظة تواضع مع عامّة الشعب من كافّة الطبقات، مما سيؤدّي إلى تضرّعاتٍ يشارك بها الشعب بأكمله، ليثبت إيمانه أمام جبروت الله... وبعد نزوله إلى بيته الأرضي (بابل)، وتجديده لسلطان ملكها، يبيت الإله في "جبل العالم السفلي"، وهو برجٌ بابل المؤلّف من 7 طوابق، عُرف في التوراة ببرج بابل، وفيه بيت الاله، أو"إيساغيلا" (كما سيسكن الله في "جبل" حسب التوراة، مزامير:74 : 2). ففي هذا اليوم من تقليد آكيتو يكون الإله قد دخل بيته ويفاجأ بالآلهة التي سيتعارك معها ويؤسَر في الجبل، بانتظار وصول إبنه الإله نابو (اله الكتابة والعلم والحكمة) الذي سينقذه من "العدم" ويُعيد مجده.
4- اليوم السّادس :
وصول الإله نابو، برفقة أعوانه من الشجعان القادمون من نفر ونيبور وأوروك وكيش وأريدو (مدن سومريةفي جنوب العراق الحالي)، بواسطة المراكب، (والمرافقة لنابو ممثلة بتماثيل رمزية توضع في مراكب صُنعت خصّيصاً لهذه الذكرى)... وهنا يبدأ الشعب بالسير بأعداد هائلة وراء الملك باتجاه الإيساغيلا حيث الاله الأسير، مرنمين أغنية مطلعها: "هوذا القادم من بعيد ليعيد المجدَ إلى أبينا الأسير" وقلدتها التوراة بنشيد مماثل تماما .
5- اليوم السّابع :
نابو يحرّر الإله في اليوم الثالث من الأسر، حيث كانت الآلهة الشريرة قد أغلقت باباً كبيراً ورائه بعيدَ دخوله بيته، وتعارك معها، لحين مجيء نابو الذي سيكسُرالباب وتبدأ معركة بين الفريقين ينتهي بها الأمر إلى انتصار الإله نابو وتحرير الاله.
6- اليوم الثامن :
بعد تحرير الإله تجمَّع تماثيل الآلهة، في غرفة الأقدار(أوبشو- أوكينا)، حيث من المتوقّع أن تجتمع الآلهة لتقرّر العظمة الالهية وينتهي الأمر بتجميع قوى جميع هذه الآلهة لتوهَب مجدداً إلى الإله وهنا يأتي الملك راجياً كلاّ من الآلهة للسير معه إكراماً للاله ، وهذا التقليد يدلّ على خضوع كافّة الآلهة إلى سيدها الوحيد في مرتبته.
7 - اليوم التاسع :
يسير موكب النصر إلى "بيت آكيتي"، وهو المكان الذي يُحتفَل به بانتصار الاله (ايل) في بدء الخليقة على التنين تيامات (آلهة المياه والعلم السفلي) ويقع "بيت آكيتي" (يسميه آشوريّو نينوى "بيت إكريبي" إي " بيت الصلاة" بالآكادية القديمة) على بعد حوالي 200 متر خارج سور المدينة، حيث الأشجار الغريبة المزينة، والمسقيّة بعناية فائقة لتليق بمستوى الإله الذي يُعتبر واهب الحياة في الطبيعة ويعبّر هذا التقليد (موكب النصر الذي يمر من باب عشتار) عن مشاركة عامّة الشعب بالفرحة بتجدد سلطان الاله ، وتدمير قوى الشر التي كادت أن تتحكّم بالحياة منذ البدء.
8- اليوم العاشر :
بعد الوصول إلى "بيت آكيتي"، يبدأ الإله بالإحتفال مع آلهة العالمين العلوي والسّفلي (توضع تماثيل الآلهة حول طاولة كبيرة بما بشبه وليمة) ويعود إلى قلب المدينة للإحتفال بزواجه من الآلهة "عشتار" في المساء، حيث تتحد الأرض مع السماء. وتطابقاً مع زواج الآلهة، يطبَّق هذا الزواج على الأرض كذلك، فيقوم الملك بتمثيل هذا الزواج مع كبرى كاهنات الإيساغيلا حيث يجلسان سويّة على العرش أمام الشعب ويبدآن بتبادل الأشعار الخاصّة بهذه المناسبة، على أنّ رمزية هذا الحب هو الذي سيولّد الحياة في الربيع .
9- اليوم الحادي عَشَر :
في هذا اليوم تعود الآلهة برفقة سيدها لتجتمع في بيت الأقدار (أوبشو أوكينا) الذي اجتمعت فيه في اليوم الثامن للمرّة الأولى، إنّما هذه المرّة تجتمع لتقرير مصير شعب الله (بالهلال الخصيب ببلاد ما بين النهرين وسوريا) . وفي الفلسفة الدينية القديمة في بلاد الهلال الخصيب يعتبر الخَلق بشكلٍ عام، تعهداً بين الأرض والسماء على أن يخدم الإنسان الله حتى مماته، ولا تكمل سعادة الله ايضا إلاّ بسعادة الإنسان الذي يخدمه لذا سيكون مصير الإنسان السعادة ولكن شرط أن يخدم الله . إذاً سيقرّر مردوخ مع الآلهة عهداً جديداً لبابل ويصعد عائداً إلى بيته العلوي بالسماء.
10- اليوم الثاني عشر :
وهو اليوم الأخير من آكيتو، حيث تعود الآلهة إلى معبد سيدها الاله ،(تعاد تماثيل الآلهة إلى المعبد) وتعود الحياة اليومية الطبيعية لبابل ونينوى ودمشق وحلب وباقي المدن .
اعداد الدكتور اليان مسعد