خارطة قراءاتك.. انعكاس نجوم عقلك

(الوجود كتابٌ نقرؤه بلا توقف. وسرعان ما نكتشف بأنه كُتب في لغة أجنبية، لا يمكن فهمها أبداً)

ولعل ما نقرؤه من كتبٍ ألّفها بشريون.. يساعد في فهم كتاب الوجود الأكبر ذاك الذي تحدث عنه الشاعر آلان بوسكيه.‏

كل ما نفعله حين نمسك بكتاب محاولين فكّ طلاسم معانيه التي ابتغاها كاتبه، هو أننا نحاول، بالآن عينه، جاهدين فك الطلسم الأكبر- الحياة/الوجود.‏

وتختلف تلك الجزئيّات من المعاني التي نمسك ببعضها حين الاطلاع على ثمرة خبرة أو معرفة أحدهم، تُقدّم إلينا على هيئة كتاب..‏

فعلى رأي أليف شفق في (حليب أسود) القارئ رحالة.. وكل كتاب هو (خارطة للدخول إلى تعقيدات ذهن الإنسان وروحه)..‏

‏ولنا أن نتخيل تلك الرحلة التي يقوم بها مطلق قارئ بحثاً عن المدهش من الأفكار.. والتي لربما ساعدته برؤية المشهد «الحياتي» من جوانب أخرى لم يكن ليفكّر بها قبلاً..‏

بدوره رأى الروائي بول أستر أن «كل كتاب هو صورة عن عزلة» صاحبه.. وحين نقرؤه نقتحم عزلة ذاك الآخر.. وممكن جداً أن نتلمّس فيها أطراف عزلتنا ونعثر من خلالها على فراغنا نحن لا فراغه.‏

أليست كل تلك الفراغات التي نعثر عليها في قراءاتنا، بوجهها الآخر الحقيقي، أليست سوى محاولات لملء فراغ الروح.. وملء الفراغ الأكبر من نقص يعترينا في فهم الوجود..؟‏

مجموع قراءاتنا من كتب تشكّل، نهايةً، خلاصة وعينا..‏

ألم يقل ألبرتو مانغويل في (المكتبة في الليل): «كتبنا تعكس من نكون وما كنا عليه».. لعله ابتغى كونها كذلك بالنسبة لمعشر الكتّاب وبالتأكيد هي كذلك بالنسبة لمعشر القرّاء.‏

ويرفع مانغويل من مرتبة الكتب فيقول: «مكتبتي هي انعكاسٌ لنجوم عقلي»..‏

فسلسلة الأفكار والمعاني التي تمنحنا إياها قراءاتنا ترتقي بمستوى وعينا وبالتالي دلّت على العالي من مستويات التلقي فهندسَتْ العقل وصاغت منه نجوماً.‏

كقارئ هل تغويك لعبة الربط بين شبكة تلك العقول، الأفكار التي تعثر عليها بمصادقة الكتب..؟‏

لعل الغواية الكبرى تتمثل بصيدك لخارطة عقلك أنت حين تتخمّر مختلف قراءاتك.. ومحاولتنا رسم ملامح تلك الخارطة التي تصبح عليها عقولنا..‏

هل يعني ذلك كون كل كاتب قادراً على منح المفيد والحقيقي والأصيل..؟‏

ألا يوجد من هم مثاليون بكتاباتهم ويناقضون مايكتبون، واقعاً..؟‏

في مشارب الحياة المتنوّعة ستظهر فضيلة مصادقة الكتب.. فالواقع بمجالاته العديدة يفتح دائماً أبوابه لنخوض في تفاصيل العملي من يومياتنا..‏

ولعلك تُصدم أو تُصعق حين تكتشف حال ازدواجية لدى البعض من ممتهني الكتابة.. ازدواجية بمعنى التناقض بين سلوك يومي واقعي وسلوك قيمي تفترضه مهنة مصاحبة الكلمة.. لربما تكتشف حينها أنك لم تعثر على فراغات روح هذا الكائن المتناقض الذي يسعى إلى ترميم ثغرات نفسه وسترها برصف أفكاره وكلماته إلى بعضها وهندستها بالمنمق من الكتابات.. إنما عثرت على خوائه الفاضح..‏

ثمة فارق بين فراغ الشيء وخوائه.. وثمة قوة كبيرة تجبلنا بها القراءة بحيث لن يصعب علينا كشف الفرق بين ذوات متناغمة وأخرى متناقضة.‏

الثورة