بداية القابضة

رئيس التحرير : عبد الفتاح العوض

رئيس مجلس الإدارة : د. صباح هاشم

من نحن اتصل بنا
أجنحة الشام

فتيات تصل مهورهن إلى 60 ألف دولار في بلد يصل دخل الشاب فيه إلى أقل من دولار يومياً

الأحد 01-04-2018 - نشر 7 سنة - 5721 قراءة

في شارع تعز، وسط مدينة إب اليمنية، كانت مجموعة من الشابات يتسوقن بالمركز التجاري “برج المدينة”، ملامحهن يمنية عادية، لكن من لباسهن كن يظهرن مختلفات عن باقي النساء المنتقبات بالأسود والموجودات في المركز، ألوان ثيابهن كانت فاتحة، صحيح أنهن يضعن حجاباً، لكنه على طريقة الموضة التركية هذه الأيام. هؤلاء الفتيات معروفات في اليمن بلقب “السيتيزن”، أي الحاصلات على الجنسية الأميركية، وحينما مرُّوا من أمام محلات “البورغر” الموجودة في المركز، كان الشباب اليمنيون يتطلعون إليهن بنظرة انبهار، هن بالنسبة إليهم حلم بعيد المنال؛ فالزواج بإحداهن يتطلب مهراً باهظاً، قد يصل إلى 60 ألف دولار. ففي قرى مديريات الشّعر وبعدان، وقليل من قرى مديريات السدّة والنادرة، جنوب شرقي محافظة إب، التي تملك أكبر جالية يمنية في أميركا- يجد مصطلح زواج “السيتيزن”، أو زواج الجنسية والمرتبط بالمهور القياسية، رواجاً كبيراً. وزواج الجنسية، يُقصد به الزواج بالفتيات اليمنيات اللاتي يحملن الجنسية الأميركية؛ لكون مَن تحمل الجنسية تستطيع منح زوجها “فيزا” الهجرة إلى أميركا على الفور، وبعد سنوات يحصل على الجنسية هو الآخر. مهور قياسية في مدينة إب، جنوب العاصمة صنعاء، تتصافّ المباني السكنية المبنيَّة من الحجر الفاخر، بشارع تعز وشارع الدائري، يصل بعضها إلى 8 طوابق، وكلها تعود إلى مواطنين يعملون في الولايات المتحدة الأميركية. وتمثل تلك الفئة من اليمنيين، إحدى الفئات المجتمعية الغنية في البلد المسحوق بالفقر والأوبئة، فهم يملكون المال والسيارات الفارهة والعقارات والفلل الجميلة والمحلات التجارية، مما يجعلهم قدوة لباقي الشباب الحالم بالثراء. الحلم الأميركي لا سبيل لتحقيقه إلا بالزواج بشابة تحمل الجواز الأزرق، وهو ما حصل مع إيهاب؛ فقبل 5 سنوات أقام عرساً باذخاً، رقص فيه إلى الصباح؛ احتفالاً بزواجه بابنة خاله الأميركية. بفضل عقد الزواج هذا، حقق حلمه وهاجر إلى أميركا، واليوم يعود لمحافظته مرتدياً قمصان وأحذية الماركات العالمية. في يده، كان يتعمَّد إظهار هاتفه الآيفون آخر إصدار، كما أنه أصبح مواطناً “أميركياً صالحاً” على حد وصفه، بعد أن نال الجنسية، ومع أول كلمة يُظهر جوازه لإثبات كلامه. لكن زواج إيهاب أبو محمد لم يكن بتلك السهولة، فقد استعان والده ووالدته بكل الأشخاص الذين لهم تأثير على خاله؛ من أجل أن يوافق الأخير، على تزويج الشاب العشريني بابنته الثالثة، ويُخفّض مهرها من 50 إلى 30 ألف دولار. يصرُّ إيهاب، في حديثه لـ”عربي بوست”، على أن زواجه بابنة خاله كان حلم حياته، وكانت أحلامه ستبدد في حال لم يتم الزواج، فهو يحبها طبعاً.. عند هذه الكلمة يبتسم، ويستدرك: “إلا أن زواجي بها منحني الجنسية الأميركية”، اليوم يمتلك المال والسيارة ويسافر إلى أميركا، ويعود لليمن مثل الملك كما يصف، ولولا ذلك لبقي “واحداً من فقراء هذه البلاد”. من يملك أكثر.. زواج “السيتيزن” ما يزال رائجاً رغم التشديدات الأمنية التي اتخذتها السلطات الأميركية بحق المهاجرين اليمنيين، منذ تولي الرئيس دونالد ترامب سدة الرئاسة قبل أكثر من عام. ولا يؤخذ في الاعتبار، أن يكون الزواج مبنيّاً على الحب والاختيار للفتاة؛ بل لمن يملك المال فقط.

إيهاب، يعرف أن الأمر تحوَّل إلى بيع وشراء، لكن في حالته فقدْ طلب منه خاله 30 ألف دولار؛ إرضاء للمجتمع، ولم يلزمه بسدادها نقداً، وإنما قسَّطها له على مراحل.. “اعتبرت المَبلغ كما لو كان أتعاباً له مقابل منحي هذه الفرصة”.
وإن كان إيهاب يعتبر نفسه قد نجح في تحقيق حلمه، فإن شاباً آخر قابلناه كان أكثر إحباطاً، لخَّص تجربة الهجرة والحصول على الجنسية الأميركية بأنها غربة وتعب فقط، والسبب -كما يقول- “لم أشعر بالسعادة قط، جعلتني زوجتي أشعر بأنني أقل منها بكثير”. زيجات فاشلة لا يقتصر زواج “السيتيزن” على قرية أو قرى معدودة؛ بل تحوَّل إلى ظاهرة تتفشَّى في تلك المديريات اليمنية، كما لم تعُد أمراً معيباً ومخزياً بين الأهالي؛ بل أصبحت الحل الأمثل للشباب الذين يملكون المال ويحلمون بالهجرة. محمد منصور، أحد سكان إب، يصف الأمر بالـ”عادي”؛ ففي مدينته تتزوج المرأة بفضل جواز سفرها الأميركي؛ ولذلك “تنتهي تلك الزيجات بالفشل والطلاق”. وحسب منصور، فإن هناك العشرات من القصص التي انتهت بالطلاق؛ فقبل أشهر انفصل عروسان بعد نحو 6 أشهر فقط من زواجهما، العروس حاولت الانتحار؛ لأن والدها هو من أرغمها على الزواج عنوة، ورغم ذلك ما زال إلى اليوم لا يزال ينتظر شاباً ثرياً ليزوِّجها به مجدداً، “يعرضها على العرسان مقابل 30 ألف دولار”. فتيات المحافظة ذوات الجنسية الأميركية يتزوجن في سن صغيرة، كل ذلك لا يهم الأهل، فالمبلغ الذي يدفعه العريس هو ما يهم أمهاتهن، ولا توجد سلطات أو قانون يحدُّ من هذه الظاهرة، كما يؤكد منصور بأسفٍ: “تمنينا أن يكون هناك قانون لتحديد المهور؛ من أجل الحفاظ على مجتمعنا”. قصة الجواز الأزرق بدأت هجرة السكان في محافظة إب إلى أميركا قبل أكثر من 70 عاماً، لغرض التجارة، ومع قوانين الهجرة التي تفتح آمالاً كبيرة للمهاجرين، سافر الآباء مع زوجاتهم لإنجاب الأطفال هناك. لكن الحياة الأميركية باتت تشكل تهديداً لخصوصية آلاف الأسر؛ مما دفعهم إلى التحايل على قانون الهجرة الأميركية، فعاد الرجال بزوجاتهم إلى العاصمة صنعاء، وفي الوقت الذي يحين موعد ولادتهن، يذهبن إلى أميركا؛ من أجل أن يحظى الطفل المولود بالجنسية الأميركية. ومع مرور الأعوام، بدأ الجيل الأول يعود إلى المدن اليمنية بالآلاف من الدولارات وبدأوا في تشييد المباني السكنية، التي تمثل لهم استثماراً جيداً، بينما بدأ الجيل الذي يليه في العمل بجهد وأعادوا تجربة سابقيهم. في نيويورك، تجد سوقاً خاصة باليمنيين، حصلت على شهرة كبيرة حين قرر تجارها الإضراب احتجاجاً على قرار ترامب التنفيذي المتعلق بالهجرة، مطلع العام الماضي (2017)، مما شكَّل -بحسب الصحف الأميركية- أزمة للسكان الأميركيين. فأغلب المتاجر التموينية وبيع اللحوم والمخابز في حي بروكلين تعود ليمنيين، منحدرين من محافظة إب، والذين أضربوا وأغلقوا متاجرهم، وخرجوا محتجِّين إلى ساحة بورو هول، حسب مجلة “ذا فايدر” الأميركية. كان الشاب اليمني طارق سليماني واحداً من المحتجين، والذي أغلق متجره المسمى “يافا ديلي”، الواقع في حي صن ست بارك في بروكلين، منذ أكثر من 20 عاماً، وقد قدم إلى نيويورك من اليمن عام 1996. وساعده أقاربه في شراء المتجر. طارق وغيره من الذكور اليمنيين يعيشون ويعملون في أميركا، أما الفتيات فبعد ولادتهن يعُدن مباشرة إلى إب، ولا يربطهن بأميركا إلا جواز السفر والدولارات التي يؤسسها الآباء والإخوة في انتظار الأزواج الذين سيهاجرون بدورهم. دولارات “السيتيزن” يعشقها ماجد علي، الذي قصدته فتيات مركز “برج المدينة” بعد نهاية جولتهن، يملك متجراً للذهب يراعي آخر التصميمات العالمية، ويعتبر أن أفضل عملائه هن النساء مزدوجات الجنسية؛ فعلاوة على أنهم يملكن المال، لديهن شغف بالمجوهرات والذهب، وأهم ما في الأمر أن تشعر كل واحدة منهن بأنها تملك موديلاً أفضل من قريناتها.. “دولارات المهر تُصرف ذهباً ومجوهرات”، يعلق التاجر.


أخبار ذات صلة