حصر إرث إعلامي... التلفزيون السوري : عائلات تتقاسم الخراب!
صاحبة الجلالة _ متابعة
التخبط في القرارات بين مديريه والارتجالية تسود دوائر التلفزيون السوري، فوضى إدارية وتضارب في الصلاحيات. “عبثية لا يمكن وصفها”، تخبرنا عنها إحدى مذيعات (شاشة وطن) فضّلت عدم ذكر اسمها: “تأتينا الفرمانات واحدا تلو الآخر، فلا نعرف على من سنردّ، فكل له نفوذه وسلطته ومزاجه، نحن المذيعات القدامى في مبنى الهيئة العامة الآن يحضرون قراراً لتوقيفنا عن العمل، فقد تم مؤخراً تعيين أكثر من مائة مذيعة جديدة، كل واحدة منهن وراءها أصحاب نفوذ وسلطة، معظمهن لا علاقة لهن بالإعلام وليس لديهن خبرة، فالجواز لهن هو طول التنورة أو قصرها!”. الأدهى من ذلك- تضيف المذيعة السورية: ” المذيعات الجديدات يتبجحن بأنهن قادمات لتطوير الإعلام السوري! فماذا سنعمل؟ ما باليد حيلة، ولمن سنلجأ؟ نحن من خرجنا إلى المهمات الخارجية، والأماكن الساخنة في عزّ الحرب، لا نصيرَ لنا اليوم ولا أحد يقدّر حجم تضحيتنا!”.
شكوى تحيلنا إلى شكاوى معلّقة، تكشف واقعاً مريراً يعاني منه معظم موظفي التلفزيون، لاسيما بعد ازدياد تعيين مذيعين ومذيعات، بلغ عددهم اليوم حوالي 150 مذيع ومذيعة في كل من قنوات سورية دراما والفضائية والإخبارية. بدأت الأمور تزداد تعقيداً، حيث تم تكليف بعض المعدّين ومقدّمي البرامج بالتحضير لسهرات لم توفر لها الإدارة الحالية موازنة مالية خاصة، تخبرنا معدّة برامج فضلت هي الأخرى عدم ذكر اسمها وتضيف: ” انسحب السبونسر من تمويل هذه السهرات، فانسحب الضيوف المقرر استضافتهم في هذه المعمعة، الإدارة لا تدفع سوى (20 ليرة سورية أي ما يعادل 40 دولاراً للضيف الواحد)، وهذا مبلغ نخجل أن نخبر به نجوم التلفزيون والسينما، حين نتواصل معهم لاستضافتهم في برامجنا، والخاسر الوحيد طبعاً سيكون الجمهور الذي كالعادة، سنقدم له في النهاية مواد من حواضر البيت.”
ظاهرة الاستنساب الوظيفي طاغية أيضاً على عمل دوائر التلفزيون، فهناك عائلات بكاملها تسيطر على مبنى (الهيئة العامة)، إذ يمكنك مشاهدة الجد والأب والحفيد والأم والبنت والكنة وأولاد العمومة والخؤولة والأصهار والعدلاء معاً، وأحياناً في دائرة واحدة! كل يورّث أقربائه وذويه، مناصبه ومهماته قبل تقاعده بفروغ أو من دونه. حصر الإرث الجاري في التلفزيون العربي السوري لا يسمح لأحد من خارج دائرة عائلات بعينها بالعمل الإعلامي إلا ما ندر، ما ينعكس على أداء القنوات السورية التي صارت مضرب مثل في السماجة وانعدام المهنية.
“أهم ما يمكن تقديمه للمذيع الإعلامي هو هامش الحرية المسؤول، لتبنّي أوجاع الناس وتوفير غطاء قانوني يحمي طبيعة عمله، ويمنع تعرّضه لأي أذى”، تقول المذيعة صفاء أحمد وتضيف: “إن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له المذيع في حياته المهنية هو أن يقوم بتقييم زملاء المهنة”، كلام يحيلنا إلى عشرات اللجان التي تم تشكيلها في مبنى التلفزيون، لتقييم عمل المذيعين ومقدمي البرامج، وما رشح عنه من قرار بترحيل فائض الموظفين وتوزيعهم على وزارات الدولة، حيث بلغ عدد المرحّلين، بعد التقييمات الأخيرة، إلى ما يقارب 700 موظف ينتظرون الآن النظر في مصيرهم بعد تجميد القرار الوزاري إلى حين.
المشاكل التحريرية ليست أقل من المشاكل التقنية التي تعكس هوية بصرية مشوّشة، على صعيد تصميم الإضاءة والديكور والصوت، فكل البرامج تُصوّر على ديكور برنامج واحد، يتم التعديل عليه بكرسي من هنا وطاولة من هناك، أمّا الإضاءة فكل المذيعين في التلفزيون يعرفون، أنّ مَن هو أسمر البشرة سيصبح أبيض البشرة مائل إلى الحمرة، فور إطلالته على إحدى الشاشات السورية. مفارقات بالجملة وحكايات تُروى عن سائقين، وضاربي آلة كاتبة، و(دبيكة) صاروا مخرجين في التلفزيون، أو مذيعين لا يُشقّ لهم غبار.
سامر محمد إسماعيل
الأيام