وضاح عبد ربه في رثاء شمس الدين العجلاني.. وداعاً أبا ثائر
لا أعرف إلى متى سيبقى الموت قريباً من سورية ومن السوريين، ولا أعرف إلى متى سيبقى يخطف كبارنا وشبابنا وصغارنا دون تمييز ودون سابق إنذار، لكن ما أعرفه أن آخر ما كنت أتوقعه يوم أمس هو أن يصلني خبر وفاة أبي ثائر الصديق والكاتب والأديب والزميل شمس الدين العجلاني عاشق دمشق وعاشق سورية ووالد الشهيد ثائر العجلاني. لا يمكن للكلمات أن تسعفني في نعي أبي ثائر، وأجزم أن من اغتاله هو الحزن على فراق ثائر وعلى ما تتعرض له سورية من دمار للحجر وللبشر، وهو الذي كان يسألني باستمرار وفِي كل لقاء: إلى متى؟ وإلى أين نحن ماضون؟ في كل مرة كنّا نلتقي كان يتذكر ثائراً، ويسألني عنه، وعن تفاصيل العلاقة التي كانت تربطني فيه، وكلما حدثته عن ثائر دمعت عيناه وفِي أكثر من مرة كان أبو ثائر يبكي وهو يحتسي القهوة في مكتبي، وهو يردد: رحمك اللـه يا ثائر… رحمك الله كسرت ظهري. وأمام حالته هذه، لم يكن بإمكاني سوى مواساته بالعبارات التقليدية، مع علمي الشديد أن رحيل ثائر كان بمثابة ضربة قاسية لأبي ثائر ولأم ثائر لكنهما معاً وبقوة الإيمان والصبر تمكنا من التغلب عليها، لكنها بقيت ساكنة قلبيهما إلى الأبد، وقضت بالأمس على شمس دون سابق إنذار، تماما كما حصل مع الشهيد ثائر. شمس الدين العجلاني لم يكن زميلاً في «الوطن» فقط، بل كان فرداً من أفراد عائلتها، يتردد إلى كل المكاتب يجلس مع الجميع، يستمع منهم ويروي لهم تاريخ دمشق، وتاريخ سورية المجيد، ويستفسر عن آخر الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية، فكان متابعاً شغفاً للأحداث في سورية، وموثقاً لكل يوم من أيام الحرب عليها. أبو ثائر كان عاشقاً استثنائياً لدمشق، يسكن فيها وتسكن فيه، يتجول في شوارعها يومياً، يكتب فيها قصائد الحب ويتغنى بياسمينها وزهورها وبيوتها.. كان كتاباً مفتوحاً للتاريخ، وفِي بيته الذي زرته أكثر من مرة، تَرْكنُ الأطنان من الوثائق والكتب التي كان يعمل على تحويلها من الورقي إلى الرقمي ليحافظ عليها، حتى تطلع الأجيال القادمة على تاريخ سورية ومجدها وعراقتها. كان ذواقاً في كل شيء، خفيف الظل، نذر حياته للتوثيق وللعائلة التي طالما شغلته عن الدنيا. لم يكن زوج السيدة هدى الحمصي فقط، بل كان وأم ثائر صديقين يحزنان معاً ويضحكان معاً ويتواصلان باستمرار معاً، وفِي كل مرة كان يزورني كان لا بد لأم ثائر أن تتصل مرة أو مرتين لتطمئن عليه ويطمئن عليها..وأمس جرى آخر اتصال بينهما قبل دقائق من وفاته على باب الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ولَم يكن أبو ثائر يشكو من أي تعب أو مرض، لكنها مشيئة اللـه ولا اعتراض عليها. كان اللـه في عون أم ثائر، وفِي عون زاهر وهيا فبفقدان شمس سيفقدان مع أم ثائر صديقاً قريباً منهم، زوجاً مخلصاً وأباً استثنائياً، ونحن فقدنا كاتباً ومؤرخاً وشاعراً وأخاً سنشتاق إليه. رحمك اللـه صديقي أبا ثائر، لقد كنا على موعد معك أمس في الصحيفة، وانتظرناك لكنك لم تأت، نشرنا لك آخر مادة تكتبها دون أن نعلم أنها الأخيرة، فاجأنا رحيلك كما تفاجئنا الحياة كل يوم، لكننا مؤمنون بقضاء اللـه وقدره، ولا يسعنا إلا أن ندعو اللـه أن يسكنك فسيح جناته، ويجمعك بالغالي ثائر الذي أعرف جيداً كم كنت مشتاقاً إليه. الوطن