للعام المقبل ألف سلام آت.. آت
تبهرني تلك الورود الحمراء المصطفة كملكات جمال في حالة استعراض للفوز باللقب العظيم في أيام الميلاد المجيد للاحتفال بقدوم عام جديد والورود دوماً سفارات سلام.
تسعدني تلك الشجيرات المزدانة بقناديل الفرح والتفاؤل لاستقبال حار للعام القادم رغم كل الأحزان التي تجول في النفوس والأحياء وتلك المآسي التي اغتالت الأيام، فما عدنا نعرف جمعة من أحد ولا ندري في أي شهر نحن وفي أي عام وكيف نستطيع التحديد، وكل ما حولنا يعيش القهر والندم على أرواح هدرت ودماء نزفت وعائلات نزحت ولقيمات ضاعت وبيوت دمرت ودول كبرى تدير عقارب ساعاتنا متى شاءت لتظلم صباحاتنا وتخسف أقمارنا وتغتال تراتيلنا وتسحق أغانينا وتستبيح أعراضنا وتهشم عظمتنا وتتحدى إصرارنا على النصر.. على الحياة في رغد من عيش كريم ووطن حر سليم ومواطن قويم لا يعرف الانحراف إلى قلبه سبيل، بل في داخله عنفوان يسافر به إلى الإيمان بضرورة النهل من أكاديميات العلم وتحصيل أعلى الشهادات لرفع مستوى البلاد ونقلها من حال إلى حال ومن وهن إلى انتهاض، ومن ضعف إلى قوة، ومن بؤس إلى رخاء، ومن تمدد السخافات إلى انفراج نوافذ الثقافات ليعلو البنيان وتزهر الأغصان وترتفع قامات الإنسان.
فيا أيها العام القادم هل ستحقق لأمتنا السلام وتمنحها أوسمة الوئام وهل ستنقذها من براثن اللئام.. ألا ترى معي أنها على أهبة الاستعداد للدفاع والانطلاق إلى العلياء ومواكب الشمس ترافقها المشوار وترسل لها سنة جديدة لا بد من أن تكون مترعة بالآمال البيضاء والأحلام الفيحاء بعد ست سنوات من تشتت وموت ودمار؟!. صدقني أيها العام القادم إننا بالرغم من سنوات عاتيات ظلومات شقيات باغيات طاغيات انهمرت على الشعب السوري بآلاف النائبات لكن السوريين بحار من تحديات وقوافٍ لم يكتبها تاريخ من صمود لاستعادة نور الحياة.
انظر جيداً أيها القادم الجديد إلى الساحات التي تريد استبدال نيران الحرب بمزارع ورود وأغصان خضراء تتدلى منها نجوم فضيات تسطع وتلمع لتمسح السواد المريع الذي اتشحت به البلاد من جراء حرب لا موجب لها ولا أحد يدري من أين جاءته، إلا أن الجميع يدرك أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الاستعمار استبدل اسمه وشكله وأصبح غزوه مغلفاً بأسماء جديدة وأنماط من الصور المطعونة أهدافها تزين للسوريين حكايات واهية وقصصاً زائفة بأن غدهم أفضل وأعوامهم المقبلة أجمل إن امتلأت الدروب بالدم الأحمر وقدموا لهم بلادهم على متن الطاعة العمياء والخذلان الأصفر ليكون الغباء لهم عنوان والاستسلام أفضل الأفعال ويتحقق للغزاة ما اشتهوه منذ آلاف السنوات.
ولكنك يا عام 2017 إياك ثم إياك أن تكون رهينة لهم داعماً لمطامعهم متجاهلاً أن في سورية بشراً لهم حصون الكرامة سجدت وقلاع التاريخ حيال تحدياتهم سقطت وهم يعرفون جيداً الخطر الأكبر القادم من الغرب.
تعال أيها العام الجديد وفي سلالك عزائم من حديد وإصرار عنيد بأن يكون للشعب السوري ما يريد، وما يطلبه الشعب السوري ويحتاجه اليوم ليس بغريب.. لا.. إنه شعب عنيد يعرف أن ما ذبحه اليوم من الوريد للوريد هو بعض الغياب عن الوعي التام ونقص في الاستذكار المفيد لأفعال اللئام، وأن الافتقاد إلى المحبة والامتثال إلى نعمة التسامح والغفران هي من أضاعوا البلاد وساروا بها من بر الأمان إلى الحرمان والسقوط المرير في الاهتمام بأخبار تأتيه على متن الأثير تحمل توليفات مشينة استخدمها المعتدي والمُغِير لسرقة أرواح الكبير والصغير واغتنام المكاسب وكل ما في البلاد من غنائم وخير .
وكل عام يا أيها القادم الجديد نحاول أن نضيء شموع الإدراك التام في حكايا الظلام الذي يريد أهل العدوان زجها في رؤوس الأنام بأن بلادنا غارقة بالفساد وأنها جاهلة محكومة بالذل والخزي.. والسوري الحقيقي هو من يدرك الغايات التي لا تبررها الادعاءات إن كان هناك ما يقولون فهذا ليس من شأن الحاقدين بل هو أمر خاص بالسوريين والسؤال المهم هو: وهؤلاء المغرضين هل يحملون لنا في كل يوم وعام أغصان السلام مع غراس الهناء يزرعونها في مشاتل البلاد لتسعد وتنهض وتنعم بالرخاء والتمدن وتشرق شموس الأعياد.
أيها القادم الجديد اصمد ولا تتهاوى حيال حروف من أوهام، وأخبرني بصدق تام عن الأمان، عن الطفولة التي ترعرعت على مقاعد العلم الوثيرة وغفت أجفانها على أحلام غزيرة بالألعاب والدمى والثياب الجميلة والموائد الوفيرة بالحلوى الشهية التي يعشقونها والأضواء البراقة تحتفل مع براءتهم في كل الأعياد والمناسبات الأثيرة..
وأسألك ويرتعش السؤال وتنوح لما سأقول الحروف والنقاط، والقول هنا ليس غريباً ولا يطرح فلسفة خطيرة إنما يتعلق بأقمارنا من شباب البلاد أصحاب السواعد الواعدة بالجد والاجتهاد وقد فقدنا الكثير منهم في حرب عمياء لم تميز بين حقهم في الحياة وإرسالهم إلى الموت المتعدد الأشكال من نزوح وغرق وقتل واستشهاد لينتهوا إلى العزوف عن الحياة وإلى تقلص أعدادهم وانكماش عطاءاتهم وبالتالي إلى رفع الستار عن بقع السواد التي تفشت في كل مناحي الحياة.
اعذرني أيها القادم الجديد إن راحت كلماتي إلى التشاؤم والحزن وأنت اليوم تريد حملنا إلى بعض الفرح وإلى التقاط أنفاس تكاد تهرب من صدورنا المرهقات ونوافذ الآمال مغلقات ومع ذلك فأنا أشتم فيك عبير الانفراج القريب وظهور مارد المستحيل بهذا العيد ليبشرنا بأنه لاشيء مستحيل ويدعونا إلى استعادة قصائد الحب لإنعاش قلوبنا المتعبة ومسح الدموع عن وجوهنا التي امتلأت بغزوات الباطل الآثمة.
اليوم أسير في شوارع دمشق فأرى ظاهرة جديدة فيها ومضات منيرة واختراقات مبهرة أصيلة ترفع عن النفوس حجارة الإحباط الثقيلة التي منعتها في بداية الأزمة من الاحتفالات بالأعياد وكبلتها بأثقال الافتراءات التي هاجمت القلوب قبيل الأجساد بأن سورية منتهية لا محال، وأن أهلها ليسوا بأحباب وخلان وأنهم لم يعيشوا مسبقاً التوافق والعنفوان ولم يتشاركوا الأفراح لا مفارق مذهبية ولا طائفية ولا حواجز إسمنتية تمنعهم من التواصل والتعايش تحت قبة الأمان والامتنان لمفاهيم الإنسانية غير المدمجة بنزعات الشيطان التي تحفزهم على التفرق والتمزق لإنهائهم والأوطان.
سلام عليك أيها القادم الجديد عشية 2017 بعد ست سنوات من أزمة ما خشيت من الوجدان ولا من عويل الأمهات ولا من تساقط القنابل والقذائف المدمرات ولا من هدير الرصاص في آذان النيام في ليل اكتسى بالمزيد من السواد.
السلام عليك أيها العام الجديد إن كنت تأتينا بما افتقدناه وخسرنا معه الغالي والنفيس ..السلام عليك إن أعدت إلى قناديل بيوتنا المكفهرة أنوار الأمان وحملت لنا هدايا من وئام وعبرت إلى نفوسنا من نوافذ الحب ووضعت على رؤوسنا تيجان العلم مع أكاليل التماسك والتعاضد والوفاق وأخذتنا في رحلة حق إلى الحق وإلى الخوالي من الأيام الجميلات الهانئات الحالمات الباسقات إلى فرح اللقاءات مع الأولاد والأحفاد وحلبات الأمجاد لاستقبالك مزدانة بالإصرار على الانتصار على من سرقوا وعينا ونهبوا أفراحنا وشوهوا ثقافاتنا واغتالوا عزتنا وهدروا سلامنا الروحي والجسدي والتاريخ متربص بنا لإغراقنا في محيطات من الآلام وارتكاب الآثام في حق أنفسنا والبلاد.
أيها القادم اقطع على نفسك وعداً ثمينا قوياً عتيداً بأن تحمل إلينا في كل ثانية من مسيرة قدومك نهايات مآسينا التي فاقت الأساطير واكتظت بالاختراقات الباغيات الجائرات العاتيات الظلومات.
ننتظرك أيها القادم بساحات من ورود وأغصان خضراء من لهفات حسان تقيات نقيات لتحقق لنا الأمل المنشود في يوم موعود من أول عام 2017 نتمنى معه ونحلم أن يكون عام السلام، وها هي حلب ترفع الستار..
تشرين