ليس حكرا على دول العالم الثالث.. السحر والشعوذة في بلاد العلم والتنوير
انتشرت على المواقع العالمية والعربية منذ أيام قليلة بعض الأخبار الغريبة، إذ قام مجموعة من معارضي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنفيذ طقوس سحر جماعي في الولايات المتحدة، عبر إلقاء تعويذة «المقاومة السحرية»، وذلك في محاولة لإزالة الرئيس من منصبه.
قد يظن البعض أن الأمر عبارة عن فكاهة تأتي ضمن عمليات الاعتراض المستمرة لبعض الأمريكيين ضد الرئيس الأمريكي وسياساته المثيرة للجدل، لكن الأمر ليس كذلك، فمن دعوا إلى هذا الإجراء لم يكونوا أشخاصًا عاديين لكنهم سحرة – أو كذلك يدعون – أشاروا إلى أتباعهم في جميع أنحاء البلاد لموجة شاملة في منتصف ليلة الجمعة 24 فبراير (شباط)، والتي اشتملت على ترديد تعويذة وحرق صورة فوتوغرافية لترامب عبر شمعة.
وجاءت الدعوات لتقييد ترامب باستخدام السحر من مجموعات على فيسبوك تدّعي أنها تمارس السحر، وجذبت صفحة «Mass Spell to Bind Donald Trump Feb. 24th» حوالي 14 ألف شخص ممن تابعوها، وجرى استعمال تعويذات مكتوبة وبعض وسائل السحر التقليدي الأخرى خلال هذه الدعوة الغريبة.
قد تبدو مثل هذه الأخبار غريبة على دولة يفترض بها أنها على قمة الهرم العلمي والثقافي والفني في العالم، لكن الحقيقة أن الغرب بشكل عام لا يزال يحتوي على العديد من المظاهر الغريبة للسحر والشعوذة التي ربما لا نربطها إلا ببعض القبائل في إفريقيا.
سحرة أمريكا
في إحدى ليالي الأحد من عام 2012، اكتظت إحدى القاعات المظلمة في فندق «Double Tree hotel» بجوار مطار سان خوسيه بالولايات المتحدة الأمريكية، بحوالي 400 شخص حفاة الأقدام، والذين كانوا يستمعون إلى أصوات دق الطبول الثقيلة. في ذلك الوقت، غمر أكثر من ألفين من السحرة الأمريكيين الفندق.
تنوعت أعمار الحضور بين الشباب الصغار وحتى العجائز في السبعينيات، وانغمس ربع هؤلاء تقريبًا في طقوس احتفالية بقيادة مورفيوس رافينا، وهي كاهنة وثنية بدأت تشتهر في تلك الفترة، ودعي المشاركون لتشكيل دائرة «مقدسة» وهم يستخدمون الخناجر ويرددون بعض الأدعية، وتحت الأضواء الخافتة، بدأ يعلو صوت هؤلاء بترانيم يرددها السحرة بغرض الترحيب بالإله الخاص بهم في الفضاء.
هذا الطقس الديني كان خاصًا بإله يدعى «موريجان – Morrigan»، وهو إله الحرب والنبوة والتحول الذاتي عند الأيرلنديين، وفي مركز الدائرة، وقفت مورفيوس ويحيط بها طاقمها الخاص بالطقوس، وهي ترتدي ملابس سوداء وترفرف بيديها التي تحمل أجنحة مثل أجنحة النسر، ثم بدأ جسمها النحيل في التضخم كما لو أصبحت بدينة فجأة أو كأن بداخلها شيئًا ما يتمايل صعودًا وهبوطًا.
بعد ذلك بدأت مورفيوس تتحدث بصوت غير صوتها الطبيعي طالبة من أتباعها أخذ البركات منها (ليس منها تحديدًا ولكن من الإله الذي تمثل بجسدها)، ليبدأ الأتباع في لمس نصل سيف ثقيل كانت تحمله فوق رأسها.
يحكي هذه القصة أمريكي يدعى أليكس مار، في مقاله بصحيفة الجارديان البريطانية، والذي انضم بالفعل لهذه المجموعة الدينية الغريبة عندما كان يسعى إلى إنتاج وتقديم فيلم وثائقي حول مجموعة من الطوائف الدينية الهامشية في جميع أنحاء البلاد، ولقد نبعت فكرة فيلمه من محاولة معرفة لماذا وكيف يلتف الناس حول النظم العقائدية، وما طبيعة الطقوس الاحتفالية الخاصة بها.
أليكس مار هو مثال على فئة من الناس في الولايات المتحدة والغرب عامة الذين بدؤوا ينظرون إلى الدين والكون بنظرات مختلفة. يقول إنه عندما وصل إلى العمر الذي يكفي للتفكير باستقلالية، حدثت قطيعة بينه وبين الكنيسة فيما يتعلق بقضايا الجنس والزواج، والحق في الاختيار ومفهوم «الخطيئة»، يقول: «أنا أيضًا لا يمكنني أن أبتلع المنطق وراء استبعاد النساء الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين من الكهنوت. لكني في الوقت نفسه كنت ممتلئًا بفكرة أن هناك أسرارًا في الكون».
وذكر أنه عندما عرف حركة أمريكية حية ومتزايدة للسحر – بحيث تكون شاملة بشكل جذري، وحيث وجهات نظر النساء تكون على قدم المساواة مع الرجال، والتي تتحدث عن أن الإله ممكن أن يكون أنثى – أثار الأمر اهتمامه على الفور.
بدأت حركة السحرة الأمريكيين في الظهور والتوسع في ستينيات القرن العشرين، حين بلغ عددهم آنذاك حوالي مليون شخص، وتوسعت الحركة وأصبحت موجودة في كل ولاية تقريبًا في عصرنا الحالي، بل ربما نقول إن من يطلقون على أنفسهم السحرة موجودون في كل مدينة وريف في الولايات المتحدة الأمريكية.
الوثنية الحديثة
رغم التقدم العلمي الهائل الذي شهده العالم الغربي في القرن الأخير، إلا أن هناك مجتمعات لا تزال تميل إلى العهود الماضية بكل ما تحمله من ممارسات وطقوس وثنية وشعوذة لا يبرهن عليها العلم بأي شكل من الأشكال.
يطلق على هذه الممارسات اسم الوثنية الحديثة أو «Modern Paganism»، والمعروفة أيضًا باسم الوثنية المعاصرة، وهي تشير إلى مجموعة من الحركات الدينية الجديدة التي تأثرت أو تعلن أنها مستمدة من مختلف المعتقدات الوثنية التاريخية من أوروبا في فترة ما قبل الحداثة. وعلى الرغم من أن هذه الحركات الدينية الوثنية المعاصرة تحمل بعض التشابه، إلا أنها متنوعة ولا يوجد مجموعة واحدة من المعتقدات أو الممارسات أو النصوص يجري تقاسمها بين جميع هذه الحركات.
وتعامل معظم الأكاديميين الذين يدرسون هذه الظاهرة مع هذه الحركات على أنها ديانات مختلفة، في حين أن أقلية تصفها بأنها دين واحد ينقسم داخليًا إلى عدة طوائف.
ويعتمد أتباع هذه الحركات على المصادر الفولكلورية والإثنوغرافية في فترة ما قبل المسيحية بدرجات متنوعة؛ هناك العديد من أتباع هذه الحركات يتبعون الروحانيات في صورتها الحديثة، بينما يحاول البعض الآخر إعادة بناء أو إعادة إحياء الأديان العرقية الأصلية كما وجدت في المصادر التاريخية والفولكلورية بأكبر قدر ممكن.
وتتمثل السمات المشتركة لهذه الحركات في اعتقادها بتعدد الآلهة ومذهب حيوية المادة ووحدة الوجود، وتقام طقوس على مستويين عام وخاص سري في مناطق مختلفة من العالم الغربي.
وتشهد هذه الحركات علاقات متوترة في كثير من الأحيان مع الديانة المسيحية، وأحيانًا ارتبطت الوثنية المعاصرة مع حركة العصر الجديد «New Age movement»، مع تسليط الضوء من قبل العلماء على حد سواء على أوجه التشابه والاختلاف.
ممارسات غريبة في افتتاح نفق
في عام 2016، ذكرت صحيفة ديلي ميل البريطانية، أن سويسرا أقامت واحدًا من مراسم الافتتاح الأكثر غرابة في التاريخ بمناسبة الانتهاء من إنشاء أطول نفق في العالم.
فقد شارك في حفل الافتتاح أكثر من 600 من الراقصين ومقدمي الألعاب البهلوانية والفعاليات المثيرة، وكان من بين الحاضرين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي.
طبيعة حفل الافتتاح والحضور الرسمي عالي المستوى جذب اهتمام الكثير من المتتبعين الذين رأوا في هذه المراسم أكثر من مجرد حفل، فقد ورد في حفل افتتاح نفق غوتهارد «الرجل الماعز» الذي يجري قتله ثم يعاد بعثه ثم يعبده الناس ويتوج ملكًا للعالم.
هذا الرجل الماعز الذي لعب هذا الدور الرئيسي في هذه المراسم، يحمل شبهًا واضحًا لشخصية تسمى «باهومت»، الذي أصبح في العقود الأخيرة واحدًا من الرموز الرئيسية المستخدمة لتمثيل الشيطان في المجتمع السري، لذلك قد يرى البعض أن هذا الحفل كله كان في الواقع طقوسًا من قبل المتنورين بهدف تكريم الشيطان، هكذا وصفت مواقع الحدث.
يذكر أن نفق غوتهارد جرى تشييده على مدار 17 عامًا، ويصل طوله إلى 35 ميلًا (56 كيلومترًا تقريبًا)، وجرى حفره على عمق ألفي متر، بتكلفة قدرت بحوالي 11 مليار يورو، وقد كلف حفل الافتتاح «الغريب» مبلغ ثمانية ملايين يورو، وجرى بثه عبر عدة قنوات عالمية.
وتألف حفل الافتتاح من قسمين، وفي كل جزء كانت الشخصية المحورية هي «رجل الماعز»، وكان موقع بي بي سي قد نشر تقريرًا عن تمثال عملاق للباهومت جرى كشف النقاب عنه في مدينة ديترويت الأمريكية العام الماضي، وذكر الموقع أن تمثالًا مثيرًا للجدل كشف عنه «المعبد الشيطاني» في حفل سري في مدينة ديترويت الأمريكية تسبب في جذب العديد من الاحتجاجات.
التمثال من البرونز ويصل طوله إلى تسعة أقدام، ويصور خنثى مجنحة معروفة باسم باهومت، يحيط بها اثنان من الأطفال المبتسمين، ووصلت تكاليف حضور الكهنة والمتعبدين لمشاهدته لحوالي 100 ألف دولار أمريكي. والمعبد الشيطاني يمثل منظمة سياسية أمريكية ناشطة مقرها مدينة سالم في ولاية ماساتشوستس مع عدد من المجموعات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، أكبرها تلك المجموعة أو المعبد الموجود في مدينة ديترويت بولاية ميشيغان، وتستخدم هذه المنظمة الصور الشيطانية لتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية والفصل بين الكنيسة والدولة، والمهمة المعلنة لها هي «تشجيع الخير والتعاطف بين جميع الناس».
وعلى المدى البعيد، تريد هذه المنظمة تحريك قطعة هذا التمثال مسافة 1450 كيلومترًا نحو الجنوب الغربي، وإعادة نصبه قبالة نصب الوصايا العشر خارج مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن.
في العصر الحديث، من المعلوم جيدًا أن باهومت يمثل الشيطان أو التجسيد البشري من الشيطان، وبالعودة إلى مراسم افتتاح نفق غوتهارد، فإن هذا هو السبب في كون هذا «الرجل الماعز» هو الشخصية المحورية في هذا الحفل يعد أمرًا مزعجًا للغاية في رأي البعض. وعقد الجزء الأول من الحفل تحت الأرض، التي مات فيها الرجل الماعز ثم أعيد بعثه ثم عبده الناس بحسب الأسطورة.
وأجري الجزء الثاني من الحفل فوق سطح الأرض، ومرة أخرى احتل «الرجل الماعز» مركز الصدارة، ومما جاء في هذا الجزء: ثلاثة عمال معلقين في الهواء وهم على ما يبدو موتى – يتم استبدال العمال مع ثلاثة من الأشباح الزاحفة – يطير هؤلاء أمام عين عملاقة ترى الجميع، كما لو أن النخبة تحتفل بتضحية بشرية.
في حين أن الرجل الماعز يركض على خشبة المسرح، ويصرخ وكأنه رجل مستحوذ، ثم تعرض الشاشة الكبيرة في الخلفية صورًا للرجل الماعز وهو ينظر بشكل شرير للغاية. من ناس يرتدون الزي الأبيض وصولًا إلى رجل الماعز ودوائر من العيون تنظر إليهم، فإن البعض يؤكد أن هذا هو حفل شيطاني كبير قامت به نخبة غامضة. الأمر وصل إلى وصف البعض أن هذا النفق هو نفق يوم القيامة، المخصص لحماية النخبة من أي تهديد حقيقي للحياة على كوكب الأرض نتيجة كويكب أو شيء كارثي آخر.
مصاصو الدماء
ويبدو أن الممارسات الغريبة في دول العلم والتنوير لا تنتهي. ففي أغسطس (آب) 2015، أجرت صحيفة الجارديان البريطانية حوارًا مع أول مصاص دماء يعلن عن نفسه. يطلق على نفسه اسم ميرتكس وهو عضو مؤسس في «اتحاد مصاصي دماء أطلانطا»، وهي منظمة يخفي كل من فيها هويتهم، ويبلغ من العمر 39 عامًا الآن.
يقول ميرتكس إن عملية شرب الدم بالنسبة لمصاصي الدماء ليست بهذه الطريقة التي تصورها أفلام هوليوود، فبالنسبة «لمصاصي الدماء الحقيقيين»، وقبل كل شيء، ليس هناك عملية عض – فهذا أمر ليس صحيحًا وليس آمنًا – ومع وجود عدد كبير من الشرايين الحيوية فإن هذا الشريان في الرقبة ليس هو المفضل لمصاصي الدماء.
ويوضح أن فكرة مص دماء الضحايا وتركهم في الشوارع المظلمة ليس حقيقيًا، كذلك ما يقوله البعض عن مصاصي الدماء إنهم ينامون في توابيت ويحترقون في وضح النهار وأنهم باردون كالثلج أو يملكون أنيابًا، كلها أمور غير صحيحة.
وأضاف: «نحن أناس عاديون يمرون جوارك في الشارع، ومن المرجح أنك تختلط بنا بشكل يومي طبيعي. نحن في كثير من الأحيان نحافظ على هذا الجانب السري من حياتنا خوفًا من أن يساء فهمه وحماية لنا من التعرض للانتقام ممن يرى ما نفعله من المحرمات».
وأوضح أن مصاصي الدماء الحديثين يحصلون على قوتهم من شقوق طويلة باستخدام مشرط معقم كي لا يترك أي ندبات، كما أن الضحية توقع أوراقًا رسمية بموافقتها على استخدامها باعتبارها وعاءً لمصاص الدماء. والناس الذين يدعون أنهم مصاصو الدماء يقدرون بالآلاف في جميع أنحاء العالم، مع تركيبة سكانية تتجاوز حدود الطبقة والعرق والجنس، وعلى نحو متزايد، يحاول الباحثون دراسة هذه الظاهرة.
وثنية في ألمانيا
الحديث عن الجماعات الوثنية والممارسات الشيطانية في الغرب لا ينتهي، لكن لعل هذا المثال يوضح الأمر قليلًا في إحدى أبرز دول أوروبا.
الهيثيرني، أو الوثنية الجرمانية، هي واحدة من تلك الوثنيات الحديثة التي تصنف على أنها حركة دينية جديدة، والتي يضع ممارسوها نموذجًا لإيمانهم مبنيًّا على النظم العقائدية في فترة ما قبل المسيحية التي كانت تلتزم بها الشعوب الجرمانية من العصر الحديدي وفي وقت مبكر في العصور الوسطى. ولإعادة بناء هذه النظم العقائدية الماضية، يستخدم هؤلاء الأدلة التاريخية والأثرية والفولكلورية كأساس.
وعلى الرغم من أنها تفتقر للاهوت موحد، فالوثنية الجرمانية تتميز بالاعتقاد الشركي (تعدد الآلهة)، وتركز على آلهة جرمانية قبل المسيحية والتي تشمل كلًّا من الآلهة والإلهات. وتتبنى هذه الديانة المشاهدات الكونية الخاصة بهذه الديانات القديمة، بما في ذلك وجهة النظر الإحيائية «animistic» للكون، والتي تقول إن العالم الطبيعي هو مشبع بالروحانيات.
ويقوم أتباع هذه الوثنية بتكريم الآلهة والأرواح في طقوس القرابين المعروفة باسم «البقع – blóts»، والتي يقدم خلالها الطعام والشراب لهم كقرابين، وغالبًا ما ترافق هذه الطقوس مراسم خاصة بشرب نخب الآلهة باستخدام المشروبات الكحولية.
وتحتفل المجموعات الوثنية الجرمانية المختلفة بمجموعة متنوعة ومختلفة من المهرجانات وفقًا للتركيز الثقافي والديني، ولعل أغرب هذه المهرجانات الذي لوحظ على نطاق واسع هو احتفال «ليالي الشتاء – Winter Nights»، وعيد الميلاد «Yule»، و«Sigrblót»، وكل منها سرد في الكتابات القديمة وبالتالي فهي احتفالات لها أصل قديم.
أول هذه الاحتفالات يتزامن مع بداية فصل الشتاء في شمال أوروبا، بينما الاحتفال الثاني في منتصف الشتاء، والاحتفال الأخير في بداية الصيف، ويمكن أن توضع احتفالات ومهرجانات إضافية أيضًا على مدار السنة، هذه غالبًا ما تشمل تلك الأيام التي يحتفلون بها بالأفراد الذين قاتلوا ضد التنصير في شمال أوروبا، أو الذين قادوا الجيوش والمستوطنين في الأراضي الجديدة.
ساسة بوست