المسرحي غسان الدبس: أرى النقطة البيضاء على الجدار الأسود!
رغم أنه خريج قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية منذ حوالي الثلاثين عاماً، إلا أنه انتقائيٌّ في أعماله المسرحية حدَّ الإقلال، ومبتعد نهائياً عن الدراما والسينما، ما يشكل حوله جملة من التساؤلات التي تتقاطر على تفكير أي متأمل في حالته الفنية، فهو ممثل متمكن من أدواته ويمتلك خصوصية في الشكل والحضور، كما يلفت انتباه أي متابع يشاهده في دور يؤديه في العروض المسرحية. مجرّبٌ مجتهد في مسرح الطفل كمخرج مبتعد عن النمطية، فهل عدم شهرته لدى الجمهور يعود لتقصير منه؟، أم أن الحظ لم يحالفه في اقتحام الساحة الفنية ونيل إعجاب المخرجين في الدراما والسينما على اختلاف أهوائهم ومشاربهم الفنية والعملية؟!..
للوقوف على تجربته الفنية المسرحية وتوضيح رؤيته عن حال الساحة الفنية السورية كان لـ”تشرين” الحوار التالي مع الممثل والمخرج المسرحي غسان الدبس:
•ما مشروعك الفني الذي تشتغل عليه؟ وأين تجد نفسك اليوم من مراحل هذا المشروع؟
••المشروع الفني الذي يشغلني هو مسرح الطفل، وإيجاد مسرح موجه للطفل من دون امتهان أو متاجرة في زمن سقطت فيه كل القيم الإنسانية والفنية، وبعد عدة عروض ضمن هذه الرؤية استطعنا أن نخلق صداقة مع الأطفال، بمعنى لم نعد نقدم شكلاً تعليمياً للطفل بقدر ما نقدم له وجبة فنية يمكنه ببساطة قبولها والتعبير عن متعته بها أو رفضها والقول لنا بشكل مباشر لم تعجبني، فأطفالنا اليوم يقولون لنا بشتى الوسائل «لم يعد أحد يستطيع أن يضحك علينا، واحذروا منا أيها الكبار، وعلى الأخص منْ يعمل في مسرح الطفل، فنحن الأطفال وبفضل التقنيات الحديثة نستطيع أن نرمي من يحاول أن يستخف بعقولنا».. اليوم أشعر بأنني طفل من هؤلاء الأطفال وألعب المسرح معهم بكل صدق وفنية واحترافية.
•لماذا ابتعدت عن الدراما والسينما واكتفيت بالمسرح؟
••لم أبتعد عن الدراما والسينما بل أبعدوني عنهما، فأنا لا أستطيع أن أجاري الأجواء المسيطرة في الوسط الفني الدرامي والسينمائي القائمة على الشللية وتصفية الحسابات بين العاملين فيه، حيث لا يعطى للممثلين الجيدين الأولية، إنما ترضخ الأمور لحسابات أخرى.
•هل أفرزت الأزمة التي نعيشها ظرفاً إنتاجياً مسرحياً خاصاً؟ وكيف تقيّم العروض التي تنتج اليوم؟
••الأزمة خلقت الكثير من الأزمات في المسرح وفي غيره، واليوم هناك آلية تناول مختلفة للموضوعات والنصوص المسرحية، ومحاولة لإثبات وجود المسرح كآلية ثقافية لا يمكن للأزمة أن تؤثر فيه أو إبعاده، فنحن في المسرح نعمل كأي مواطن سوري أصيل في مكانه بصدق وأمانة، ولن نتاجر بإنسانيتنا مهما كان.
•كيف تقيّم حال المسرح السوري بشكل عام؟ وما المطلوب برأيك للنهوض بواقعه وتقريبه من عامة الناس؟
••لا يمكنني أن أقيّم المسرح السوري، فهناك من يقومون بالتقييم والنقد كما يريدون، لكنني أقول: إننا في المسرح بحاجة لدعم مادي ومعنوي بالوقت ذاته، وبحاجة لآلية انتشار لهذا المسرح، ولكي أكون صادقاً فإن مديرية المسارح لا تقصر ولكنها تعمل وفق مقولة «جود بالموجود»، وهذا الموجود في كثير من الأحيان لا يسد الرمق، ولكن في الوقت ذاته لدينا اليوم آلية ثقة في العمل المسرحي، وهي الأهم والتي يجب أن تكرّس فيما يخص الدعم الإنتاجي للمسرح، أما الخوض في محاولات تقريب المسرح من عامة الناس فهو موضوع سهل ممتنع، لكن المهم هو تقديم وجبة فنية بامتياز للجمهور المحب للمسرح، وبعيدة عن الاستعراض والتنظير، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن هذا الجمهور يأتي لحضور عرض مسرحي رغم البرد وتحت المطر مع خطورة انهمار القذائف في الشوارع فنتقابل في نهاية العرض ونشكر بعضنا على هذا اللقاء الجميل ونتواعد في عرض جديد لننصرف كل إلى همه.
•لماذا لم تغادر للخارج مثل الكثير من الفنانين؟
••لم أغادر ولن أغادر «أنا هون رايق ومروق» هذه جملة على لسان «حسان» الشخصية التي أقدمها على الخشبة حالياً في مسرحية زيتون، كما أنه لم يكن عندي هاجس السفر في يوم من الأيـــام، ولكل واحد أسبابه.
•كيف ترى المسرحيين الشباب من ممثلين ومخرجين وهل الحركة المسرحية في تتطور أم تتدهور؟
••عندما نقول الشباب فهذا يعني التطور والعطاء، ولكن يجب أن ننظر بمنظور الإبداع والموهبة، وضرورة إيجاد آلية في التعامل مع كل هذه المعطيات بمهنية عالية واحترام، لخلق هارموني في العمل أو العرض المسرحي بكل مقوماته.
•هل أنت متفائل بمستقبل المسرح السوري ولماذا؟
••أخرجت مؤخراً عرضاً مسرحياً للأطفال بعنوان «ضيف الدب» وكانت مجموعة العمل رائعة بامتياز ونحن حالياً نبحث عن تجربة مسرحية جديدة، كما أننا كأسرة العرض المسرحي «زيتون» نطالب المخرج مأمون خطيب أن نقدم هذه المسرحية في عدة محافظات وفي الخارج إن أمكن، فهذه حالة صحية وجميلة وعندما توجد هذه الروح يكون التفاؤل موجوداً، ببساطة إني أرى النقطة البيضاء على الجدار الأسود.
الفنان غسان الدبس خريج المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل عام 1988، ومن الأعمال التي شارك فيها كممثل في مسرح الطفل: ممتاز يا بطل، الأمير الفقير، عربة الملاك، فتاة القرية، وكمخرج قدم: السنونو السعيد، ضيف الدب، أما في مسرح الكبار فقدم كممثل: ثلاثة مراكب ومشعوذ، المملوك جابر، كلهم أبنائي، هدنة، زيتون.
تشرين