دونجوان نساء تجرَّع السم كي لا يموت به ! من هو راسبوتين الساحر الأعظم ؟
دونجوان نساء تجرَّع السم كي لا يموت به ! من هو راسبوتين الساحر الأعظم ؟
الاثنين 20-11-2017
- نشر 7 سنة
- 6158 قراءة
لا شك في أن حياة غريغوري يافيموفيتش راسبوتين وموته، من المواضيع المثيرة للجدل في التاريخ الروسي الطويل، ومع مرور أكثر من 100 عام على اغتياله، فإن بها كثيراً وكثيراً من الأسرار التي ما زالت تُكتشف حتى الآن. لعن كثيرون راسبوتين وقدسته فئة أخرى، لكنه في رأي كثير من المؤرخين، أصبح بعد اغتياله كبش فداء في نظر قاتليه، وحُمّل كُل خطايا النظام القيصري وفشل القيصر، الذي أدى في النهاية إلى انهيار الإمبراطورية الروسية.
راسبوتين في البلاط الملكي
بدأت علاقة راسبوتين ببلاط آل رومانوف منذ عام 1905، حينها كان القيصر نيكولاس الثاني وزوجته يعانيان الأمرّين في إيجاد علاج مناسب لمرض ابنهم الوحيد وولي العهد الأمير أليكسي الذي كان يُعاني الهيموفيليا “سيولة الدم”. ليس هناك دليل لدى المؤرخين حول الكيفية التي عالج بها راسبوتين حالة الأمير المريض، وإن كان كثير منهم يُرجع الأمر إلى أنه فقط أوقف علاج الأسبرين الذي كان وصفه أطباء القيصر علاجاً لنجله المريض.
كان الأسبرين وقتها يُمثل ثورة في عالم الطب، ووُصف لعلاج كثير من الأمراض، وفي حالة الأمير أليكسي، كان الأطباء الحائرون في إيجاد حل لحالته، يصفون الأسبرين وهم لا يعلمون إن كان يأتي بنتيجة أم لا، ولا أحد يعلم هل كان راسبوتين على علم بأن الأسبرين يُساعد في زيادة سيلان الدم؛ ومن ثم ازدياد النزيف لدى المريض أم لا، المهم أنه في نظر القيصر وزوجته المذعورَين على ابنهم، كان الرجل الذي جاء شفاء ابنهم على يديه، ومن بعدها أصبح من المقربين لديهم.
في نهاية عام 1906، وبسبب قواه التي بدت لهم سحرية وعجيبة على الشفاء، أصبح راسبوتين المعالج الرسمي للأمير المريض، والمستشار الشخصي للقيصر وزوجته، وبسبب كثرة تردده على القصر الملكي، سرت الإشاعات حوله وأن القيصر وزوجته ما هما إلا دُمى ماريونت يتحكم هو في خيوطها كيفما يشاء.
التطهر بالإغراق في الخطايا
عام 1897، هجر راسبوتين أسرته وزوجته وأولاده الثلاثة، وحياته الهانئة بقريته النائية في سيبريا حيث وُلد، وذهب في رحلة حج إلى دير فيرخوتوريا بإقليم سفيردلوفسك (وسط روسيا)، وخلال رحلته هذه انضم إلى طائفة دينية تُدعى سكوبتسي، هذه الطائفة تؤمن بأن الطريق الوحيد للوصول إلى الهداية ورضا الرب، هو عن طريق الانغماس في الخطيئة، حين يقْدم المرء على فعل الخطيئة، ثم يعترف بذنبه ويقر به، سيحصل على الغفران ويبرأ من ذنوبه.
ذلك النهج في نظر المؤرخين يفسر كثيراً من أفعال راسبوتين، من إفراطه في شرب الخمر، وانغماسه في التمتع بالنساء، وكثرة ارتياده المواخير والحانات، الأمر الذي كان في نظر سكان سان بطرسبرغ لا يتماشى نهائياً مع هيئة الراهب التقي الورع، وجعلهم يلصقون به كثيراً من الأمور التي كان حكام آل رومانوف يرونها خاطئة.
لم يثبت أنه كانت هناك علاقة جنسية بين راسبوتين والإمبراطورة، لكن مجونه وعربدته هذه جعلا الشائعات تتحول إلى حقائق في نظر كثيرين، كان من الصعب تفنيد تلك الشائعات وإثبات خطئها، وصل الأمر إلى ادعاء أنه اغتصب إحدى الراهبات في إحدى الكنائس، وأن العديد من نساء البلاط الإمبراطوري من زوجات وبنات كبار رجال الدولة على علاقة آثمة به. أثبتت حالة السخط من القيصر وحكمه، والتي تفجرت أكثر مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، الصورة النمطية عن راسبوتين والتي أصبح من الصعب تغييرها.
لم تتوقف نصائح راسبوتين على الجانب الطبي فقط؛ بل شملت الجانب العسكري أيضاً، وهو ما أثبت فشله بشدة. فبعد تولي القيصر نيكولاس الثاني المسؤولية الشخصية عن الجيش وقيادته في أغسطس/آب من عام 1915، خلال الحرب العالمية الأولى، بناء على اقتراح راسبوتين ونصيحة زوجته التي أيدت اقتراح الراهب، أصبح القيصر هو الهدف الرئيس للثوار، وألقي عليه باللوم حول الكوارث التي لحقت بالجيش الروسي في الجبهة، وبانشغال القيصر على الجبهة، كانت الأمور في الداخل في يد زوجته وراسبوتين.
وبصفته المستشار الشخصي والناصح الأمين لها، استغل راسبوتين هذا النفوذ في تعيين المقربين له بالكنيسة وغيرها من الأماكن في المناصب السيادية بالدولة، الأمر الذي زاد من سخط العامة، ومع سمعته المشينة التي أصبحت يُضرب بها المثل، رأى كثيرون أن التخلص منه أصبح أولوية بالنسبة إليهم.
كيف قُتل راسبوتين؟
كانت أولى محاولات اغتياله على يد امرأة عادية من سكان سان بطرسبورغ في صيف عام 1914، ادعت أنه حاول غوايتها ذات مرة، فطعنته في معدته طعنة نافذة، لكنه نجا منها رغم كمية الدماء الكثيرة التي فقدها. بعدها بعامين وتحديداً في ديسمبر/كانون الأول 1916، كانت المحاولة الثانية التي قضت عليه.
دعاه مجموعة من النبلاء، على رأسهم الأمير فيليكس يوسوبوف والدوق ديمتري بافلوفيتش والسياسي فلاديمير بوريشكفيتش، لتناول العشاء في قصر الأمير يوسوبوف. وفقاً لرواية المتآمرين، فقد وضعوا في البداية سم السيانيد بطعامه، لكنه لم يمت وأنهى طعامه تماماً، وحين ثبت فشل السم تناول الأمير يوسوبوف مسدسه وأطلق الرصاص على صدره، فسقط راسبوتين أرضاً لكنه لم يمت، وقام وقاوم الأمير حتى أطلق عليه بوريشكفيتش رصاصة في رأسه أردته قتيلاً.
لم يكتفِ الثلاثة بهذا؛ بل حملوا جسد راسبوتين ملفوفاً في سجادة كبيرة وألقوه في مياه نهر ملايا نيفكا المتجمدة؛ حتى يتأكدوا تماماً أنه قد مات. أثبت تشريح الجثة التي استُخرجت بعد فترة بصعوبة بسبب برودتها الشديدة، أن الرصاصة التي أصيب بها في جبهته هي التي قضت عليه، ولم يثبت وجود أي أثر للسم في جسده، ما يُفند الرواية التي ذكرها قاتلوه.
لكن هناك نظرية أخرى تجزم بأن راسبوتين تمكّن من تطوير مناعة ذاتية ضد السموم، وذلك بأن يتجرع يومياً سم السيانيد على جرعات صغيرة، حتى أصبح جسمه قادراً على مواجهة محاولات تسميمه؛ وذلك لأنه كان مدركاً أن هناك من يتربص به وينوي قتله.
كانت حياة راسبوتين مزيجاً من الخرافات والإشاعات التي وصلت لحد الأسطورة، ووفاته كذلك أصبحت أسطورة بحد ذاتها، فهناك أقاويل ظهرت تقول إن راسبوتين لم يمت حتى بعد أن أُلقي في المياه المتجمدة، وأنه سبح حتى وصل إلى البر وأنقذه أحد الفلاحين. لكن الأكيد أنه بعد خلع القيصر عن العرش، ذهب بعض الثوار الغاضبين إلى حديقة القصر الصيفي حيث دفنت الإمبراطورة جثمان راسبوتين، وأخرجوا بقاياه وأحرقوها؛ تنكيلاً بالراهب وبما جلبه من شرور ومفاسد عليهم.
صحيح أن سيطرة راسبوتين على القيصر وزوجته كانت قوية للغاية، لدرجة أن السياسيين من خارج روسيا لاحظوها، لكنهم لم يضخموا الأمر بالشكل الذي فعله النبلاء والسياسيون داخل روسيا.
اقترح السفير البريطاني لدى روسيا في ذلك الوقت، جورج بيوكانن -الذي كان يحاول رأب التصدعات الكثيرة التي ظهرت في حكم القيصر؛ خشية سقوط روسيا بالكامل وخروجها من ثم من الحرب- على القيصر التخلص من راسبوتين أو على الأقل تحجيمه؛ حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، وهناك تقارير تشير إلى أن اغتياله على يد الأمير يوسوبوف كان بتحريض من بريطانيا، لعلهم ينقذون حكم القيصر ويحافظون على بقاء روسيا في الحرب.
لكن، كانت كرة الثلج قد كبرت بشدة وأصبح من الصعب؛ بل من المستحيل إيقافها، وجاءت الثورة البلشفية في أكتوبر/تشرين الأول 1917 لتقضي تماماً على اسم إمبراطورية روسيا القيصرية وحكم آل رومانوف، وتؤسس مكانها الاتحاد السوفييتي.
هاف بوست