قمر الزمان علوش يكتب لصاحبة الجلالة : إعلام في غيبوبة أم إعلام يعرف شغله ؟
صاحبة الجلالة _ خاص
سيدة حلبية شبيهة فاتن حمامه هربت من حلب مع زوجها وبناتها الثلاث اللواتي يقتربن من سن النضوج لحمايتهن من أذى وحوش البشر الذين يسيطرون على المدينة بقوة السلاح .
بعد رحلة مضنية حطت بهم الرحال في مدينة اللاذقية . حياة كاملة تتلاشى وحياة جديدة اخرى تبدأ . المحيط بمعظمه طيب و مسالم ..ولكن الغربة بطبعها معادية ومحفوفة بالمخاطر والمرعبات . فجأة وجدت الأسرة نفسها في عزلة ينقصها الحب والصداقة ودفء الأماكن المعتادة . كان اﻻب مصورا فوتوغرافيا يملك منزﻻ و استديو تصوير دمرتهما الحرب .وهنا في اللاذقية كان عليه ان يعمل بجهد شاق ليتغلب على الغربة والحاجة والزمن فعمل أجيرا في مزرعة .
هذه السيدة الحلبية كان من المفروض ان تكون ضيفتي في فيلم وثائقي عن النازحين السوريين متفق عليه مع الهيئة العامة للتلفزيون وبتكليف رسمي من المدير العام عماد سارة.
انطلقت الى اللاذقية منفردا للقيام بتحضيرات الفيلم واستطلاع اﻻماكن .. مستغلا الوقت الذي يقوم به فريق العمل باﻻجراءات اﻻدارية الروتينية .
خمسة عشر يوما قضيتها متجوﻻ بين النازحين واسرهم ومنازلهم حددت خلالها ضيوفي وأماكن التصوير والكم الهائل من عذاباتهم وحكاياتهم المؤلمة .. واذ فجأة يصلني اتصال هاتفي من مخرج العمل يخبرني فيه ان اﻻستاذ سارة ألغى المشروع متجاهلا اﻻمر اﻻداري الذي يحمل توقيعه .وجاء هذا تتويجا لسلسلة اجراءات كان يسعى خلالها الى عرقلة المشروع تارة بتقليص الميزانية وتارة بتغيير مدير اﻻنتاج وتارة بتقليص مدة الفيلم من خمسين دقيقة الى : عشر دقائق !!
تصوروا فيلم وثائقي عن مليون ونصف ﻻجىء بعشر دقائق فقط ؟ هل هذا رجل اعلام حقا ؟
طال حديثي مع تلك السيدة الحلبية . روت لي كل شيء تغريها سهولة المغامرة . أحيانا تسخر سحرها الخاص لتظهر قوتها وان الأمر أقل مأساوية . وأحيانا يشوبها التوتر والقلق واﻻفلاس الروحي ولكن باسلوب وتعابير الفﻻسفة بعد ان يضفي جمالها على تلك الفلسفة رونقا أخاذا .
سألتها : ما أصعب اﻻمور التي تواجهينها في يومياتك ؟
أجابت دونما انتظار : " أصعب اللحظات التي تمر بي يوميا هي تلك اللحظات التي يتعين علي فيها أن أغتصب اﻻبتسامة أمام بناتي الثلاث لكي ﻻينسين عادة اﻻبتسام . وجوههن العابسة بحاجة يوميا الى ترميم " .
لم أندم على جهودي التي ضاعت أدراج الرياح ولم أكن تعسا من مزاجية السيد المدير .فقد حصلت على كنز حقيقي هو تلك العبارة التي قالتها السيدة الحلبية عن تلك الوجوه التي ﻻ لون لها والتي هي بحاجة للترميم بابتسامة مغتصبة .
لو أبحرت في عالم اﻻدب عاما كاملا لما عثرت على عبارة مؤلفة من عدة كلمات تلخص معاناة مليون ونصف انسان خيرا من تلك العبارة التي تروي قصة كل شيء وترسمه بالصورة واﻻحساس .
ولكم كنت اتمنى لو استطعت نقل تلك العبارة لكم خارجة من فم تلك المرأة وهي تنطقها بنبرة تأثر حارة مع ابتسامة عفوية أبلغ من الدموع .