محمد لو لم يكن رسولًا فهو المنقذ من الجهل إلى النور
محمد لو لم يكن رسولًا فهو المنقذ من الجهل إلى النور
الخميس 09-11-2017
- نشر 7 سنة
- 865 قراءة
تكثر في هذه الأيام أفكار التشكيك والاستهزاء بالأنبياء والمعجزات الَتِي جَاؤوا بها من السماء، وكلّ هم المشككين هو خلخلة الدين، وزعزعة إيمان المؤمنين، ليصبح المؤمَّن حائرًا في أمره، وخاصةً لو كان قَلِيل الاطلاع على أمور الدين، والأغلب هكَذَا؛ لأنهم ليس من اختصاصهم الرد على الشبهات والمسائل الدينية، فهذه المسائل المعقدة وشروحات الدين هي من اختصاص أصحاب العلم في هذا المجال، وأقصد برجال الدين بكل مسمياتهم، الواعظين، الشيوخ، السادة، الدعاة، الباحثين.
فمن الأجدر أن يردوا هم الشبهات والمسائل العالقة، وأيضًا إيضاح الأمور الَتِي يعجز العقل عن التصديق بها؛ لأنها معجزات ربانية وهبت لأشخاص معينين تحت ظروف معينة.
فأغلب الأسئلة الواردة هنا من قبل الملحدين أو المشككين بالدين مثّل: لِماذا لا يظهر اللَّه نفسَه للناس جميعًا؟ لماذا لا يجعل اللَّه الناس كلهم مؤمنين وهو القادر على كل شيء؟ وقد ذكرت الإجابة مسبقًا في مقالي الإلهي والملحد كلاهما يجب أن يؤمن، لمن يحب الرجوع إليه، وهناك الكثير من الأسئلة التي تطرح هذه الأيام ليشك المؤمن في دينه وعبادته وينجر وراء أفكار لا تحمل سوى الهدم والافتراء، مهما كانت السبل المتاحة لهم، فهم يستخدمون ضعيفي الدين والمتشككين لبث هكذا أفكار في المجتمع.
التشكيك بالرسول محمد من قبل الملحدين؟
يشكك بعضهم برسالة الرسول محمد ويقولون إنه ألف القرآن، وبعضهم الآخر يقول إنه منقاد لشهواته بحبه للنساء؛ والزواج من أكثر من واحده، وحاشاه من هذه الافتراءات وغيرها، وليس من اختصاصي الرد على هذه الشبهات لأن من هو أجدر مني وأعلم بقدر كاف قد فند هذه الأباطيل وردها على مبتدعيها.
محمد ومن منا لا يعرف هذا الرجل، دعوني أنسلخ من ديني قليلًا لأكون حياديًا ولا أتكّلم بالعواطف، دعوني أكون خارج الدين قليلًا لأرى محمدًا من وجهة نظر كثير من النَّاس التابعة لديانات أخرى، اعتبره الكاتب اليهودي مايكل هارت أعظم الشخصيّات أثرًا في تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي».
فعندنا في الإسلام محمد الصَّادق الأمين، ذو الأخلاق العالية، العطوف، الرّجل الّذي لا يوجد له مثيل في الاستقامة والصدق ومحبة الآخرين والعطف، نعم إنه رجل الأخلاق الأول في العالم الّذي لم يشك بقدرة اللَّه الصابر على أذية الغير له، والمحتسب عند اللَّه أمره.
محمد في المسيحية
اختلفت الآراء هنا؛ فهو المذكور عندهم في الإنجيل الأصلي، وأقصد بالأصلي النازل من السماء لا المحرف من قبل أهل الأرض، بأنه سيأتي رجل بعدي عليكم أن تؤمنوا به، والتبشير بنبوة الرسول في نصوص مختلفة من التوراة والإنجيل.
وأدرج هنا بعض آراء من كُتاب ومفكرين مسيحيين
الأديب الإيرلندي برناردشو
قال في كتابه «محمد»: إنّ العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائمًا موضع الاحترام والإجلال، فإنّه أقوى دين على هضم جميع المدنيات خالدًا خلود الأبد، وإنّي أرى كثيرًا من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بيّنة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارّة ـ يعني أوربا ـ وإذا أراد العالم النجاة من شروره فعليه بهذا الدين، إنّه دين السلام والتعاون والعدالة في ظل شريعة متمدِّنة بميزان لا يخطئ أبدًا.
المستشرق الألماني الدكتور ثيودور نولدكي
قال في كتابه «تاريخ القرآن»: نزل القرآن على محمد نبي المسلمين؛ بل نبي العالم؛ لأنّه جاء بدين عظيم إلى العالم، وبشريعة كلّها آداب وتعاليم، وحريّ بنا أن ننصف محمدًا في الحديث عنه؛ لأنّنا لم نقرأ عنه إلاّ كل صفات الكمال، فكان جديرًا بالتكريم.
الفلكي والرياضيّ الفرنسي لا بلاس
قال في كتابه «الأديان»: إنّنا وإن لم نعتقد بالأديان السماوية، ولكنّ دين محمد وشريعته مثالان اجتماعيان لحياة البشر؛ فنحن نعترف لمحمد بأنّه عظيم بدينه ومبادئه وعقليّته، فلا محيص عن الأخذ بتعاليمه.
المستشرق والكاتب السويسري العلاّمة ماكس فان برشم
قال في مقدمة كتابه «العرب في آسيا»: إنّ محمدًا نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانيّة، إنّ ظهور محمد للعالم أجمع إنّما هو أثر عقل عال، وإن افتخرت آسيا بأبنائها؛ فيحقّ لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم.
الشاعر الفرنسي الشهير دي لا مارتين
قال في كتابه «السفر إلى الشرق»: إنّ محمدًا فوق البشر ودون الإله، فهو رسول بحكم العقل ودلالات المعاجز تعضد ذلك، وإنّ اللغز الذي حلّه محمد في دعوته، فكشف فيها عن القيم الروحية، ثمّ قدّمها لاُمّته العرب دينًا سماويًا، وسرعان ما اعتنقوه، هو أعلى ما رسمه الخالق لبني البشر.
المستشرق الإنجليزي بالمر
قال في مقدّمة ترجمته القرآن الكريم: لقد جاء محمد بمبدأ للعالم عظيم، ودين لو أنصفت البشرية لاتَّخذته لها عقيدة ومنهاجًا تسير على ضوئه، وقد كان محمد عظيمًا في أخلاقه، عظيمًا في صفاته، عظيمًا في دينه وشريعته، وإنّني لا اُبالغ إذا قلت إنّ شريعته تحمل إلى الناس تعاليمَ ونظمًا وقوانين ليس في غيرها ممّا سبق مثلها.
المؤرّخ الكبير المستر أورينني الأمريكي
قال في كتابه «الحياة والإسلام»: كان النبي الأخير بسيطًا خلوقًا ومفكّرًا عظيمًا ذا آراء عالية، وإنّ أحاديثه القصيرة جميلة ذات معان كبيرة ، فهو إذن مقدّس كريم.
المؤرّخ الكبير الدكتور ريتين الإسباني
قال في كتابه «تاريخ سوريا ولبنان»: إليك يا محمد وأنا الخادم الحقير أقدّم إجلالي بخضوع وتكريم، إليك أطأطئ رأسي، إنّك لنبي حق من الله، قوّتك العظيمة كانت مستمدّة من عالم الغيب الأزلي الأبدي.
وهناك الكثير ممن كتبوا في الرّسول محمد وأشادوا بأخلاقه وحسن تصرفه وغيرته على دينه وتمسكه بالإيمان المطلق الّذي لا يراوده أي شك فيه.
العرب قبل محمد
لا يُخفى علينا كَيْف كَانت أحوال العرب قبل الإسلام، ومن منا لم يقرأ عن التاريخ العربي قبل الإسلام، فهم أُناس غطوا حتى آذانهم في الرذيلة والفحشاء، لقد كانت الأمة العربيّة غارقة بالملذات ومتباهية بالفواحش لا يحكمها قانون وَلا عُرف، أُناس يغيرون على آخرين يقتلون يسلبون وينهبون وكأنها غابة يعيشون بها، يدفنون بناتهم أحياء لأنهن عار وعورة، ويمجدون الرجال، يبيعون ويشترون العبيد وكأنهم بهائم تباع في السوق.
كان النسب هو العامل الفاصل في مكانة الفرد؛ فمن ولد في عشيرة كثيرة الأنفس ومنها أعيان المدينة فهو «عزيز» و«منيع»، أما من كان من عشيرة صغيرة وليس لها أعيان متبعون وفيهم المشورة فهو «حر» وليس عزيزًا فلا يتجرأ على من ينتمي إلى العشائر الأقوى، وإلا تعرض لأشد العقوبات من تلك العشيرة، ولا تستطيع عشيرته حمايته، وإلا تعرضت هي الأخرى لما تكره، أما الأحلاف وهم بتعبير اليوم «الوافدون» فكانت مكانتهم أقل من الأحرار؛ فهم إما خلعاء من عشائرهم الأصلية، أو قدموا للإقامة لأسباب أخرى، فكانوا يربطون أنفسهم مع من نزلوا عنده فكان بمنزلة «الكفيل» اليوم؛ فكان يقال فلان مولى فلان، وهم في حماية أحد الأفراد في عشيرة تلك المدينة، أما العبيد فمكانتهم منحطة لا حقوق لهم، ويستغلون للعمل في الأمور التي يأنف منها أصحاب النسب.
كيف انتشل محمد الجزيرة العربية من الضياع إلى الازدهار؟
سياسيًّا
كانت شبه الجزيرة العربيّة مفككة، لا توحّدها دولة ولا تديرها حكومة، وكانت الدول القديمة التي قامت في اليمن ونجد وأطراف العراق والشام قد اندثرت، وطغت البداوة على المدن في تهامة والحجاز، فكانت القبيلة هي الوحدة السياسية والاجتماعية. فكانت مكة تُدار من قبل الملأ في دار الندوة. والمدينة المنورة في حالة نزاع دائم بين الأوس والخزرج. أما دولة المناذرة في الحيرة ودولة الغساسنة في الشام فقد سمح الفرس والروم للدولتين بالنشوء لتكونا حاجزتين تصدان عنهما غزو القبائل العربيّة، وتتوليان حماية القوافل التجارية. فجاء الإسلام ليوحد الجميع تحت راية الرسول محمد وبداية انطلاق التاريخ السياسي الإسلامي الذي يدار بحكمة وموضوعية وأصبح للدولة الإسلامية شأن بين جميع الأمم، بل أصبح المسلمون ذوي نفوذ وسلطة يحسب لها ألف حساب؛ لأنها موحدة غير متشتتة، وبالنسبة إلى صيانة الأرواح والأمن الجسدي والروحي في الحكومة الإسلامية، فكان المجتمع يعيش بسلام وأمان، والرسول لم يزهق روحًا واحدة من غير حق، وكانت حروبه حروبًا مثالية، وكانت جميعها دفاعية، فحين كان الاعتداء من جانب الكفار كان يكتفي بأقل قدر من الضرورة في الحرب، ثم يعفو. إن رسول الله بهذه الأخلاق الطيبة والسياسة الرشيدة كان محبوبًا عند المُسلمين إلى أبعد حد ـ بل كان يحبه غير المسلمين أيضًا ـ وهذا الحب الناشئ عن الإيمان هو الذي جمع المسلمين حوله من يومه ذلك إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة. فتراه محبوبًا عندما كان في مكة المكرمة، وعندما كان في المدينة المنورة، وفي القرون المتطاولة من بعده، ويزداد الناس حبًا له يومًا بعد يوم.
اجتماعيًّا
كانت الحياة الاجتماعية قبل الرّسول محمد تتعثر بين وحشية ضارية، وهمجية، واستبداد مروع، وكانت ترتكز على عقائد باطلة، وتقاليد وعادات بالية غير صحيحة، وكان الجهل والجمود والاضطهاد والاستعباد والاستغلال والعبودية، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، من سنة الحياة التي كانت منتشرة، وعندما جاء الرسول برسالته رسالة الرحمة تبدلت الأحوال؛ لأن الدين الإسلامي ساوى بين المسلمين كافة وأعطاهم الحقوق نفسها، وفرض عليهم الواجبات نفسها، ولم يسمح بأي تمييز بين مسلم عربي ومسلم أعجمي «غير عربي». وأما اليهود والنصارى فقد مارسوا طقوسهم وعبادتهم وشعائرهم الدينية.
أما من الناحية الاقتصادية
فالإسلام قَضَى على الرِّبا وأنشأ أول منظومة حماية اجتماعية، توفر الأموال للفقراء والمساكين والمحتاجين، بنظام الزكاة، وهي باعتقادي من أفضل الأنظمة التي جاء بها الإسلام، لو طبقت بصورتها الصحيحة اليوم لكان معظم الفقراء لا يحتاجون للتسول ومد أيديهم في الشوارع؛ لأن للفقير حقًا في مال الأغنياء، وعلى أصحاب الشأن الذين يقبضون أموال الزكاة توزيعها بالعدل؛ لأصبح المجتمع اليوم بغير حاله الَتِي يعيش فيها.
لو افترضنا جدلًا أن محمّدًا لم يكن رسولًا ولا نبيًا، حاشاه من هذا الافتراء، ألم يحق له أن يكون الرجل الأول في العالم الّذي يحمل صفات الحب والفضيلة من يحمل صفاته، قلبه المفعم بالحب والرحمة والإيمان المطلق نعم إنه عشقنا وحبيبنا، معلمنا الأول معنى الإنسانية ومكارم الأخلاق.
المستشرق الفرنسي وأستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف إدوار مونته قال في كتابه «حاضر الإسلام ومستقبله»: أمّا محمد، فكان كريم الأخلاق، حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم، صادق اللفظ، إنّ طبيعة محمد الدينيّة تدهش كل باحث مدقّق نزيه القصد بما يتجلّى فيها من شدة الإخلاص، فقد كان محمد مصلحًا دينيًّا ذا عقيدة راسخة، ولم ينهض إلاّ بعد أن تأمّل كثيرًا، وبلغ سن الكمال بهاتيك الدعوة العظيمة التي جعلته من أسطع أنوار الإنسانية، لقد جهل كثير من الناس محمدًا وبخسوه حقّه، وذلك لأنّه من المصلحين الذين عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها.
ساسه بوست