يوسف زيدان: المفكر السكندري الذي لا يكف عن إثارة الجدل
يوسف زيدان: المفكر السكندري الذي لا يكف عن إثارة الجدل
الاثنين 06-11-2017
- نشر 7 سنة
- 5896 قراءة
من المعروف أن المفكر المصري يوسف زيدان، قد اعتاد على النبش فيما هو مسكوت عنه في التراث الإسلامي، والخروج بنظريات جديدة غير معتادة، مما عرضه للدخول في معارك متتابعة مع رجال الدين والمثقفين.
في الفترة الأخيرة تحديداً، اعتاد زيدان على الظهور كضيف دائم في فقرة من فقرات أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة في المنطقة العربية، وهو ما استغله المفكر المصري لإطلاق سهامه الفكرية الجدلية في كل حدب وصوب، عندما شكك تارة في فهم المسلمين المعاصرين لمعاني القرآن الكريم واللغة العربية، وانتقد تارة أخرى بعض رموز العمل الوطني المصري مثل أحمد عرابي وجمال عبد الناصر، الأمر الذي أثار الكثير من ردود الأفعال الغاضبة، التي طالبت بمنع ظهوره على شاشات التلفاز، ومحاكمته بتهمة ازدراء الأديان.
أعماله الفكرية والأدبية: ما بين التصوف والرواية وتاريخ الأديان
من المؤكد أن يوسف زيدان هو واحد من كبار المفكرين الناشطين في المجال الثقافي في مصر، وهو الأمر الذي يتبين في عقده لصالون ثقافي بشكل دوري في كل من القاهرة والإسكندرية من جهة، ولإنتاجه الفكري الضخم والمتنوع من جهة أخرى.
فقد أعلن زيدان في أكثر من مناسبة، أن مجموع إنتاجه الفكري والعلمي قد وصل لـ35 ألف صفحة، وذلك في مجالات تحقيق التراث والفكر الديني والسياسة والروايات التاريخية.
فيما يخص تحقيق التراث، فإن زيدان تخصص في حقلي التصوف وتاريخ العلوم الطبية، فكان من أبرز الكتب التي حققها في ذلك المجال، كتاب الشامل في الصناعة الطبية لابن النفيس، والذي نشره في ثلاثين مجلداً.
أما شهرته الحقيقية في المجال الفكري، فقد بدأت في 2008، بالتزامن مع نشر روايته عزازيل، التي تدور أحداثها في القرن الخامس الميلادي، وتبين الصراعات الفكرية والعقائدية التي احتدمت ما بين المسيحيين وبعضهم البعض.
عزازيل منحت مؤلفها، مجداً علمياً كبيراً، بعدما حصدت الرواية، جائزة البوكر العربية في 2009، وهي أهم جائزة عربية تُمنح للروائيين العرب على الإطلاق.
ولكن ذلك النجاح الأدبي، ترافق في الوقت ذاته، مع توجيه انتقادات شديدة اللهجة لزيدان، وذلك بعدما اتُهم المفكر السكندري بالإساءة للمسيحية من جهة، وبسرقته للأفكار الرئيسة في الرواية من روايتي (أعداء جدد بوجه قديم) لتشارلز كينجسلي، و(اسم الوردة) لأمبرتو إيكو من جهة أخرى.
في 2009م، أثار زيدان الجدل من جديد، ووجد نفسه مواجهاً بتهمة ازدراء الأديان، بعدما نشر كتابه "اللاهوت العربي وأصول العنف الديني"، والذي عمل فيه على تبيان الخلافات العقائدية المتشابهة في الأديان السماوية الثلاثة.
بعدها بعام واحد، صدرت لزيدان رواية النبطي، والتي تناولت الفترة التي سبقت ظهور الرسالة الإسلامية في الجزيرة العربية، ورغم نجاح تلك الرواية إلا أنها لم تستطع حصد الإعجاب الذي حققته عزازيل من قبل.
وبعد اندلاع أحداث ثورة يناير في 2011، بدأ زيدان في نشر مقالات مطولة في جريدة المصري اليوم، عبر من خلالها عن رؤيته للأحداث السياسية المتشابكة التي تزامنت مع الثورة، ثم قام بجمع تلك المقالات في ثلاثة كتب، وهي متاهات الوهم، ودوامات التدين، وفقه الثورة.
وقد قُدر للكتب الثلاثة أن تنال حظاً كبيراً من اهتمام الشباب المصري والعربي، الذي كان يبحث حينها عن أفكار تمكنه من فهم اللحظة التاريخية الحرجة التي مرت بها أوطانهم، في سياق ثورات الربيع العربي.
وكانت من أخريات الأعمال الروائية المتميزة التي نشرها زيدان في الفترة الأخيرة، ثلاثيته (مُحال، وجوانتانامو، ونور)، والتي هاجم فيها سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال سرده لقصة شاب مصري بسيط تقلبت به الأحوال حتى تم اعتقاله وزج به في أحد السجون الأمريكية.
ما بين سراج الدين وصلاح الدين: أهم معارك زيدان الإعلامية
اعتاد المفكر المصري، أن يدخل بصراعاته وصداماته إلى الأوساط الإعلامية، وألا يقصر ساحاتها على أوراق الكتب وصفحات الجرائد، مما حدا بالكثير من متابعيه لوصفه بالباحث عن الشهرة والظهور الإعلامي.
مشكلات زيدان ومعاركه وجدت طريقها إلى محل عمله في مكتبة الإسكندرية، حيث خاض المفكر المثير للجدل حرباً ضروساً ضد إسماعيل سراج الدين، المدير العام السابق للمكتبة، حينما نشر في فبراير 2012، مقالاً على صفحات جريدة المصري اليوم، هاجم فيه سراج الدين، واتهمه صراحةً بالتلون السياسي ومحاولة ركوب ثورة يناير، كما أشار فيه للمخالفات الإدارية والمالية الجسيمة التي وقع فيها المدير العام للمكتبة.
المقال أحدث الكثير من ردود الأفعال الغاضبة في ذلك الوقت، ورد عليه سراج الدين بمنتهى العنف، عندما أصدر قراراً بإعفاء زيدان من منصبه كمدير لمركز المخطوطات في المكتبة.
ورغم تقبل زيدان للقرار، فإن مشكلته مع سراج الدين لم تنته، ففي نوفمبر 2014، أعلن المفكر السكندري عن توقفه عن الكتابة والتفاعل الثقافي داخل مصر وخارجها، رداً على قرار رئيس الوزراء بتعيين سراج الدين مستشاراً ثقافياً لمجلس الوزراء، ولم تنته المعركة ما بين زيدان وسراج الدين إلا بعد إقالة الأخير من منصبه في مايو السابق.
وشهدت شاشات التلفاز واحدة من أكبر معارك زيدان، في ديسمبر 2015، عندما خرج في أحد البرامج ليؤكد على أن المسجد الأقصى الوارد ذكره في القرآن الكريم، ليس هو نفسه الموجود حالياً في فلسطين، كما أنه، وفي السياق نفسه، أنكر وقوع معجزة معراج الرسول، وقال "إن الإسراء ثابت في القرآن، ولكن المعراج لا أعلم من أين جاء".
تلك التصريحات الجريئة، أثارت حفيظة العديد من رجال الدين والمثقفين، فانبرى بعضهم للرد عليها، وكان من أبرزهم مفتي مصر السابق علي جمعة، والمفكر الإسلامي عدنان إبراهيم.
أما في أغسطس 2016، فقد أثار صاحب عزازيل الجدل من جديد، ولكن خارج مصر هذه المرة، وذلك أثناء مشاركته في إحدى ندوات مهرجان تويزا الثقافي بطنجة، عندما أشعل سيجارة، وطلب منه مدير الندوة إطفاءها، ليرفض زيدان ويغادر القاعة، في خطوة استتبعتها ردود أفعال غاضبة من جانب الجمهور المغربي، الذي رأى في تصرف المفكر المصري "تصرف غير لائق وينم عن عدم احترام المغاربة".
وفي مايو 2017، فقد واصل زيدان تحطيمه لثوابت الثقافة العربية الجمعية، عندما خرج في أحد لقاءاته الإعلامية، ليصف القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، بأنه واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني، وفسر ذلك بخيانته للخليفة الفاطمي، وقتله لعدد كبير من الفاطميين، وحرقه لكتبهم المهمة، وهو الأمر الذي قوبل بردود أفعال غاضبة واسعة النطاق من جانب رجال الدين والمثقفين المصريين، الذين اعتادوا على مدح وتوقير شخصية صلاح الدين.
كيف نفسر الصخب الذي يحدثه زيدان؟
من المؤكد، أن المفكر المصري المثير للجدل قد استطاع عبر السنوات القليلة السابقة، من أن يجعل من نفسه ومن أرائه الجريئة، بؤرة متجددة للنقاشات الفكرية والثقافية في المنطقة العربية كلها.
ولكن كيف يمكن أن نفسر ذلك، خصوصاً وأن الوقت الحالي، يشهد ظهور العديد من المفكرين الذين يغردون خارج السرب، بما يروجون له من أفكار مخالفة للثقافة الجمعية السائدة والمستقرة.
الحقيقة أن فهم ما يمكن أن نسميه اصطلاحاً بالظاهرة الزيدانية، يعتمد في المقام الأول على معيارين أساسين، الأول هو سماته الشخصية والفكرية، والثاني يعود للحالة الفكرية التي تمر بها المجتمعات العربية ككل.
فيما يخص زيدان، فإن أول ما يمكن ملاحظته، هو أنه لا يمكن تصنيفه على كونه تلميذاً لمدرسة فكرية بعينها، ولهذا فإنه لا يُحسب على تيار ثقافي معين، فأراؤه التي أوردها في رواية عزازيل مثلاً، توحي بأنه إسلامي الهوى والتوجه، وهو ما يتفق مع الهجوم الذي تعرض له من قبل القيادات الكنسية القبطية وقتها.
بينما إذا ما رجعنا لأرائه عن المسجد الأقصى وصلاح الدين، فإنها تستدعي إلى الأذهان أراء الفصائل الفكرية العلمانية التي تنزع إلى تهميش الموروثات الدينية، لصالح منهجية براغماتية تستهدف إصلاح الأحوال السياسية القائمة، والتصالح مع الجارة العبرانية.
ولكن زيدان نفسه، يرفض كلاً من التوصيفين السابقين، ويقدم نفسه كمفكر وفيلسوف متحرر يميل للصوفية الإسلامية بما يعتريها من قيم روحانية كونية لا خلاف عليها.
ما أعلن عنه زيدان مراراً في كتبه ولقاءاته ومحاضراته، يستقيم مع النقد اللاذع الذي وجهه هو نفسه لبعض الباحثين والمفكرين الحداثيين، الذين قد يتشابه طرحهم –ظاهرياً – مع أفكاره.
على رأس الباحثين الذين انتقدهم زيدان، الباحث إسلام بحيري، ففي أحد لقاءاته التلفزيونية وصف زيدان ما يفعله البحيري "بادعاء البطولة الزائفة وإشغال الرأي العام"، وشدد على "تفاهة" ما يقوم به بحيري من التقاط كلمات صادمة من التراث وصدم الناس بها في الوقت الذي يواجه فيه المجتمع مآزق لا حصر لها.
وفي السياق نفسه، فإن زيدان قد أحدث ارتباكاً في أفكار مشاهديه ومتابعيه عندما أشاد أكثر من مرة بعدد من رموز التراث الإسلامي، من أمثال أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم، وهي الرموز التي اعتاد الباحثون على مهاجمتهم مؤخراً، في معرض ما اعتبروه تجديداً للفكر الديني.
الأساس الثاني الذي يجب الالتفات إليه في تحليل ظاهرة المفكر المثير للجدل، أن الحالة المعرفية والفكرية السائدة في المنطقة العربية، ولا سيما في الفترة الأخيرة، تميل بشدة للاستقطاب والقولبة، بحيث تعمل على توصيف كل مشروع فكري أو ثقافي بمجموعة من التوصيفات العمومية الشاملة، دون تقصي الحقائق أو استجلاء المعاني المرتبطة بخطابها الفكري.
ومن هنا فإن المجتمع الذي اعتاد أن يصنف مفكريه، إما على كونهم إسلاميين أصوليين، مائلين للتشدد والتزمت من جهة، أو ينعتهم بكونهم علمانيين متحررين، يدعون للتجديد والتحديث من جهة أخرى، قد وقف مرتبكاً أمام ظاهرة يوسف زيدان، وهو الذي حاول أن يجمع ما بين النمطين، ليستحدث لمنهجه قالباً جديداً، لم تعتد عليه أغلبية المجتمع المصري بعد.
رصيف 22