لم نعد فقط أكثر فردية، لقد أصابتنا أيضًا أنانية جنسية!
في تقرير نشرته صحيفة El Pais الإسبانية، تناول الكاتب التغييرات التي طرأت على العلاقات الزوجية الحديثة، مستعرضًا ما كانت عليه في الماضي. يقول الكاتب: «كانت أنا وأنت يعني نحن، كما في المثل الرومانسي الذي عاش لسنوات حين يندمج شخصان تقريبًا بمعنى الكلمة في علاقة يُنتظر أن تستمر للأبد».
لكنَّ هذا تغيّر -كما يخبرنا الكاتب- والآن «أنا تعني أنا، وأنت تعني أنت». نتشارك فقط مساحة محدودة خلال وقت غير محدد. هكذا تحوَّلنا من «أنا بدونك لا شيء» إلى «أنا أنا حتى وأنا وحدي»، وهذا لكي يتكيَّف الحب مع مجتمع أكثر فردية. لم نعد فقط نتحدَّث بضمير الفرد، لكنَّ مصطلحًا جديدًا أيضًا يظهر في الكتابة لأولئك الذين يقضون كثيرًا من الوقت وحيدين، الصديق الوحيد لهم هو الكلب، أولئك الذين لا يُضطرون لمناقشة خططهم الأسبوعية مع أحد: «شديدو الفردية- supersingles»، ويتساءل الكاتب هل نحن أكثر فرديَّة في الفراش أيضًا؟!
في ضوء خبرتها تقول «نايارا مالنيرو»، المتخصصة في الطب الجنسي: «نعم لقد تحوَّلنا إلى الفردية؛ لكن ربما كنَّا هكذا دائمًا». في رأيها قبل ذلك كانت الحياة الزوجية تعني أن «نفعل كل شيء سويًا، وأن نقضي وقتًا أقل في استقلالية»، وهو أمر لم يكن صحيًّا تمامًا. مع ذلك فإن ما تقدّره الآن أن هناك «مزيدًا من إلقاء اللوم على الآخر، والمسؤولية عن العناية به منعدمة».
تقول مالنيرو إنّ هذا الاتجاه أصبح أكثر وضوحًا في ما يتعلَّق أكثر بالجنس «حين تحدث مشكلة ما تتعلق بالجنس فإن اللوم يقع دائمًا على الطرف الآخر»، والسبب وفقًا لها قد يكون «أننا اليوم نتعامل مع خيارات أكثر لعلاقاتٍ متفرِّقة، وهذا يزيد الأنانية الجنسية، وإن لم يمنع حقيقة أننا نهتم برضا الطرف الآخر».
فردية في كل الجوانب!
كما يخبرنا التقرير فالفِراش ليس الجانب الوحيد الذي يكشف أننا أكثر فردية، هذا ما أكدته دراسة أُجريت عام 2015، وحللت على نطاق واسع الـ150 عامًا الماضية؛ بحثًا عن إجابة سؤال: لماذا أصبح الأشخاص أكثر فردية، وفقدوا الصلة بأفكار مثل الروابط الأسرية؟
نُشرت الدراسة في مجلة العلوم النفسية بالتنسيق مع «إيجور جروسمان»، أستاذ العلوم النفسية في جامعة واترلو بكندا، وحلّلت الدراس الظواهر التي تسببت في زيادة معدلات الطلاق في مقابل تراجع معدلات الزواج. الطلاق الذي غالبًا ما يكون بعد إنجاب طفلٍ واحد، بينما تزداد أعداد البالغين الذين يعيشون بمفردهم، ويكثر من يكتبون أكثر حول الفردية.
أحد الانعكاسات الرئيسية للنزعة الفردية ينتج من عوامل اقتصادية اجتماعية، مثل انتشار العمل الحر، وبهذه الطريقة خلَص جروسمان إلى أنّ: «الفردية متأصلة في التعليم والصحة؛ كلما كان هذان المعياران أفضل، اتجه المجتمع نحو الفردية».
في هذا الصدد يقول «ورساريو جويلين»، المتخصص في علم النفس: «نحن أكثر فردية لأن واقعنا مختلف جدًا عمَّا كان عليه منذ سنوات، لقد تغيَّرت النماذج الأسرية، والعمل، والمجتمع». جنبًا إلى جنب مع فكرة تأثير الوضع الاقتصادي الاجتماعي من عدمه، يقول روساريو: «يسمح لنا هذا الوضع بأن تكون لنا أحلام وأهداف، وبأن نناضل من أجل تحقيقها». وهكذا أصبح ما ينطبق على العمل ينطبق على الزواج «ما يجب أن نقدمه لأسرنا أو لمؤسساتنا ليس له أي علاقة بما كان عليه بالأمس».
فردانيّة أكثر!.. الإطار الجديد للزواج
يُلاحظ تنامي سيطرة هذه النزعة الفردية بين الزوجين في عدة تفاصيل مثلما يقول جويلين: «في الحياة الزوجية أيضًا نحن أكثر فردية، نحتفظ بلحظات ومساحات للاستمتاع بمفردنا»، وهذا في الواقع علامة على أن العلاقة صحية؛ لأننا نصبح أكثر وعيًا بأنه ليس من الضروري أن نشارك الطرف الآخر كل شيء، وأن الزواج ليس انصهار فردين، وفقًا لجويلين.
وفيما يتعلق بتأثير هذا في المجال الأكثر حميمية، يضيف المتخصص في علم النفس أنّ التفكير الزائد في النفس لا يعني تجاهل الطرف الآخر، في الواقع أن نصبح أكثر فردية يعني أن لدينا شعورًا أعمق بالذات، ونتيجة لذلك لا يرضينا أيّ نقص أو خطأ في الجانب الجنسي».
من جانب آخر يؤكد روساريو أنَّ «إقامة العلاقات الجنسية في وقتٍ مبكر، وسهولة الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي للمواعدة، وتنوُّع العلاقات الجنسية، حوّلنا في النهاية إلى خبراء تقريبًا في هذا المجال». من وجهة نظره فهذا يعني أنَّه «حين تدخل في علاقات أكثر فسيَسهُل معرفة ما تريده فعلًا، ويمكنك هنا البحث عمَّا يحقق لك الرضا»، بمعنى آخر فرغم أنه من المؤكد وجود اتجاه لاستهلاك الأشخاص أكثر من التواصل معهم على شبكات التواصل الاجتماعي، فالمشكلة ليست في الأداة، وإنما فيما نريده نحن من الآخرين.
يشير هذا التغيير في الاتجاهات في رأي عالم النفس، مانويل أنطولين، إلى أنه قد «أصبح هناك أشكال مختلفة للحب، وللعلاقات الجنسية»، وبهذه الطريقة نجد أن العلاقات لدى العزّاب أصبحت عشوائية! لكن هناك أيضًا تنوعًا أكبر في فهم العلاقات الزوجية.
ويؤكد أنطولين أن «التعايش مع أنماط مختلفة من العلاقات، بداية بالزواج التقليدي، وحتى الزواج عن بعد، الذي يعيش فيه الزوجان وكل واحد في بلد لظروف العمل، والعلاقات الحرة التي يتمسَّكُ فيها كل فرد بقواعده وحدوده الخاصة التي يتفقان عليها، بينما تكون العلاقات الأخرى ثانوية، والعلاقات الحرة التي يمكن فيها لأي طرف إقامة أي علاقة يرغب فيها، هذا كله يضع حدًّا لفكرة الامتلاك، وكذلك العلاقات التعددية التي تتعدد فيها الأطراف بحيث يكون هناك طرفان أو أكثر».
كيف نحقق التوازن؟
رغم أن هذه هي الفكرة، فالمؤكَّد أن هذه النزعة الفريدة الجديدة لا تنطوي على توازن أكبر بين الرفاهية الشخصية والعلاقة الزوجية؛ إذ إنّ هناك من يسرف في التطرُّف تجاه العناية بنفسه فقط، وينسى مشاعر الطرف الآخر.
ومثلما أوضح عالم النفس، مانويل أنطولين، أنّ «الفردية تؤثِّر في العلاقة حين تتقدَّم احتياجات الفرد على احتياجات شريكه ورفاهيته، أو على الأقل حين لا يوليها اهتمامًا مساويًا»، هذا الظرف الجديد قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات أقل أخلاقية؛ إذ يصبح الطرف الآخر ببساطة وسيلة لتحقيق احتياجات الفرد، وقد يؤدي هذا إلى الإحباط وخيبة الأمل في العلاقة الجنسية، وكافة النواحي الأخرى. وهذا هو السبب أيضًا -كما يضيف أنطولين- في أننا «نتحمَّل أقل في علاقاتنا الزوجية». وللبحث عن توازن بين أنا ونحن، يشير أنطولين إلى فكرة مثل «أن نضع في الحسبان أن أية علاقة يجب أن تحقق الرفاهية لكل أطرافها»، بمعنى أن تضيف لكلا الطرفين لا أن تنتقص.
وبالمثل، يضيف أنطولين في نهاية التقرير أنه «يجب أن تعرف ما يعجبك، على المستوى الجنسي -أي تعرف جسدك وما يحقق له المتعة، وأن تكتشف أشكالًا جديدة للاستمتاع وفقًا لرغباتك-، وفيما يتعلق بشكل العلاقة: زواج تقليدي- علاقة حرة-… إلخ»، وأن تتمكن من إدارة ذلك كله في علاقة زوجية لا تتخلى فيها عن مساحة كبيرة من رغباتك، وتتفاوض في الوقت نفسه مع الشريك حول ما يجمعكما.
ساسه بوست