ما هي مؤهلات القائد؟ وما أهمية دوره في العملية الحياتية وصناعة التاريخ
ما هي مؤهلات القائد؟ وما أهمية دوره في العملية الحياتية وصناعة التاريخ
الاثنين 23-10-2017
- نشر 7 سنة
- 1197 قراءة
صاحبة الجلالة _ رشا الصالح
جاء كما في كل الرسائل التي صيغت في الكتب السماوية والتي حملت في طياتها نبراس التبشير بالأصح والصحيح دوما ، لنقلها إلى العالمين بإرشادات تقود العصر وأفراده وتتمم موروثهم الأخلاقي منقولة عن رسل كانوا قادة بالسلوك والفعل، حيث ورد عن لسان بولس الرسول في الإنجيل المقدس توجيهاته القدسية وإرشاداته السماوية لمجتمعه لوعظه وتصحيح سلوكياته وتصويبها لتصير مثلا يقتدى به بما فيه خير له ولا بناءه وذلك على مدى الأجيال المتعاقبة، ملخصا وصية قائد وأب سماوي قاد الجموع بمنهجه ورسالته النورانية ككل الرسل قبله وبعده، آخذا بها لغد أكثر إنسانية وتصالحا مع نفسه ومع أفراده :((كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَة)) جاعلا نفسه مثالا يحتذى به لنموذج الأمثولة القائد حينما قال ("نُعْطِيَكُمْ أَنْفُسَنَا قُدْوَةً حَتَّى تَتَمَثَّلُوا بِنَا")
وتقول القاعدة أيضا من السهل جدا أن تنجب أفرادا لكن من الصعب جدا أن تصنع قادة .
نعم انه القائد الذي هو بحد ذاته نموذجا لكل ما تحمله معنى القيادة من معنى فهو الأب والأخ والملهم والمؤثر والمستقطب والمدافع والحاضن والصانع والحامل لمنارة أهدافه وأهداف من يقودهم والمحبوب منهم والمطاع أمره ،والمسموع كلامه بكل قبول وامتنان أينما حل وأينما وضع منهجه وصوب فكره ومشى بمن يقودهم بروحه قبل قدميه إلى حيثما الأفضل لهم دوما .
فوجود القائد في حياة الفرد والجماعة كان ولا يزال ضرورة ملحة حياتية وتاريخية ،حيثما لا يمكن للفرد أن يمتلك طاقة تحفيزية مشجعة داخليا لتحقيق أهدافه وبلوغها الأقصى بلا وجود المرشد والقائد الذي يشرف على خطاه في سيره نحوه مراقبا إياه بكل أمانة فبنجاحه يعني نجاحا للقائد في تحقيق الغاية التي وجود لأجلها ،هذا القائد الذي يكون أثره وأعماله الحكيمة صالحة لكل زمان ومكان مستمدة من عين مستبصرة تقوده بوعي ليقود الآخرين ويرشدهم ليصيروا فيما بعد مشاريع قادة ، فهو حي لا يموت ويبقى رمزا حيا حاضرا بالأذهان والقلوب لا يقتل ولا تنتهي صلاحية أثره حتى لو فني جسده وتآمر على وجوده المنفلتون من طواعية الحق وحكمته ,
القائد الذي يمتلك مؤهلات اصطفائية ومعيارية ويحوز على جينيات فكرية وروحية تختلف عن أبناء عصره والتي مكنته وأهلته ليكون قائدا ونموذجا لما هو نبيل يسوق ولا يساق إلى بقيادة الرحمة والفعل النبيل الممتد لأزمان ولأزمان والتي قد لا تدركه إلا العقول المنفتحة والواعية والتي تمتلك اللبنة الحقيقة للتغير الايجابي التي يشرف على بناءها نفسيا واجتماعيا وفكريا ذاك القائد لمريديه والمحتضنين من قبله تحت لواء قيادته .
القائد قد يكون شخص أو يكون مدرسة او منهج أو سلوك ، حيث عرف التاريخ كثيرا من القادة على كل الصعد فكان القائد الحربي أمثال صلاح الدين الايوبي وخالد بن الوليد ونابليون غيرهم ،وعرف نموذج القائد الزعيم كالمهاتما غاندي وكذلك القائد الرسول في الإسلام كمحمد (ص ) والمسيحية عيسى عليه السلام وفي اليهودية موسى عليه السلام و وبوذا وكريشنا غيرهم من القديسين والمستنيرين .
وكذلك القائد المحارب بفكره على الصعيد الثقافي والأدبي الذي عرفت الحقب التاريخية نماذجا عدة لأسماء أدبية وفكرية قادت تلك الفترات وأثرت في الجمهور إنسانيا وحفزتها للانتقال إلى ضفة الأفضل دوما شعراء كانوا أم روائين أم مفكرين كنزار قباني ومحمد الماغوط نجيب محفوظ طلال حيدر والأخوين الرحباني وغيرهم .
ولذلك فبأي مكان وجد به قائد تجد النجاح هو الحليف ، وتجد روح الجماعة هي الحاضرة وتغيب الأنا التمردية للفرد التي تنصهر في بوتقة واحدة تحت مسمى وشعار وقضية واحدة ، لذلك كان عبر العصور القائد هو المتراس الأول والجبهة الأولى والمحطة الأكثر أهمية للتصدي لكل الصراعات الوجودية القائمة على إثبات الحقيقة والانتصار لها ولأفراد مجتمعه أو الفئة التي يقودها ، فما ما ان يلمع نجم قائد في محيطه حتى يسعى الوصوليون الطفيليون إلى تصويب الرماح إلى صدره وقضيته ليصلب موتا أو يشنق إعداما او يحرق وكتبه وتعاليمه ويشرد تلامذته وتنتهك صفوفه بحجة الزندقة او الكفر او الحيازة عما لا حق له به ،أو خوفا من تمرده على مواطئ الفساد والثورة على أشخاصها ، كون قيادته العادلة المسموعة الصدى تاجج نيران الحقد في صدور الطامعين في حقوق البلاد والعباد لقتله كونه يحرض الأفراد إلى الحق والعدالة ويسوقهم إلى الغد الحر بعيدا عن استعباد المتآمرين والغزاة الداخلين والخارجين .
وخلال مسيرة هذا القائد يعاني الأمرين من الويلات والتحديات فهو الذي راهن على مشواره حاملا روحه على كفه لتحقيق الغاية المرجوة بارتقاء الأفراد والمجتمعات لأوطان وأنفس أكثر سلاما وعدلا بدل السقوط في دائرة الخنوع والاستسلام والاحتكام لمفاعيل الوهم والجهل والتخلف والاحتلال .لينشر الوعي على كافة المجالات أفقيا وعاموديا ناقلا ذبذبات العدوى الايجابية الفكرية لكل مستويات المجتمع نماذجه ومدارسه وصغاراته حتى أعداؤه.
إذا مما تقدم من أهمية دور القائد في العملية الحياتية وصناعة التاريخ بوجه الوضاء لا وجهه المزدرئ فكيف لدولة أو مجتمع ان يمتهن ويصر على توجيه الضربات الصاعقة والمدمرة في كثير من الأحيان له وذلك باقصاءه إلى حدود التهلكة واختيار كل السبل لموته وتفخيخ الحفر لوقوعه بشرك شرها .وكيف لدولة او مجتمع يريد إعمار نفسه بطريقة إنسانية صحيحة تخدم الفرد والدولة والحكومات مالم تنطلق من الاهتمام بالقائد والقدوة والاعتناء بوسائله التي تعزز الجهود لتخدمه بدل أن تدعه يعيش مرارة الحسرة كونه مكبل ممنوع من الانتشار في حمل شعلة رسالته التي تسوق الآخرين من مستنقع الجهل إلى قصور الوعي والبنيان ، وبدل أن تسمح للكلاب والوحوش المستعرة أن تنهش في جسده قبل مماته بأساليبهم المعوجة وسمومهم القاتلة ، ليبقى ذاك القائد يعيش الضيم ضيمين ضيم في حياته لأنه منع عن أداء ما عاهد روحه بها وبلاده والأوطان ، وضيم لأنه قد حرم في الاعتناء بقائد قد ينولد من جديد و يأخذ بيد الإنسان لصناعة الإنسان وزهو الكرامة ولا العيش تحت سطو نير الأنذال والغزاة .