هل كان فرويد.. صانعاً للأوهام؟
ما زال سيغموند فرويد عالم النفس الشهير، يثير الجدل في الأوساط العلمية حتى يومنا هذا، وهذا ما دعا فريدريك كروس، الناقد الأدبي المشهور الى تأليف كتاب بعنوان (فرويد… صانع الأوهام) يتناول سيرة حياة وأعمال هذا العالم الكبير، ويفتتح المؤلف كتابه الجديد بسؤال مهم: “إذا كانت حياة فرويد وآثاره العلمية مفهومة لنا بشكل جيد، فما هو المبرر من تأليف كتاب جديد يتناول سيرته الذاتية ؟” يعتقد المؤلف أنّ اهمية هذا الأمر له علاقة بتراجع سمعة فرويد العلمية في اوساط جيل الشباب في العقود الأخيرة. فقد اعترفت السلطات الطبية وعلى نطاق واسع، بالأخطاء التي وقعت فيها نظرية التحليل النفسي واعتمادها على النماذج البيولوجية التي عفا عليها الزمن. وهي النماذج التي تركها علماء النفس المشهورون في اميركا منذ عقود. ومع ذلك، فإن المؤلف يشير الى أن من الغريب أن فرويدما زال يُعتبر “من بين الحكماء الأكثر تأثيراً في القرن العشرين”، وإن الاهتمام الذي منحه له العلماء والنقاد المعاصرون، جعله يحتل ذات المرتبة التي منحت لشكسبير ويسوع المسيح. وتكمن هنا مفارقة رائعة، أن يكون لصاحب النظرية العلمية في العلاج النفسي نفس الوزن والتأثير الثقافي لأعظم كاتب مسرحي عرفه التاريخ. ومؤلف الكتاب محق في ذلك وهذا الأمر يتطلب المزيد من البحث، ولكن ليست هذه هي غاية الكتاب الجديد عن “فرويد ” فهو يركز على حياة ذلك الرجل – وعلى وجه التحديد كيف أن ذلك العالم الشاب الطموح والموهوب لم يستطع أن يدرك غرابة “افكاره”، وكيف كان يغطي على أخطائه وخلق نوعاً من “عبادة الفرد “. وقد ترجم هذا الموضوع عملياً، في 700 صفحة تضمنها الكتاب، بالإضافة الى صفحات اخرى تتحدث عن تجارب فرويد الفاشلة، وعن الأحباب، والأصدقاء، والمعلمين، والزملاء، والمرضى، وفي نهاية المطاف، تأثيره على المجتمعات البشرية بشكل عام. فنلتقي هنا بفرويد الكذاب، والغشاش، وسفاح المحارم، وعدو المرأة ، والبخيل، سارق اعمال الآخرين المزمن ومنتحل شخصياتهم وحامل جميع الصفات الخبيثة والمجنونة. انه عرض لسجل فرويد الإجرامي. هناك قيمة معينة في التوليفة التي قدمها المؤلف لقائمة كاملة من الأخطاء التي ارتكبها فرويد بين عامي 1884 و 1900، وهي الفترة التي يركز عليها كتابه. ورغم أن جميع هذه المواد قد تمت تغطيتها تقريباً من قبل، ولكنّ لم يتم تجميعها في مجلد واحد – ويقدم المؤلف تفاصيل جديدة لبعض من هذه الاحداث. مع مراجعة مطوّلة لتبني فرويد الضار لفرضية فعالية الكوكايين كمخدر موضعي، وهو الخطأ الذي تضاعف عندما قام بمدح مزاياه لشركات الأدوية. ويروي المؤلف قصة فرويد مع طبيب الأعصاب الفرنسي الشهير جان مارتن تشاركو، الذي كان يعرف باسم “نابليون علم الأعصاب”، والتي كانت نظرياته عن الهستيريا ، على الرغم من أنها كانت تعتمد إلى حد كبير على البحوث المستندة على التنويم المغناطيسي المشكوك فيه علمياً، قد أثرت على فهم فرويد للمرض والذي شكل فيما بعد أساساً لنظرية التحليل النفسي. ويحفل الكتاب بخلاصات واسعة للتشوهات التي أدخلها فرويد على علم النفس في وقت مبكر من عمله في هذا المجال – وخصوصاً في كتابه الأكثر شهرة (التحليل النفسي للهستيريا: حالة دورا».). و عندما يتناول مؤلف الكتاب النظرة الميكانيكية المفرطة للأحداث العقلية بشكل عام والإثارة الجنسية على وجه الخصوص التي تميّز بها فرويد، فإنه يؤكد أن شواغل فرويد منعته من فهم أن “التجربة الجنسية الإيجابية هي ليست عملية ناتجة من إفرازات الأنسجة المهيجة ولغرض التفريغ الجنسي فحسب، ولكنها عمل يقوم به الأشخاص الناضجون الذین یحتاجون إلی الشعور بالاحترام “- وهو الفهم الذي یقول عنه” المؤلف “، ” ان البشرية كانت تعرفه بشكل عفوي “. لكن المؤلف يشير الى انه یمكننا أن نتحدث عن الارتباط بین الاحترام والجنس كنموذج أخلاقي في ثقافات معینة. ولكن الأدلة المتاحة من تلك المجتمعات المكتظة بالسكان والتي تقمع النساء -علناً – تشير إلى أن الكثير من البشر يميلون، قبل كل شيء، إلى فصل الاحترام عن الإشباع الجنسي بشكل عفوي أيضاً. هذه المثالية الانتقائية للبشرية تخفي مشكلة أعمق. ويبالغ المؤلف في انكار الاهمية التي أولاها فرويد لأيّ من الأفكار المرتبطة بالتحليل النفسي والتي احتفظت بمصداقيتها ، وعند قراءة كتابه يصبح من السهل أن نتصور كيف كان فهم الإنسانية للعلاقات الجنسية وعلم النفس متقدماً على هذا النحو بشكل مثير للإعجاب حتى جاء فرويد ودفعنا جميعاً في زنزانة قاحلة من هواجسه القبيحة. يصف الكاتب ستيفان زفايج في سيرته الذاتية الحياة الجنسية في مدينة فينا بمنظار مختلف: “إن الخوف من كل شيء جسدي وطبيعي يسيطر على جميع الناس، من أعلاهم مرتبة إلى الأدنى مصحوباً بالعنف الذي يمثل مرضاً عصابياً فعلياً”. فالنساء الشابات “يخضعن لسيطرة الأسرة، مما يعيق نموهن الجسدي والفكري. و يجبر الشبان على عيش حياة أسرية مقيّدة وتبنّي أخلاق لا يؤمن بها أو يطيعها أحد”. يكشف المؤلف في كتابه هذا، بطلان حجج فرويد العلمية السائدة منذ عقود؛ ويبدو من العدل أن نسأل: ما الذي دعاه لأن يقوم بنبش جثته من جديد. ربما يكون المؤلف قد قدم تلميحاً في بداية هذا الكتاب، عندما يعترف بأنه كان مولعاً أيضاً بالهوس ” بالتحليل النفسي الذي اجتاح البلاد قبل 50 عاماً. و التشويه بالجملة الذي قام به لمؤسس التحليل النفسي هو ما يمكن أن نتوقعه كرد على خيانته، وباقتباس تعبير لفولتير، فلو لم يكن فرويد هذا موجوداً، لكان مؤلف الكتاب قد اخترعه. ويمكن القول إنه فعل ذلك تماماً في هذا الكتاب. نيويورك تايمز