سورية حاضرة دائماً في كل الأزمان وفي كل الأماكن، ومع توالي الحضارات، بقيت الحضارة السورية قِبلة يأتيها ناهلو العلم ومتذوقو الفن، من كل صوب في المعمورة. واليوم سفراؤها يتجولون في العالم حاملين إضافة إلى حبهم الكبير لسوريتنا، إبداعاتهم التي يؤكدون بها الهوية وأصالة الحضارة التي ينتمون إليها، وعلى الرغم من الأزمة و مخططاتها إلا أن النشاطات المحلية والعالمية، كانت ومازالت محركاً أساسياً لنشر ثقافتنا التي سعت المحاولات لتشويهها ومن ثم طمسها، وحتى اليوم مازال متحف الفنانين والحرفيين في مدينة سان لوران بمقاطعة كيبيك الكندية، يحتفي بأعمال ثلاثة عشر فناناً وفنانة من المغتربين السوريين والمقيمين في سورية، من خلال معرض بعنوان «رؤى فنانين من سورية»، الذي ينظمه المركز الثقافي السوري في كندا. ويضم المعرض أعمالا فنية متنوعة بين لوحات زيتية ومنحوتات بخامات وتقنيات متعددة. وشارك في المعرض كل من الفنانين: هالة عبيد، هالة بيطار، عبود حسكور، رباب عبود، رندة حجازي، روك أرتين، يالا شباب، بيجي أسواد، إلسا مارديروسيان، ناهد كوسا، سيما حمود، بشرى مصطفى، وشام شهدا. وتجدر الإشارة إلى أن المركز الثقافي السوري لم تكن غايته ربحية أبدا، والمعرض من بدايته وحتى نهايته مجاني، ومستمر حتى الثامن والعشرين من الشهر القادم.
من البداية
أكد نبيل بيتنجانة مدير المركز الثقافي السوري في مونتريـال كندا، أن المركز الثقافي السوري هيئة أهلية غير ربحية، وكل العاملين فيه هم من المتطوعين الذين يأخذون على عاتقهم المساهمة بالنشر والتعريف بالثقافة السورية، وحول المعرض أضاف: «جاءت مناسبة المعرض للتعريف بأن الفنون البصرية والحرف اليدوية وسيلة عالمية وأداة للتعبير والتكامل والمعنى والأمل. وعلى الرغم من الحدود، احتوى المعرض أعمالاً لفنانين يعيشون في مقاطعة كيبيك وآخرين لا يزالون في سورية، ليتعرف الجمهور الكندي إلى المكنونات الفنية والحرفية للفنانين من أبناء الجالية السورية في المقاطعة، وخاصة أنه يأتي متزامناً مع الذكرى الـ375 لعيد مدينة مونتريال. ومن بداية التحضيرات، كان هناك لجنة فنية بالمركز الثقافي السوري، وهي من اتخذت القرارات بالنسبة إلى الأعمال التي ستشارك، وكان هناك تنسيق مع متحف الأساتذة والحرفيين اليدويين في كيبيك، بخصوص المساحة وعدد القطع التي ستعرض، كما تمّ اختيار إحدى وثلاثين قطعة، تنوعت بين لوحات، أعمال نحاس وزجاج يدوية وغيرها الكثير. هذا المعرض هو الأول وسيكون دوريا بشكل سنوي، وأظن أن الدورة القادمة ستكون مهمة وستحتوي عدداً أكبر من أعمال الفنانين، وخاصة أن هناك الكثير من السوريين في غير مقاطعة كانوا راغبين في المشاركة. والجدير بالذكر أن الافتتاح كان في يوم 14 أيلول بحضور مهم من رؤساء بلديات والمجتمع الأهلي الكندي، والمعرض مستمر لغاية 28 تشرين الأول 2017».
ناهد كوسا
من الفنانين المشاركين في المعرض، فنان اختارته الغربة، لكنه رفع اسم وطنه الأم سورية عالياً، من خلال عمله الدؤوب سواء مع الجالية السورية في كندا أم من خلال أعماله الفنية التي خوّلته لأن يكون أول عربي يدخل موسوعة غينس. إنه الفنان د. ناهد كوسا الذي بعد عقد من الزمن دخل الموسوعة الدولية ثانية وذلك بكتابته نشيد الجمهورية العربية السورية بألوان العلم السوري كأطول نص على حبة الأرز الطبيعية. وحول مشاركته في المعرض تحدث لنا «مشاركتي في المعرض الأخير جاءت مفاجأة لي.. بسبب مشاركاتي العديدة لفعاليات ثقافية من معارض ومحاضرات، لكني عملت كل ما في وسعي لأشارك في معرض الفنانين السوريين هذا، كي نُظهر للعالم أجمع أن وطن الأبجدية الأولى لا يمكن أن يخفت نوره، وأن سورية التي استقبلت على صدرها حضارات، منها نبعت ثقافات- يتغنّى بها العالم أجمع- إلى اليوم، وصدّرت للعالم أباطرة وفلاسفة وباباوات، لا تزال هي «طريق الحرير»، و«طريق المحبة والسلام والإخاء». من خلال هذه المشاركة المتواضعة أحب أن أقول إن كل إنسان رغم إمكاناته البسيطة المتواضعة، يمكنه أن يسهم في نهضة الوطن وأن يضع لبنة- ولو صغيرة- في بناء الصرح الكبير. ومن ثم شاركت في المتحف بأربع مشاركات: الأولى لوحة كبيرة (ثلاثية الأبعاد) على ورق الأرز، والمشاركة الثانية هي (منمنمة): وهي أول رقم عربي عالمي مسجل في كتاب الأرقام القياسية الدولية (١٩٨٨، باريس) وتمثل أصغر لوحة مائية في العالم إلى اليوم، رُسمت تحت المجهر، لها إطار (كادر) ومحمولة على سلم رسم منمنم. أما المشاركة الثالثة فهي (منمنمة) ثانية: وهي أطول نص على حبة أرز في العالم (إلى اليوم) ومنها نسخة في القصر الجمهوري في دمشق عليها النشيد العربي السوري بألوان العلم (١٩٩٩) وفِي متاحف أخرى في العالم. على حين المشاركة الرابعة هي (منمنمة) ثالثة: وهي جزء من أصغر مخطوط للإنجيل بالعالم (إلى اليوم)، كتبت بالآرامية والعربية على ورق سجائر. النسخة الأصلية موجودة في متحف الفاتيكان في روما، وكنت أهديت هذا الإنجيل للبابا خلال زيارته دمشق عام ٢٠٠١.
رندة حجازي
من جانبها تحدثت الفنانة التشكيلية رندة حجازي عن أهمية معارض كهذه وضرورتها في نشر الثقافة السورية المعنية بكل ما هو حضاري وراق، إضافة إلى أهميتها للفنان نفسه، كي ينشر رسالته في أوساط غريبة وبعيدة، قائلة: «عندما تمّ إبلاغنا عن المعرض كان الهدف التعريف بالحضارة السورية، وأن نعطي الغرب صورة جميلة عن السوريين، إضافة إلى أمر جدّ مهم وهو أن المركز الثقافي قدم فرصة للفنانين السوريين الذين أتوا إلى كندا مؤخراً، كي يعرّفوا المجتمع المحلي بأعمالهم الفنية. فكرة المعرض في هذا الوقت مهمة جداً في ظرف الأزمة التي تعيشها سورية، لكونها ستعرّف الغرب بالصورة الحقيقية للسوريين، بحضارتهم وثقافتهم التي عانت خلال الأزمة من التشويه. وحول مشاركتي، لما طُرحت الفكرة علينا قبل المعرض بشهر، طلب المركز الثقافي السوري مجموعة من أعمالنا، كي يتم الاختيار منها ومن ثم إرسالها للمتحف، وبعد شهر تم إعلامنا بالأعمال التي تمت الموافقة عليها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأعمال التي تم رفضها كانت قليلة جداً مقارنة بما تم اختياره من أعمال ضمن ترحيب وإطراء كبيرين. وبالنسبة لأعمالي المشاركة تمت بثلاثة أعمال، أحجامها ضخمة جداً، تتكلم عن الحضارة العربية، حيث شاركت بلوحة عن زنوبيا ملكة تدمر، وبلوحة عن مدينة أوغاريت التي خرجت منها أول أبجدية بالعالم، وكذلك شاركت بلوحة عن نبوخذ نصر الذي بنى الحدائق المعلقة والتي تعتبر واحدة من عجائب الدنيا السبع، وكنت الفنانة الوحيدة التي قدمت شيئاً عن الحضارة السورية والعراقية، وهذا الأمر قصدته في الأعمال المشاركة، لأظهر للغرب أموراً قدمتها الحضارة السورية والحضارات العربية للبشرية، وهذه الأعمال هي جزء من مجموعة مهمة من الأعمال التي تتكلم عن الدول العربية السبع التي استهدفها الإرهاب، وهي في الوقت نفسه كانت مهداً للحضارات البشرية في العالم، وسأقدمها في معرضي مع بداية العام القادم في بيروت. كنت أتمنى لو كان بإمكاني المشاركة بعدد أكبر ولكن على الفنان أن يقدم ثلاثة أعمال فقط، وكنت اخترت سورية والعراق لأنهما أكثر بلدين يتعرضان للإرهاب والدمار والظلم. ما شاهدته من إقبال من الكنديين في حضورهم للمعرض، غمر قلبي بالسعادة، لقد كانوا جداً مسرورين، حتى حديثي عن الأعمال والحضارات طال واستغرق نحو الساعة والنصف، كانوا متشوقين جداً لهذه المعلومات عن تاريخ وحضارة بلدي سورية وحضارة العراق. المعرض يلاقي حضوراً واهتماماً كبيرين، من اليوم الأول وحتى يومنا هذا، والأجمل أن الكثيرين من السوريين المقيمين في سورية، أخبروا كل معارفهم من أجانب وسوريين كي يأتوا إلى المعرض الذي أتاح لي فرصة كي أدخل باسمي وأعمالي إلى بلد جديد بصورة جداً رائعة، لأن الشعب العربي السوري أهل للحضارة والحياة والسلام. وفي النهاية أحب أن أقول إن المعرض وعلى الرغم من كل اختلافاتنا في الفكر والانتماء وفي اللغة والأرض، إلا أن الفن يوحدنا في إنسانيتنا، فرسالة الفن هي نشر رسالة المحبة والسلام التي يجتمع تحت مظلتها كل ناس الكون».
الوطن