الكهرباء.. ومسلسل القطع والوصل
الأحد 17-09-2017
- نشر 7 سنة
- 5648 قراءة
فرحة المواطنين باستقرار واقع الكهرباء نسبياً، وقلة ساعات القطع عما كانت عليه سابقاً، والتي ترافقت مع الكثير من التصريحات الرسمية عن واقع التحسن الجاري على هذا القطاع، ما لبثت أن تلاشت، حيث تراجع هذا التحسن.
وقد توجت صعقة المواطنين بالقطاع الكهربائي من خلال التصريح الأخير لوزير الكهرباء، عبر إحدى وسائل الإعلام في نهاية الأسبوع الفائت، بأنه لا بد من وجود بدائل دعم غير مباشرة لسلعة الكهرباء، بدلاً من الدعم المباشر.
مقدمات رسمية
تصريح الوزير تم فهمه من المواطنين على أنه مقدمة لرفع مجدد لأسعار الكهرباء، حيث قال: «وضعت الحكومة في خطة عملها استمرار تقديم الدعم اللازم للقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، إضافة إلى إبقاء الدعم المطبق على تعرفة الاستهلاك المنزلي، علماً بأن الدعم المباشر لسلعة الكهرباء يؤدي إلى حدوث عجز مالي كبير تتحمله الدولة، ولاسيما في ظل عدم التمكن من استرداد تكاليف توليد ونقل وتوزيع الكهرباء الذي يشكل الوقود منها نسبة (85 – 90)%، وأن التخلص من عبء الدعم الكثيف والمباشر لسلعة الكهرباء سيؤدي بالضرورة إلى الحفاظ على موارد الدولة، مع الإشارة إلى أنه لا بد من وجود بدائل دعم غير مباشرة عوضاً من الدعم المباشر لسلعة الكهرباء».
على الرغم من محاولة نفي رفع السعر من قبل الوزير، وحديثه عن استمرار الدعم، إلا أن الحديث عن بدائل الدعم، بين المباشر وغير المباشر، وربطه بالحديث عن العجز المالي الذي تتحمله الدولة، يفتح بوابات الشيطان بالنسبة للمواطنين، الذين باتوا أكثر دراية على مستوى تغيير المصطلحات والمترادفات، والتلاعب بها، والتي تنعكس سلباً على حياتهم وخدماتهم ومعيشتهم بالنتيجة.
أين المشكلة إذاً؟
على الطرف المقابل، فقد صرح الوزير بأن: «المنظومة الكهربائية بكل مكوناتها في حالة جاهزية تامة، وعلى المستويات كلها من محطات توليد وخطوط نقل وتوزيع، ونبين أن التنسيق مستمر مع وزارة النفط والثروة المعدنية لتأمين حاجة محطات التوليد من الوقود، وخاصة مع دخول آبار جديدة إلى الخدمة ما يساهم في زيادة كميات الغاز الواردة إلى محطات التوليد وبالتالي زيادة كمية الطاقة الكهربائية المنتجة».
والحال كذلك، فإنه لم يعد هناك أعذار على مستوى الاستمرار بساعات التقنين، أو بالحد الأدنى عدم زيادتها، أو التوزيع العادل لها، الأمر الذي ينفيه واقع الحال، حيث ما لبثت ساعات التقنين أن عادت لما كانت عليه تقريباً، كما ما زالت هناك تفاوتات بعدالة التوزيع، بين مدينة وأخرى، وبين حي وآخر في كل مدينة، مع سؤال كبير على ألسنة المواطنين حول أسباب ذلك؟!.
خشية مبررة
خشية المواطنين الحقيقية تتمثل من أن تتفاقم مشكلة التزود بالتيار الكهربائي مجدداً مع بداية فصل الشتاء، كما جرت عليه العادة، لتعاود مشكلة تأمين البدائل تطفو على السطح، طبعاً مع عدم إغفال مصلحة البعض من ذلك، من مستغلين وفاسدين وتجار السوق السوداء، وخاصة على مادتي الغاز والمازوت والحطب، بالإضافة لتجار ومهربي وسائل التدفئة والإنارة، ومصادر الطاقة الأخرى، من بطاريات ولدات وشواحن، ناهيك عن بائعي الأمبيرات ومستغليها، ومن خلف كل هؤلاء من شبكات لم تعد تعمل في الظل، بل بكل علنية وعلى مرأى ومسمع الجميع.
قطاع سيادي
مما لا شك فيه أن قطاع الطاقة الكهربائية بحاجة لإعادة التأهيل وللكثير من عمليات التطوير، وخاصة على مستوى الاستفادة من مصادر الطاقة البديلة لإنتاج الطاقة الكهربائية، محطات ريح، ومحطات كهروضوئية، وغيرها، بما يلبي الحاجات المتنامية من الطاقة، وخاصة خلال السنوات القادمة، إلا أن ذلك لا يعني فتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص الاستثماري على مستوى إنتاج وتوزيع الكهرباء، تحت بند «التشاركية» سيئ الصيت والسمعة.
ويبقى أن نطرح سؤالاً عن المشاريع التي تم التصريح بها تحت بند التشاركية، استثماراً، مع القطاع الخاص على مستوى إنتاج وتوزيع الكهرباء، من مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة، والتي أصبح بعضها قيد التنفيذ، وبعضها الآخر قيد التعاقد والإعلان، والتي تتناقض مع التصريح عن أن المنظومة الكهربائية بكل مكوناتها في حالة جاهزية تامة وعلى المستويات كلها من محطات توليد وخطوط نقل وتوزيع، كما تتناقض مع الإمكانات الذاتية لوزارة الكهرباء وشركاتها، بالتعاون مع بقية جهات قطاع الدولة، على مستوى الإنتاج والتوزيع، والتي عملت طيلة سنوات الحرب والأزمة بطاقتها كلها، على الرغم من الكثير من الثغرات والعيوب والملاحظات، التي كانت بوابات للفساد، كما أصبحت ذريعة ومبرراً لتشريع الاستثمار الخاص بهذا القطاع.
إن قطاع الطاقة من المفترض أنه من القطاعات السيادية للدولة، ولا يجب التفريط به تحت أي مسمى، وتحت أية ذريعة، ويجب العمل على تذليل الصعوبات التي تعتريه، اعتباراً من التمويل، وليس انتهاءً بالكادرات العاملة فيه وحقوقها، من أجل أن يقوم بما عليه من واجبات، وهو قادر على ذلك بعيداً عن القطاع الخاص، وملوثاته واستغلاله.
قاسيون