مغامرات بينوكيو.. حكاية الدمية بكل اللغات
كم هي الطفولة جميلة، جميلة بالمبسم، جميلة بالمحيّا، جميلة بالفكر البريء العابث، جميلة باللّهو الفوضوي الذي يغلب عليه دائماً جموح كبير لمسابقة الحياة والنهل منها أكثر مما يمكن، متهادين بصدى أصواتهم وضحكاتهم وأفكارهم وأحاسيسهم، والتي إذا جرّبنا للحظات أن ندركها أو نفهمها سيكون صعباً، ولكنّ الأمر الأصعب أننا نقول في قرارة أنفسنا وباستخفاف كبير.. هم أطفال. اليوم من الأمور المعنيّة بالطفولة قصص الأطفال وأدبهم، وبالطبع هي من أكثر ما هو معقد ومن أكثر ما يواجه الكتّاب من العقبات، فليس سهلاً أن يدخل المرء إلى عقل الطفل أو أن يصّور مشاعره وأحاسيسه، أو أن يصل لذهنية الطفل التي يعتبرها الخبراء والمختصون سهلة وممتنعة في آن معا، ولهذه الأسباب حاول الكثير من الكتّاب أن يكتب لكنه لم ينجح وعاد مباشرة للوراء، ولكن من بين المؤلفين المؤلف كارلو كولّودي الذي استطاع أن يخترق عالم الطفولة ببساطة ممزوجة بحنكة وذكاء كبيرين بتجارب ناجحة ولكن مع رواية «مغامرات بينوكيو» لم يحسب حساباً بأنها ستوصله إلى العالمية. وجدير بالذكر أنها صدرت عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتّاب وهي من ترجمة نبيل رضا المهايني.
بعض من سيرة
المؤلف كارلو كولّودي(1826-1890)كان صحفياً وكاتب قصص للأطفال عُرف في أرجاء العالم بروايته الشهيرة الممتعة «مغامرات بينوكيو»، وطفولته الخاصة لم تكن سهلة أو مريحة، لأن والده عمل طباخاً، وأمه خادمة في بيت أحد النبلاء، وحتى دراسته الكهنوتية والفلسفية تمت مساعدته لإكمالها لكنه لم يتابعها لأنه عمل في مكتبة، وهنا بدأ العامل الأهم لاستحواذه من الكتب والقصص والروايات، وبعدها عمل محرراً وبدأ بالكتابة في مجلة فلورنسا، وبعد عدة محاولات روائية ناجحة أصدر الكاتب أول رواية للأطفال وجاءت بعنوان «حكايا الساحرات»، ثم المسلسل الروائي «رحلة جانيتّينو عبر إيطاليا». في عام 1880 بدأ بنشر مغامرات»بينوكيو»على حلقات في «جريدة الأطفال » وهي أول صحيفة إيطالية متخصصة للأطفال، وفيما بعد صدر الكتاب في مجلد واحد لتصبح شخصية»بينوكيو»شخصية عالمية محببة للكبار وللصغار على حد سواء، وعندما توفي الكاتب لم يكن يعرف مقدار الشهرة التي سينالها بسبب شخصية الدمية»بينوكيو»و ما تجدر الإشارة إليه أن هذا الكتاب تمت ترجمته إلى نحو 240 لغة من لغات العالم.
بينوكيو الدمية
اشتُقّ اسم «بينوكيو» من كلمة «Pino» التي تعني بالإيطالية «صنوبر» أو شجرة الصنوبر، ومن خشب هذه الشجرة بالذات تمت صناعة الدمية، وبينوكيو.. دمية أرادت أن تكون إنساناً متكاملاً من لحم وعظم، صالح ومستقيم، وطبعا في أحداث الرواية ومجرياتها، تمرّ رحلة التحول للدمية في مراحل شاقة وصعبة وخطرة، تشبه رحلة الحياة التي يمرّ بها أي صبي أو طفل ومعها ينقلب من ولد شقيّ إلى ولد عاقل وراشد وسعيد، وبعدها يتنامى في الكبر كي يصبح في النهاية رجلاً عاقلاً فعالاً في المجتمع.
واستطاع المؤلف بأسلوب روائي شيّق ومطواع أن يُحيي لنا قصصاً على طريق ذلك التحول، ويترك للقارئ الصغير والكبير أن يستمدّ بنفسه العبرة والموعظة، وبالطبع من أهم ما اشتهر به «بينوكيو» و ما يميّزه في جميع القصص والروايات هو أنفه الذي يطول كلّما كذب، ويعود أنفاً طبيعياً عندما يقول الحقيقة، وحاله كحال الجميع فهو سرعان ما يتمرد على صانعه ويحاول إغاظته والخروج عن طاعته، ويزداد الأمر سوءا عندما يتعرّض بطل الرواية الدمية الخشبية لفتنة رفاق السوء فينجرّ وراء المغامرات التي يوقعونه فيها.
في الرواية ومن ضمن أحداثها وبين الحين والآخر تدخل شخصيات إيجابية وسلبية تسيّر حياة البطل، فهناك صرصار الليل الناطق أو الضمير، وهناك الساحرة ذات الشعر الأزرق، والأخت في البداية وفي المقابل هناك الثعلب الماكر ورفاق السوء وغيرهم.
و قد رأى بعض النقاد في شخصية «بينوكيو» محاكاة لبعض أبطال الأدب العالمي مثل جلجامش وأوليس فهو مثلهم يسقط أولا في الجحيم كي يُبعث من جديد بعد تحوله.
الأثر حتى اليوم
كان الكاتب كولّودي يريد تربية الأولاد الإيطاليين على قيم الجمهورية الموحدة الناشئة مثل الدراسة والعمل واستقامة السلوك والتضحية، وحتى اليوم ومن خلال متابعة مواقع الإنترنت والصور والمواقع والمنتجات الفنية بمختلف أنواعها وصورها، كلّها تتحدث عن شخصية «بينوكيو» كما إن هناك أفلاماً سينمائية وروايات ومسرحيات وأغاني وألعاباً استوحيت جميعها من هذه الشخصية، كما أنشئت مؤسسات وجمعيات تتابع الأثر الفني والأدبي والسياحي أيضاً المتعلق بالدمية الخشبية وبالمؤلف كولّودي.
المترجم نبيل رضا المهايني
رواية مغامرات بينوكيو أو حكاية الدمية كما ذُكر سلفاً قد تمت ترجمتها إلى نحو 240 لغة من لغات العالم، ويعتبر المترجم نبيل رضا المهايني أن هذا الكتاب محاولة جديدة تضاف بالعربية إلى ذلك التراث العالمي، ويعتبر جهده مضاعفاً لأنه سعى بجدّ كبير حتى حصل على أكبر كمّ ممكن من الصور التي أبدعها رسامون من مختلف أنحاء العالم، وصوروا فيها محطات عديدة من مغامرات هذه الدمية منذ كانت حطبة صنوبر مهجورة وحتى تحولت إلى إنسان من لحم وعظم ذي فكر ثاقب وقلب نابض، كما أكد الكاتب قائلاً جمعت هذه الصور من عدة مواقع لأقدم المزيد عن التصورات التي حاكها فنانون عالميون حول حياة هذه الشخصية الفريدة. إن تصفّح هذا الكتاب المصّور يكفي وحده لإظهار عمق المحبة وإخلاص الالتزام وصدق الإبداع الذي انهمك بها فنانون من أنحاء العالم ليصوروا أدق تفاصيل الرواية، وأعتقد أن تلك الصفات من محبة وإخلاص والتزام تظهر واضحة في هذا الكمّ القليل، كما هو واضح اختلاف الأذواق والرؤى وأساليب التعبير».
الوطن