إنْ لم تكن مثلي
منذ أربعين ونيّف، حاولت كثيراً أن أكون مختلفاً شكلاً ومضموناً، فقمت بتكوين نفسي طبقاً للمواصفات القياسية العصامية.. مع الالتزام الكامل بحقوق المسير والأعراف..!.
المهم بعد كل هذا التفكيك وذاك التركيب الذي طال حياتي، قررتُ أن أبحث عن الإبرة المفقودة في كومة القش لغاية في نفس يعقوب، ومازال البحث جارياً والأمل بالترقيع قائم.
وهنا، تذكرت قول الشاعر:
ضئيلة الجسم لها فعل متين السبب حافرها في رأسها وعينها في الذنب..!
وقررت أيضاً أنْ أبقي على صوري المنقولة وغير المنقولة، وأن أصبح (لا انطباعياً) في تصرفاتي مع زملاء المهنة المبدعين في تقطيع الآذان..!
تعرضتُ لشدّ الأذن في المدرسة مئات المرات عقاباً..
وأصعبها (شدّة) في الجهة اليمنى، ونكاية بها.. أصبحتُ يسارياً عنيداً بكل الحركات.
في مقاربة مجنونة، تقول الرواية إنّ خشية الملك كانت كبيرة، كيف يكون ولي العهد بلا أذن، وهو الذي انتظر أعواماً حتى أنجبته الملكة..؟!
عرضَ الموضوع على مستشاريه، فاقترح أحدهم أن تقوم المملكة بقطع آذان كل المواليد الجدد، وبذلك يتشابهون مع سمو الوليد.
لم يتوانَ الملك عن اتخاذ القرار القاطع.. مرّت الأيام.. وتعاقبت الأجيال.. وظل القرار سارياً.. حتى غدا كل على حدته بأذن واحدة.
في زيارة استكشافية قام بها شاب بحواسه الكاملة إلى المملكة، استفهم واستغرب الحال، وهم استغربوه أيضاً، فصار الشاب الضيف الآتي من مملكة بني “سمعان غشاء الطبل” محطّ سخرية الناس، وصارت أذناه أضحوكة وشتيمة، وتحت وابل الألقاب “المخرّشة” التي كانت تنهال عليه، ضاق ذرعاً بهم ، فقرر أن يقطع أذنه ليصير واحداً منهم ومثلهم..!
الجواب الذي سمعته من ظلي الواقف قدّامي، ألهب طنين أذني وجعلني أتلمّسها خوفاً، إذ سألته: هل أدلّك على ثلاثة أمور، إنْ فعلتها نلت رضا الشعاع..؟
قال ظلي: لا..
قلتُ: أوك..!
نعم، لقد كان الرد قاسياً..حتى انهار الجدار وسقطتُ مغشياً عليه..!
وكل طينٍ وعجينٍ وأنتم بألفِ سمعٍ…!