"طبائع" لتيوفراست كتيّب ذهبي سيجد تأثيره أيضاً في المستقبل
صدر عن دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر كتيّب بعنوان «طبائع» ترجمة د. عبدو زغبور بواقع اثنتين وسبعين صفحة، احتوت مقدمة والعديد من الطبائع البشرية التي سنأتي على ذكر بعض منها على سبيل الذكر وليس الحصر، ولكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن للمترجم د. زغبور العديد من الإصدارات منها في الشعر:مطر القلب، صخب الكلمات، الظل والظهيرة. وبالنسبة للترجمة عن الألمانية ومما صدر له منها:طبائع، أغاني الغجر، أمثال من اليابان. وعن اللغة الإسبانية: طوارق، عيون الطوارق، من أجل ألف مليون دولار، أوراق النهر، ذكريات غولان روباني، الشاة السوداء وحكايات أخرى، واللقاء الأخير.
في النشأة
ولد مؤلف كتاب «الطبائع» تيوفراست أو تيوفراستوس لأب يعمل في مجال اللبّاد عام 371 قبل الميلاد في بلدة إريسوس في جزيرة ليسبوس، ولأنه ولد في منزل ثري تم إرساله إلى أثينا كي يدخل الأكاديمية هناك، والتي كانت حينها لا تزال تحت إدارة مؤسسها أفلاطون، ومنها سرعان ما انضم تيوفراست بعد وصوله إلى أثينا إلى تلميذ أفلاطون العظيم أرسطو وارتبط معه بصداقة لم تنقطع خلال اثني عشر عاماً. حين أصبح أرسطو معلماً للفتى الإسكندر في قصر ملك مقدونيا عام 345 قبل الميلاد، لحق به تيوفراست إلى هناك، ثم عاد أرسطو عام 335 قبل الميلاد مع صديقه إلى أثينا، وأسس هناك مدرسته الخاصة التي دُشنت باسم «الإله أبولو ليكايون» وكان أدارها أرسطو طوال اثنتي عشرة سنة، وحين توفي استلم تيوفراست المدرسة بعده على مدى سنين حتى وفاته.
في العلم والأعمال
كان تيوفراست يقوم بأعمال متعددة: كمنظم، معلم، باحث وكاتب، جمع حوله كشخصية علم محبوب وبارز أكثر من ألفي تلميذ، منهم من أصبح فيما بعد علماء وفنانين ورجالات دولة. شملت أعماله المنطق والميتافيزيق، في العلوم الطبيعية:فيزياء، علم الفلك، علم الأحوال الجوية، مسائل الماء والصخور. وفي العلوم الاجتماعية: مسائل علم النفس، الأخلاق، السياسة والاقتصاد، الأحكام القانونية والبلاغة، الفن والأدب، الدين والعبادة. وكان وصلنا الكثير من أعماله منها «علم النبات» و«حول أسباب النبات»، وأيضاً كتابه «حول حسّ الإدراك» الذي برهن مقدرته على الإتقان في معالجة قضايا البحث، وأخيراً وصلنا منه كتاب «طبائع».
في الطبائع
في هذا العمل ورغم حجمه الصغير إلا أنه أبقى على حيوية اسم كاتبه عبر قرون وخصوصاً أنه أول من أدخل هذا المصطلح «طبائع» على اللغات الأوروبية بمعناه الحالي، فمؤلفه تيوفراست أثبت إبداعه وتفوقه قبل كل شيء في فحوى هذا العمل الصغير، فالثلاثون حالة التي رسمها بمثل هذا التنوع وهذه الحيوية لشخوص إنسانية ليست جديدة بالضرورة، كما أن توصيف سلوك مثل هذه العيوب والفضائل عند أناس محددين يكاد يبدو وكأنه بحث أولي (مسودة)، إضافة إلى الشكل الخارجي فهو بسيط ويتكرر في كل الفصول وفي الوقت نفسه يبدو رزيناً وموضوعياً، إذ إنه حتى اليوم يسأل المرء نفسه عما أراده الكاتب من هذا الكتيّب، ومهما يكن فإن قارئ «طبائع» يكاد يخرج بجاذبية ممتعة ستبعث فيه على الابتسامة، كما أنه لن يستطيع تمالك نفسه عن ضحكة من القلب في هذا المكان أو ذاك، وسيتعرف إلى أناس من زمن يعود إلى ما قبل الميلاد وفي هذا المقطع أو ذاك.. على نفسه.
إنّ تأثير كتابـ«طبائع» في العصر القديم كان قوياً جداً، ومما لا جدال فيه هو أهمية الترابط بين نتاج تيوفراست وتلامذته الكبار الذين استفادوا منه في ميدان علم النفس من خلال العرض العميق للطبائع الإنسانية، وكذلك في مجال الكوميديا عبر بلوتوس وتيرينز حتى الوقت الحاضر. كما استفاد في الاتجاهات الفلسفية ستوا ونظرية أبيقور في مساعيهما لتفسير وحلّ قضايا الفرد من شعبية العرض الذي قام به تيوفراست. إن إضفاء الصبغة الأخلاقية على هذه الاتجاهات التي برزت في الأعمال الساخرة الرومانية وخاصة عند لوسيليوس وهوراس، وبعض أعمال سينيكا ازدادت قوة في العصور القديمة اللاحقة والتي قادت إلى كتابة مقدمة وخاتمة تعليميتين لبعض مقاطع «طبائع».
لاقى هذا الكتاب اهتماماً كبيراً في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر وخاصة في دول غرب ووسط أوروبا، أما تأثيره الأدبي فلم يتأخر، فقد تطور وصف طبائع الشخصية في إنكلترا إلى نوع أدبي مستقل على يد أهم الكتّاب.
لم يلق كتابـ«طبائع» في القرن التاسع عشر والقرن العشرين صدى يسمح بمقارنته بالصدى الذي لاقاه في العصور السابقة. بيد أن هذا العمل الصغير يبقى جزءاً ثميناً من التراث الثقافي القديم، والمقولة التي حكم بها كاسوبونوس على كتاب تيوفراست كـ«كتيّب ذهبي» ستجد تأثيرها في المستقبل.
في عديم الضمير
لا يميل لرفض أي عمل مشين، صارخ ممتاز، فنان في الطبخ ولعب النرد، أمه لا تسانده، يجد نفسه كلص يضبط متلبساً بالجرم المشهود ويقضي فترة طويلة في السجن وكأنه في بيته.
في البخيل
البخل هو نقيصة في الكرامة فيما يتعلق بصرف الأموال، فإذا ما اشترى بعض المواد الغذائية فإنه يحمل بنفسه اللحم والخضر في قطعة من ثوبه إلى البيت، وإذا سلّم المعطف للغسيل فإنه يمكث في البيت، لا يشتري لزوجته التي أحضرت معها جهاز عرس وفير أَمةً لخدمتها إنما يستأجر لها، في حال خروجها، فتاة من بيت النساء لمرافقتها.
في المرتاب
الإنسان المرتاب بعد أن يستلقي في السرير يسأل زوجته فيما إذا أغلقت الخزانة وأقفلت صندوق أواني الشرب وفيما إذا أوصدت مزلاج بوابة الفناء وإذا أجابت بنعم فإنه ينهض مع ذلك عارياً من مضجعه، يأخذ بيده المصباح ويطوف حافياً على جميع الأماكن متفقداً إياها. يطلب من العبد الذي يرافقه أن يمشي ليس وراءه بل أمامه يريده أن يظل تحت ناظريه لكي لا يهرب أثناء الطريق.
الوطن