هزوان الوز يكتب عن تعليم الحب والتسامح
الطفولة.. العالَمُ الألقُ، الصفاء، النقاء، الطهر.. العالَم الذي يشبه أوّل الخلْق، حيثُ الإنسان روحٌ مبدعةٌ للمعنى، مشغولة بالبحث عن كلّ شيء حولها، وفيّاضة بالوعي أنّ الوجود ليس محض مفردات مادية، جبالاً أو أودية أو أنهاراً أو سماء وأرضاً، أو سوى ذلك،
بل إدراك بأنّ الحياة فردوس أرضيّ لا بدّ من أن يكون جمالاً موصولاً بجمال، وخلْقاً دفّاقاً من خلْق، وسحراً يمضي إلى سحر.
الطفولة.. الأصل في المعنى، بل الأصل في معنى المعنى.. في كلّ ما يستعيد الإنسان إلى الإنسان، وما يطلقه من أسر هذا العالم المحتشد بالخطايا والآثام إلى عالَم ملؤه العذوبة والفطرة والرهافة في كلّ شيء.. في معنى الآخر الذي يشاركه هذا العالَم، وفي علاقته به، وفي مغامرة البحث عن الذات من خلال الفنّ بمختلف أشكاله، وتعدّدِ غاياته.
عالم الأطفال مترف بالخيال والإبداع، ومكتنز بالوضوح والجرأة في التعبير عما يدور في داخله من حب وحزن وفرح، لا يستطيع الطفل أن يصمت أمام مشكلة تقهره من الداخل أو أمام فرح ينتظره، لا يستطيع أن يكتم سراً في داخله بعكس الكبار، واللوحة التي يبدعها الطفل ليست لوناً وخطاً وشكلاً، إنما هي قصة تحكي عن عالم يحبه أو شكوى أو شكر لمن يحبهم أو رسالة للكبار عما يريد. هذه اللوحات التي يقوم الأطفال برسمها هي عوالم من الفلسفة الإنسانية والجرأة في التعبير من دون خوف أو تردد، حتى عندما يستخدمون اللون لا يخافون منه، يضعون الألوان بطريقة عفوية ولا يعطون أهمية لقوانين اللون، وهذا ما يعتقده الفنانون الكبار حرية التعبير واللون من دون خوف، الكبار عندما يرسمون همهم هو رأي الآخر، أما الصغار فهمهم أن يعبروا عما يدور في داخلهم، لا كذب عند الأطفال، هي حال من الخيال والتفكير المبدع في توصيل رسالة إلى عالمهم النظيف الخالي من شوائب الخوف من الآخر، ورسومات الأطفال تعطي أهمية للمكان والزمان المعاش فيهما.
من خلال مسابقتنا ومعرضنا الذي تم بالتعاون مع صالة ألف نون للفنون طرحنا موضوع التسامح والحب في الحياة ضمن هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن ولا سيما للأطفال الذين يحملون وزر الكبار وأخطاءهم دائماً، حتى نتعرف ما يجول في داخلهم من حزن وفرح وإبداع وطريقة تفكير بالمستقبل، فوجدنا أن الرسم هو الطريقة الأمثل والأفضل لدخول عوالم الطفل البريئة، وأن أطفال سورية جميعاً همهم الحب والسلام والتسامح والخير، وهم يتألمون لما أصاب الوطن، ويودون مداواة جراحه وإعادة بنائه بطريقتهم، لذلك أُوجه رسالة إلى أهالي الأطفال ومعلميهم: اتركوا لهم الحرية في التعبير، اتركوا مساحة للخيال... مساحة للحب... مساحة للتسامح في تكوين شخصيتهم، وخاصة في علاقتهم مع أصدقائهم في الصف... في الحي... في الحديقة...
أجرينا مسابقة لرسوم الأطفال رغم قناعتنا أن كل أعمال الأطفال مهمة ورائعة ولها معنى، ولا يوجد طفل أفضل من طفل، لكن هدف المسابقة إقناع أطفالنا أو تدريبهم على قبول نجاح الآخر أو تفوقه، وتربيته على أن يفرح لفوز زملائه.
ونأمل أن تعزز المسابقة نقاط القوة في شخصية الطفل وتنمي لديه مناعة داخلية ضد كره الآخر، وليس الهدف من هذه المسابقة اكتشاف فنانين، هدفنا أن نقنع الجميع أن الفن هو آلية تفكير وتطوير في المجتمع، ونأمل منهم أن يحبوه ولا سيما رسوم الأطفال لأنها أصوات بريئة وصادقة في حب الحياة، وعلينا أن نقدرها ونتعامل معها بمسؤولية وجديّة، رسوم الأطفال كلها لها قصة... لها هدف...
وفي هذه المسابقة حاولنا أن نربط فن الرسم مع عبارات يكتبها الطفل حتى نجمع الأدب والفن مع بعضهما لأهميتهما القصوى في تكوين الشخصية الحقيقة للإنسان المحب للحياة.
رسوم الأطفال هي لغة عالمية تتواصل من دون مترجم أو وسيط، إنها نوافذ مفتوحة على العالم بأجمعه من دون تعقيد أو خوف، أتمنى أن يأتي يوم وأشاهد رسوم أطفالنا معروضة في منازلهم، تزين الجدران... تزين الذاكرة، وبقدر ما نحترم فنون أطفالنا وخاصة رسومهم بقدر ما نحترم مستقبلهم، وندافع عن شخصيتهم وتكوينها الوطني والإنساني.
تحية إلى أطفالنا المبدعين الذين يثرون حياتنا بالجمال..
تحية إلى أسرهم التي وفّرت لهم ظروفاً مناسبة ليكونوا مبدعين.
تحية إلى زملائنا من التربويين المؤمنين بأنّ التربية ليست كتباً مدرسية، وصفوفاً مغلقة، وتعليماً، بل بناء للإنسان، الإنسان الذي سيكون هؤلاء الأطفال بشارته الأولى.