هل الفدرالية في سورية واقعية..؟
صاحبة الجلالة: متابعة
في دراسة له عن الفيدرالية السورية، ناقش مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد" التحديات والفرص التي تواجه الفيدرالية السورية.
وتُعنى الدراسة بمعالجة موضوعٍ قالت عنه إنه الحساسية على الساحة السورية، إذ يتعلق بمستقبل سورية وأبنائها لعقود قادمة، حيث أشارت الدراسة إلى المشاريع التي بدأت تطفو على سطح الأزمة السورية المعقّدة، مشاريع يراد بها تغيير وجه سورية وخارطتها الإقليمية، ذلك بتحويلها إلى شكل الدولة الاتحادية، أو ما يصطلح على تسميته بـــ "الدولة الفيدرالية" بعد أن ظلّت لعقود أعقبت استقلالها تتخذ شكل الدولة الموحدة البسيطة.
واعتبرت الدراسة أنه لمن المفارقات أن أنصار هذا المشروع باشروا فعلاً بتطبيقه على جزء من الإقليم السوري بالاستفادة من إشكاليات المسألة الكردية المعروفة على مستوى المنطقة برمتها، وما يرافقها من محاولات أمريكية وغربية لتوظيفها في سبيل تحقيق تصوراتها حول إعادة رسم خرائط دول المنطقة وعلى رأسها سورية.
فيما حاولت الدراسة توخياً منها للمحافظة على الطابع العلميّ والموضوعيّ فيها، حاولت تبيان أنَّ الفيدرالية في سورية ليست مصطلحاً طارئاً على الحياة السياسية في البلاد، وأنها كانت الشكل الأول الذي أُريد للدولة السورية الظهور فيه! وما يُراد اليوم هو إعادة إنتاجها في الميدان السوري بالاستفادة من ظرف الحرب على الساحة السورية، وما أثارته من اهتزازات عميقة في البنيان الوطني عامةً، وخاصة فيما يتعلّق بالسوريين الكُرد، وصولاً بعد ذلك لتقييم تطبيق الفيدرالية في سورية في أُفق فُرص نجاحها كشكل آمن للدولة السورية في المستقبل، واستشراف النتائج التي يمكن أن تنجم عنها، ومن ثم استخلاص العِبَر والتوصيات بهذا الخصوص.
وتتألف الدراسة من مقدمة وثلاثة محاور هي، أولاً: المدلول الدستوري للفيدرالية وجذورها في سورية المعاصرة، وثانياً : فكرة الكيان الكردي في سورية وموقعه في مشروع الفيدرالية المطروحة، وثالثاً: تقييم تطبيق الفيدرالية في سورية واستشراف نتائجها على الواقع السوري، وأخيراً خاتمة وتوصيات.
وتحاول الدراسة الإضاءة على المدلول الدستوري للفيدرالية باعتبارها آلية دستورية تقوم على مبدأ توزيع السلطات بين أكثر من مستوى للحكم، ومقاربة دوافع اعتماد بعض الدول للنظام الفيدرالي، وتتقصى تاريخ الفيدرالية في سورية المعاصرة وتبين كيفية تطبيق فيدرالية الأمر الواقع في عهد الانتداب الفرنسي.
وتتناول الدراسة مسألة الكيان الكردي في سورية وموقعه في مشروع الفيدرالية المطروحة، وتعود إلى جذور المسألة الكردية تاريخياً، وتحاول رصد مواقف التيارات السياسية الكردية من الفيدرالية.
وتسعى الدراسة إلى تقييم مبررات تطبيق الفيدرالية في سورية، وفهم طبيعة وخلفيات حجج المنادين بها كحل للأزمة السورية، وتحدد مستويين لمقاربتها، الأول يستمد حججه من القانون الدولي ومبدأ حق تقرير المصير، و الثاني فيعتمد على منطلقات وطنية داخلية تتصل بواجب الدول في تمكين شعوبها من تحديد نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
تؤكد الدراسة على أنه لا يمكن لأي جزء من الشعب السوري يعيش على جزء من الإقليم السوري أن يختار من جانب واحد تحديد نظام الحكم في البلاد برمتها، بل لا بد أن يكون لهذا التحول تأييد من غالبية مواطني الإقليم السوري على امتداد مساحته، ذلك أنه من المستقر على صعيد القانونين الدولي والدستوري على حد سواء أن الإقرار بحقوق الأقليات بممارسة حق تقرير المصير يجب أن يكون وفقاً للضوابط الدستورية الوطنية.
وتأخذ الدراسة على محاولات طرح الفيدرالية في سورية ارتباطها الصريح والجلي بالمصالح والتدخلات الخارجية التي باتت البلاد مسرحاً لها، بسبب ما تشهده من صراع ساخن على مدى السنوات السابقة، بغرض ضمان الحصول على الدعم المادي والسياسي والعسكري لها، الأمر الذي يعد خرقاً لواحد من أهم مبادئ القانون الدولي العام المندرجة تحت عنوان احترام سيادة الدول والحفاظ على سلامتها الإقليمية، والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمبدأ حصانة السيادة الوطنية للدول.
وتخلص الدراسة إلى أن الشكل الفيدرالي للدولة لا يبدو نمطاً آمناً لسورية موحدة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً قادرة على العودة للنهوض كدولة بعد سنوات الحرب، وما رافقها من دمار واسع يكاد يغطي مساحة البلاد بالكامل، وطرح الفيدرالية اليوم يشابه إلى حد بعيد إن لم يطابق "فيدرالية الأمر الواقع" التي حاول الفرنسيون فرضها على سورية إبان مدّة الانتداب.