اختبار الشتاء؟!
كلما اقتربت أيام الشتوية التي ينبأ الطقس بأنها ستكون قاسية، يضع السوريون أيديهم على قلوبهم ويضربون أخماسهم في أسداسهم بلا نتيجة مرضية، فالجيوب الفارغة غير قادرة على تأمين مستلزمات التدفئة بعد دخولها في بازار الغلاء، ما أخرجها من حسابات أغلبية العائلات محدودة الدخل والمتوسطة إن وجد من يحمل هذه السمة الآن، بعد اختفائها بالتدريج خلال سنوات الحرب، محدثاً ذلك خللاً واضحاً في المجتمع الذي كانت الطبقة الوسطى تشكل عاموده الأساسي.
رفع الحكومة سعر المازوت مؤخراً، كان بمثابة ضربة قاضية لهذه الأسر، التي بالكاد تملك كفاف يومها، فكيف بإمكانها تأمين هذه المادة بأسعار السوق السوداء، عند تكرار سيناريو التأخير و التلكؤ في توزيع “المدعوم” كما حصل في سنوات سابقة، لنكتشف بعد فترة عن سرقات بمليارات الليرات من حصص المواطنين من المازوت المدعوم، الذي يباع في “السوداء” اليوم بأكثر من 15 ألف ليرة لليتر الواحد، بالتالي الراتب “الدسم” لا يكفي لشراء بضعة ليترات بالكاد تصمد لعدة أيام وتحديداً عند وجود أطفال في البيت لا تقوى أجسادهم الغضة على تحمل البرد القارس، الذي سيجبر عائلات كثيرة للاعتماد على الحطب رغم غلائه أيضاً لكنه يبقى أرحم من شراء المازوت، ولا سيما أن الأسر في الريف تعتمد على التحطيب بقصد التدفئة، وهذا لا شك قد يحدث ضرراً بالغطاء النباتي والإحراج، لكن ماذا يمكنها فعله لتدفئة البيوت الباردة، وهنا لا بد من القول إن من يبحث عن التدفئة وليس التجارة لا يقطع الأشجار، وإنما قد يقطع غصن من هذه الشجرة أو تلك لكن الكارثة تكمن في تجارة التحطيب، التي يعتمد عليها بعض الأشخاص لتحقيق مكاسب كبيرة، لذا يعمدون من دون الاكتراث بالعواقب إلى قطع الأشجار الحراجية من جذورها، بالتالي يجب مكافحة هذا الفعل الجسيم ومحاسبة من يرتكبه وليس المواطن الباحث عن الدفء الذي قد يمضي ساعات طويلة في البراري لتأمين كمية محدودة من الحطب في ظل قلة الخيارات.
والسؤال المطروح هنا ماذا أعد صناع القرار من تدابير وإجراءات تضمن حصول المواطن على شتاء أقل برداً ولن نقول دافئاً، فنحن نعرف أن ذلك غير ممكن في ظل التخبط الإداري في معالجة هذا الملف، لكن بالمطلق لا يفترض الركون إلى سياسة “دبر رأسك” المتبعة منذ سنوات، حيث يتوجب اتخاذ خطوات مدروسة بدقة تضمن وصول مازوت التدفئة بالسعر المدعوم إلى كل بيت قبل انتهاء فصل الشتاء وإن كانت تكلفته مرهقة للعائلات.
ظفر العائلات السورية بشتوية مقبولة الدفء، يتطلب إعداد قاعدة بيانات واضحة لكل الأسر وتوزيع المازوت المدعوم بالكميات المحددة من دون خلل وتأخير، والعمل على تحسين التغذية الكهربائية، التي يفترض أن يكون واقعها أفضل بعد دخول محطات ومجموعات كهربائية إلى الخدمة، وبالتالي تقليل ساعات التقنين وليس زيادتها أضعافاً بحجة الضغط على الشبكة، التي من غير المقبول أن تنهار لمجرد تشغيل “دفاية” بقصد نيل دفء لحظي وتوفير بعض من قطرات المازوت، فلا شك نحن مع ترشيد الكهرباء ومنع هدرها لكن من حق المواطن الحصول على الدفء وهذا أبسط حقوقه.
وبالمقابل يفترض مراقبة سوق المازوت والحطب ومنتجات التدفئة الأخرى ومنع تجارها من بيعها بأسعار خيالية في استغلال واضح لحاجة المواطنين المحكومين بخيارات محدودة في ظل الإمكانات المادية القليلة، فهل ينجح مسؤولو الحكومة في اجتياز اختبار الشتاء بنجاح عبر تدارك أخطاء الأعوام السابقة على نحو يرضى المواطن الصابر عند تمكينه من تدفئة بيته وإبعاد البرد وأمراضه عن عائلته، أم إن سوء التخطيط وعدم استقاء الدروس من تجارب الماضي ستحضر كالعادة من دون محاسبة ولا هم يحزنون ليدفع المواطن الضريبة في ماله وصحته كالعادة؟!.
غلوبال