كتب الصحفية لينا ديوب :ما قام به الصغار ليس تخريباً وإنما ثغاء
أيها الكبار، يامن تلومون صغاركم ويافعيكم، على رمي الدفاتر والكتب بعد نهاية الامتحان، أخبركم أنني رأيت من على سريري، في المشفى. زوجة تريد أن ترمي عمرها من نافذة غرفتنا في الطابق الرابع في مشفى البيروني. كما رأيت أباً يرمي طرقات قطعها من أقصى غرب دمشق إلى أقصى شرقها لينقل ابنته لغسل كليتها في مشفى آخر في ذلك الغرب الذي قدم منه. في سلة المهملات عند باب الغرفة نفسها.
الآن أسألكم: لو تريثتم قبل كتابة منشوراتكم، عن توقعاتكم عن هذه الأجيال، ماذا كنتم ستلقون من أوهام وأوجاع وكذب. أو من فقر، فقر في كل شيء وخاصة بالمال، ليس المال كثروة، وإنما كاحتياجات يومية لهؤلاء الصغار واليافعين.
أمسكت هاتفي مستغلةً فرصة أن المصل يتسرب إلى جسدي من وريدي الأيسر، لأرى على صفحتي سيلا من منشورات الكبار. عن ظاهرة “خطيرة” تنبئ بخراب جيلٍ كامل وهو رمي الكتب والدفاتر بعد نهاية الامتحان.
يذكرني الفيس بوك هذا، الذي تنشرون عليه لومكم، أنني كتبت عن اختفاء سندويشة الزيت والزعتر من الفطور الصباحي للصغار. كما اختفى معها الحذاء الجديد والمحفظة الجديدة والمدفأة من غرفتَي الصف والبيت.
ثمة مدرستَين قرب بيتي، لا يفصل بينهما أكثر من ثلاثمئة متر مسافة جغرافية، لكن يفصل بينهما أميال من الفوارق الطبقية والنفسية والعاطفية. الأولى يهدر روادها من البنزين كل صباح وفي كل أزمات الانقطاع ما يكفي الثانية زيت وزعتر لسنوات، وربما مدفأة لموسم دراسي أو نصف موسم. أو لتقل في المنخفضات القارسة البرودة، كيف تستوعب هذه العقول الصغيرة ما تحياه في هذه الثلاثمئة متر؟؟ ومن الطرفين أيضا من يهدر ومن هو محروم؟.
تغيرت المناهج الدراسية نحو الأفضل في السنوات الأخيرة، دخل العمل الجماعي والمشاريع المشتركة، وقبلها اتفاقية حقوق الطفل، والمواطنة. لكن خرج من حياتهم ما بقي من حياة، عندما يعجز أب عن شراء مستلزمات المشروع لطفله أو طفلته ويشتري آخرون لطفله وطفلته ما يغطي حاجة صف كامل من المشاريع. حينها كيف يفهم الجميع العمل الجماعي والمشاريع والمواطنة والحقوق؟.
إن كان تمزيق الكتب والدفاتر، طريقة مرفوضة وغير صحيحة للتعبير عن مشاعر أبنائنا. وهي لا شك غير صحيحة ولا ندافع عنها، لكننا نسأل كيف نعيدها إلى مكانها الطبيعي؟ هل ترون ما قاموا به تخريب. وفقدتم الأمل منهم كأجيال؟ السؤال ماذا عن دوركم؟ أليس البناء وصناعة الأمل؟ وقبلها ماذا قدمنا لهم خاصة في هذه السنوات الأخيرة غير الصمت والصبر؟. لا الصمت يمنع تمزيق الكتب، ولا الصبر إلا مفتاح ضعيف وهش لفرج الطلاب وأهاليهم.
ناديت الزوج الذي أرادت زوجته رمي حياتها من نافذة غرفتنا، والتي اصطحبها لنقل الدم، بعد نقص الصفيحات والخضاب الذي يصيب مرضى الأورام بعد الجرعات. لأوصيه بملاطفتها ومراعاتها، قبل أن أنهي كلامي إليه: رد على هاتف ابنته قائلا: (آخ ابنتي، انشالله تكون أمك بصحة أفضل. والله ما بعرف كيف بدي رجعها ما معي أجرة تكسي).
ما قام به الصغار ليس تخريباً، وإنما ثغاء، كالخراف الصغيرة التي تعبر عن احتياجاتها، لنسمع ثغاء صغارنا. ولنواجههم حتى ولو بإجابة سريعة عفوية: آخ يا ابنتي، أو آخ يابني، هذا الألم المزمن، الذي أنساني ألم وريدي الأيسر المتورم. جعل الممرضة تتركني لأكمل ما أكتبه منتبهةً إلى اغتنام فرصة حرية وريدي الأيمن.
سناك