"نافلة صافي أسعد" سنديانة الساحل ب111 عام و400 حفيد
صاحبة الجلالة_ فاديا بركات
لم تستطع سنواتها المائة والأحد عشر أن تحني ظهرها على الرغم من معاصرتها للاحتلال العثماني والمستعمر الفرنسي، والعمل الشاق الذي كانت تضطلع به وحيدة وسط الكثير من المسؤوليات وضغوط الحياة وضيوف زوجها الدائمين.
تقول المعمرة "نافله أسعد": تزوجت عام 1919، كان عمري ثلاث عشرة سنة، عشت مع زوجي المختار "محمد غصنة" في منزل ترابي مقسم إلى ست غرف، وكان مسؤولاً عن أربع قرى هي القلمون والمعلقة وكفرز وبقيلون التي أنشأها بنفسه، وكلها تابعة لمدينة "القرداحة"، كان الناس يأخذون بمشورته في الأمور كافة، ولديه مساحات واسعة من الأراضي التي عمل بها أبناء تلك القرى جميعهم، وكان يوزع لهم حصصهم بالعدل في مواسم الحصاد مقابل عملهم في زراعة القمح والشعير والحمص والعدس، كما كان منزلنا محطة للقريب والغريب ونستقبل القادمين من حماه وحمص وجسر الشغور ومناطق أخرى، وكانوا ينادونني ب"المختارة"، و كنت أخبز على التنور وأطعمهم الخبز، والطعام الذي اشتهرت به القرية كالزبدة والبيض البلدي والبرغل.
وتضيف: رُزقت بأحد عشر ابناً وابنة لم يبقَ منهم إلا خمسة صبيان وثلاث بنات، وفقدت ثلاثة منهم على التوالي بعد ولادتهم بأشهر، وأحفادي هم سبعين حفيداً وحفيدة، لقد علمت أبنائي أن يحبوا جيرانهم ويعاملوا الناس معاملة حسنة مغلفة بالرحمة والحنان ويكونوا يداً واحدة، الجميع كبر وتزوج حتى باتوا قبيلة تضم 400 شخص.
عاشت المعمرة "نافله اسعد" أحداث القرن العشرين، وما تزال تشهدها فتعرض ذاكرتها تلك الأحداث كشريط لوّنت صوره بالأبيض والأسود، فتقول: أذكر من طفولتي الاحتلال العثماني وظلمه للناس، والحياة القاسية التي كنا نعانيها، والدرك الفرنسي حين كانوا يأتون على الخيل ليأخذوا الضرائب من أهالي المنطقة، وأذكر أغنية كنا نرددها عن الفرنسيين وثورة الشيخ صالح العلي ضدهم حيث تقول (يا فرنسا خبزك مالح .. والدولة للشيخ صالح ..الشيخ صالح هدا وردا .. وحطها ببحر المالح).
وأذكر الشيشكلي والقوتلي وحرب تشرين التحريرية والقائد حافظ الأسد وأحداث كثيرة مرت على هذا البلد، وأشاهد التلفاز وفرحت حين شاهدت الرئيس بشار الأسد يزور جرحى الجيش العربي السوري، كما أتابع الأخبار وما يحدث كل يوم فهذه الحرب ظالمة، وأبنائي وأحفادي أغلبهم في الجيش العربي السوري أتابعهم وأدعو الله أن يحميهم ويرعاهم وأن يحمي بلدنا.
المعمرة صاحبة المئة وإحدى عشرة سنة تتحدث عن طعامها وكيفية قضاء وقتها بالقول: أستيقظ الساعة الخامسة صباحاً وأجهز القهوة وأشربها وأعد طعام الفطور والغداء بمفردي وأشرب الزوفا وأذهب إلى القرداحة التي تبعد خمسة كيلومترات عن قريتي "بقيلون" لشراء حاجاتي من السوق وكلما ذهبت إليها أشتري اللحمة والفاكهة والدواء والعسل الذي أتناوله بشكل يومي، وأزور أبنائي وجيراني وأنام حين تنطفئ الكهرباء.
يقول ابنها "راتب غصنة" مختار القرية: هي الأم الحنونة التي تعبت وتحملت الشقاء، عُرفت بالكرم وإكرام الضيف ومحبة الآخرين ويعدها أهل القرية من أصحاب الأيادي البيضاء التي تركت بصمة إيجابية في حياتهم وهي تتمتع بصحة جيدة ونشاط منقطع النظير.