ملايين الأسر السورية تقاطع السحور..!!
إذا كانت ملايين الأسر السورية لم تعد قادرة على تحضير مائدة الإفطار كما كانت تفعل في الأعوام الماضية، فإننا نجزم أنها قاطعت وجبات السحور!
ما من ربة منزل إلا وقالت بحسرة، عبر مختلف وسائط الاتصال الإعلامي والاجتماعي، أنها تمارس تقنيناً قاسياً في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية عند تحضير مائدة الإفطار، ويكون التقنين غالباً أقرب إلى التقتير، ولعلّ الكثير من الأسر تتحرّج من القول إنها ألغت وجبات السحور.
وإذا كانت أحوال الأسر السورية في المحافظات التي كانت تُحسد لرخص أسعار موادها، كحمص وطرطوس واللاذقية وحماة، تعاني حالياً من ضائقة مادية بفعل الأسعار الفاحشة، فماذا يمكن أن يُقال عن دمشق التي تشهد أسواقها ارتفاعات أسعار ساعة بعد ساعة على مرأى ومسمع الأجهزة الرقابية المركزية؟
لقد سمعنا بعض ربات البيوت يقلن: إن وجبة السحور لعائلة واحدة تكلّف نصف راتب الموظف، ما يدفعها إما إلى الاقتصار على مادة واحدة أو مقاطعتها والاكتفاء بما قلّ على مائدة الإفطار.
السؤال: هل واقع الحال هذه الأيام وصل إلى مستوى أن كلفة وجبة السحور تعادل فعلاً نصف راتب الموظف؟.
حسناً، لنحسبها، يُفترض أن تتكون مائدة السحور لعائلة من ستة أشخاص من لبنة (الكيلو بـ 30 ألفاً) وجبنة (لا يقلّ الكيلو مهما كان نوعه عن 35 ألفاً) وبيض (الواحدة بـ 800 ليرة) وشاي (الغرام وليس الكيلو بـ 70 ليرة)، وإذا اكتفت الأسرة بهذه المواد فقط دون الحليب والمسبّحة، والتمور والمربيات والزبدة والمرتديلا والطون.. والفواكه، فإن كلفتها تعادل تقريباً الحدّ الأدنى الشهري للأجور.
نعم، ملايين الأسر السورية لم تعد قادرة على إعداد وجبة إفطار غنية ودسمة كما كانت تفعلها في الزمن الجميل، والتي لا تقلّ تكلفتها حالياً عن 100ألف ليرة، وبالتالي من المتوقع أن تقاطع قسراً وجبات السحور، أو (تقضيها) من أجل الأبناء على صحن لبنة متواضع مع الشاي، كي يمدّهم بقليل من الطاقة أثناء الصيام.
فيما مضى، كانت الأسرة تشتري مكونات مائدة رمضان بما يكفيها لأكثر من أسبوع على الأقل، أما اليوم فبالكاد تستطيع بدخلها المحدود جداً أن تشتري الحدّ الأدنى من المواد لمائدة إفطار شحيحة يوماً بيوم.
أكثر من ذلك، آلاف العائلات لا تستطيع تحضير مائدة إفطار واحدة دون مساعدات أهل الخير والجمعيات الأهلية التي تتوسّع أعمالها ونشاطها في شهر رمضان.
صحيح أن نسبة كبيرة من السوريين يعيشون على الحوالات، ويحرّكون الأسواق، ويعطون انطباعاً بأن أحوال الناس بخير، لكن النسبة الأكبر هي بلا معيل خارجي، وتعتمد على دخلها المحدود فقط، وعلى مساعدات الغير التي باتت شبه منتظمة أو دائمة، وهذا ما يفسّر عدم وقوع آلاف الأسر في الفقر المدقع!!.
لقد وجدت العائلات السورية نفسها أمام واقع غير مسبوق، بل لم تنتظر أن تصل إليه مهما اشتدت الظروف قساوة، وها هي تضطر رغماً عنها لتغيير عاداتها الغذائية في رمضان، فتغيب عن موائدها اليومية الأكلات الشهيرة الغنية باللحوم كالشاكرية والكبسة والمحاشي والكبة، والحلويات، والتمور، والعصائر، بل وصل الواقع التراجيدي إلى حدّ لم نعرف الإجابة فيه عن السؤال المحرج: ماذا بقي من مواد أساسية على موائد إفطار ملايين الأسر السورية؟
والسؤال المأساة: من كان يتوقع أن يغيب السحور عن منازل ملايين السوريين؟
علي عبود ـ البعث