يا سندي ....أم. يا واسطتي
صاحبة الجلالة _ رشا الصالح
كثيرة هي العبارات التي نرددها ونتحادث بها يوميا ، ولعل أجملها وأغلاها علي عبارة توارثتها من أجدادي المرحومين ، والتي أصبحت أيضا محلا للتداول من قبل الكثيرين غيري و هي( يا سندي أنتَ أو أنتِ ).
فكنت كلما استمعت إليها، اشتعلت عواطفي بها ،وحلق خيالي عاليا معها .
لذلك فقد أودعتها منذ ذاك الوقت في خزائن القلب ، أدخلتها حنايا الروح و تلا فيف العقل وبواطنه،والعقل الذي لم يكن يدرك المعاني الكبيرة التي تحملها تلك الكلمات،والمسؤوليات الملقاة على عاتقها ،إلى أن بدأ ينضج إدراكي قليلا قليلا ، وذلك عندما وُضعتُ أنا وإياها على محك الواقع ، الذي عمل على كشف خباياها، وأجاب هو بدوره عن خفاياها عن كل من :
المساند ؟ ومن هي ومن تكون؟ وما حاجة من ينادوننا بها ويستغيثون ؟ كيف تكون وأين تتموضع ؟ ومن هم أهاليها الحقيقيون ؟
لعل أول ما يتبادر إلى ذهني و كنت ألجأ إليه ،هو المصدر اللغوي والجناس الأدبي الذي اشتقت منه كلمة المساند والتي منها جاء السند ،والذي يعرف باللغة :هو المعتمد لأنه يُستند إليه ويُعتمد عليه.
ومن هنا بدأت !!
نسمع كثيرا فلانٌ من الناس ابن فلان ، مسنودٌ أي مدعوم . فإياك وحقوقه ، أما أنت لا ساند ولا داعم لك إلا أنت فمن يحمي ظلك ويقيك ؟
((إيه يا حسرة عن اللي ماله سند ))
فكم من أحلامٍ يانعة ، كانت قد تفتحت براعمها ، فلم تلق مسنداً تعود إليه فيحييها لتكبر و تثمر في عهده ، فذبلت وجفت من عطشها وبؤسها ، وكم من كبير احتاج مساندة صغير ؟ فلم يجده !!
لمَ ؟ وما المانع ((فالوردة حتى على الشوكة بتتكي)) فنراها بعد ذلك تتحول عطرا ورونقا جميلا وغواية ؟
خلق الله السند ، ومعه خلق الظهور، فهل هي التي تحتاج أن تسند ؟
الظهور التي قوستها أثقال الحياة وهمومها ، الظهور التي شبعت طعنات واغتيالات من سكاكين الزمن وخناجر أبنائه ، فهي أكثر الأماكن تواطؤاً مع الألم ، مع الانكسار حتى مع الوجع ،فهي هشةٌ طرية ،لأنها خلفية التكوين ، لا ترى ولا تطال نفسها لتحميها، فكيف لها أن تدافع عن الآخرين ؟؟
فلذلك من الصعب جدا أن تكون مساندا ،فالظهور تلتجئ دوماً إلى الجدران لتحتمي بها ، إلى “الحيطان” المهددة أيضاً بالانهيارات ،وخاصة تلك التي لا أساسات ولا دعائم صحيحة لها .
فتجدها تتحطم فوق رؤؤس المستجيرين بها وظهورهم ،وتتكسر معها كل آمالٍ وأمانٍ لها بالنهوض من الهموم التي هربت من حملها ،والقيام من تحت ذاك الركام الخائف حتى من نفسه .
فمسكينة تلك الشعوب التي علقت بخيانات الظهور و الجدران ، فأمضت عمرها خلف أسوار اللجوء والموت تنتظر من يسند ويدعم قضيتها ،ويشفيها من السموم من المصالح والنزاعات التي لم تترك منها إلا بقايا من دماء وأشلاء وبطون جائعة، تبحث عن سند حقيقي تقتات به، لتحيا بمعزل عن جدران مشبعة بظلال من ظهور خائفة وخائنة مشبعة بالفساد واظلام العباد ، مقامة فوق الصدور لتفصل الحي عن الحي و الحياة عن الحياة .
وأيضا من الطبيعة وتجربتها التي تأقلمت معها بعض الحيوانات فجعلت ظهورها متاحة لأن تسرج وتسند غيرها واتكلت هي على سواعدها وصدورها لتعين نفسها .
ومن هنا إن السند لا يكون أبدا من الخلف !! فمن يساندك هو من يبقى إلى جانبك يلتصق كتفه بكتفك يدعم سيرك ويرافقك بكل عثراتك، وتخبطاتك وحتى أفراحك ، من مدَّ لك كفه ليصافح كفك ويغمرها فأصبحت يده بيتا مريحا ودارا واسعة لمصاعبك ومشقاتك .
وذلك لأن الحقيقيين سواء كانوا رجالا أم نساء ،هم مواطنُ آمنة نلوذ بها ، نحتمي بصدورهم التي لا تحتوي سوى القلوب القادرة على الاحتضان ، على الرعاية والحماية من ظمأ الحرمان .
وإذا ما أسقطت كلمة السند والمسنود واقعيا على نظام عملنا المؤسساتي في سورية ستجد أن من سنده ( واسطات ) و محسوبيات واعتبارات وصولية تراه يأخذ حيز النجومية في استلام المناصب الإدراية على الرغم من عدم كفاءته بكثير من الأحيان ,ويقصى حد النفي وخارج التعريف ذاك الذي سنده ما يحوزه من إمكانيات علمية أو فكرية، مشرعة هذه الطريقة في الإسناد أبواب الفساد على مصراعيها ليصير المواطن لقمتها السائغة ويدفع ثمنها كل من قرر الصلاح سنده ، وفي الآونة الأخيرة سمعنا عن قانون الإصلاح الإدراي الذي إن طبق بحذافيره فهل سيبقى في ظل رياح تغيره السند والمسنود ؟ وهل سيأتي التطهير الذي حلمنا به كثيرا ليعصف بميراث الكراسي وصيرورة إسنادها لتخدم التوجه المجتمعي لا جيوب ورغبات ( المسنودين )؟؟؟
ومن هنا ومني أنا بدوري لم ولن أستند يوما على ظهور الابتهالات التي لا مكان لي فيها ،ولم ولن أتكئ على أظافر الغوايات لتحك لي مصيري وتدعمني ، بل على كل القلوب و الأرواح الصادقة التي أنجذب إليها وتنجذب إلي ، فلذلك سأبقى أردد كلمة( يا سندي ) لكل روح أخذت منها ،واستجبت إليها وتعلمت منها ، فأصبحت منبعي ومرجعي للعطاء والإسناد