نضال الأشقر تصرح: سينتصر الرئيس الأسد مع الجيش على الحقد العالمي
عندما يعرف المرء ما يريد يختصر على نفسه عناء رحلة طويلة من التردد وإقناع النفس بما لا تريد ولا تشتهي.
وما أجمل أن تقترن إرادتنا بفنون الحياة فكراً وأسلوباً وطريقة وروحاً.. نعبر عنها بالموسيقا والشعر، نتكلم بعقل الثقافة ونتعامل معها بروح الإنسانية وروح التحدي، تحدي أنفسنا وذاتنا بأننا مبدعون في اختيار ما تريد وما تشتهي.
عندما نتكلم عن لغة الإبداع في فنون الحياة لابد أن يحضر أمامنا اسم من رسم لنا الإبداع بأشكاله وألوانه كلها على خشبة المسرح، تلفزيونياً وسينمائياً. من لحن القصيدة بصوت دافئ وحنون لأهم الشعراء إنها نضال أسد الأشقر. نضال الفنانة، نضال الشاعرة، نضال الممثلة، الكاتبة والمخرجة، نضال التي لا تتعب ولا تمل في بناء جسور الثقافة وإيصالها للعالم كله بل إن العقبات ملت من تراكمها في طريقها من دون أي جدوى ولأن نضال مبتكرة للأفكار الفنية ولأن المسرح هو روح الإنسان والمكان أسست مسرح المدينة في مدينة بيروت وساهمت في إحياء المسرح واستنهاضه مجدداً بعدما تراجع بسبب الحروب والأزمات.
لقد كان لنا الحظ الوافر بلقاء القامة الإبداعية الوارفة نضال الأشقر أثناء زيارتها إلى محافظة طرطوس بداية الأسبوع الحالي لإحياء ذكرى إعدام أنطون سعادة.. حيث خصّت «الوطن» بحوار صحفي أجريناه معها.
ما الهدف من زيارتك الحالية لسورية وما نشاطاتك ضمن هذه الزيارة؟
نحن القوميين الاجتماعيين لدينا مناسبة تاريخية، حزينة مفجعة هي إعدام أنطون سعادة في لبنان بتاريخ 8 تموز وبهذه المناسبة اتصل بي القائمون على منفذية صافيتا لأقرأ شعراً في طرطوس وهذا الأمر أسعدني لأنني أحب سورية جداً وأي دعوة توجه لي من سورية ألبيها مباشرة. وسأقرأ الشعر في مرمريتا أيضاً وسيكون هناك حفل في أوبرا دمشق وسنقدم عرضاً «مش من زمان» قدمته في بيروت ولاقى استحساناً من الجمهور أخبر فيه قصتي وأنا صغيرة مع موسيقيين ومغنين.. «منغني القصة ومنخبرها».
مأساة كبيرة
ماذا تقولين في ذكرى استشهاد أنطون سعادة؟
أعتقد أن استشهاد أنطون سعادة غيّر مجرى التاريخ بالمعنى الحقيقي.
لو لم يقتل أنطون سعادة، لو لم يعدم أنطون سعادة لاشك كان انتصار الحياة العلمانية، لاشك كان حكم لبنان مختلفاً، لاشك أن علاقته بمحيطه كانت مختلفة وخاصة مع سورية، لاشك أن عقلية الناس، ومناقبيتها كانت مختلفة، مؤمنة كل الإيمان أن إعدام أنطون سعادة أرجعنا مئة سنة للوراء كل الذي نادى فيه أنطون سعادة من وحدة، من لاطائفية، من فصل الدين عن الدولة، من المناقبية، من تصوره الاقتصادي والسياسي كل هذا كان قد جعل من بلادنا بلاداً متطورة بدل أن تكون بلاداً متأخرة وأصابنا كل الذي أصابنا.
لدي إيمان، أشعر بالأمر عاطفيا لو أن أحدنا قرأ أنطون سعادة ويجب على الناس جميعاً أن يقرؤوا أنطون سعادة لكي يروا أن هذا الرجل فعلاً سابق عصره بمئة سنة، هذا الرجل من الثلاثينيات لفت النظر إلى الحركة الصهيونية-لم يكن الأمر وارداً يومها- وإلى اهتمام الصهيونيين بالفلسطينيين. ولفت الانتباه إلى فلسطين خاصة. لاشك أن إعدام أنطون سعادة شكل مأساة كبيرة جداً وهي من أولى مآسي بلادنا بعد مأساة فلسطين وقد كانتا مع بعضهما 1948-1949.
متى كانت آخر زيارة لك إلى سورية قبل هذه الزيارة؟
منذ سنتين أتيت إلى دمشق في زيارة خاصة زرت فيها أصحابي، كان يجب أن أزور سورية التي أحب أكثر. ودائما أحب أن أزور سورية لكن انشغالي بالمسرح هو السبب. مسرح المدينة هو شغلي الشاغل وكل الوقت مشغولة بالاهتمام به حتى تبقى حياتنا الروحية والثقافية بمستوى الإنسان. سابقاً كنت أزور سورية كل أسبوعين وسأعود لزيارتها كل شهر.
ما مشاريعك الجديدة؟
بدأنا ندعو فرقاً سورية لتأتي إلى لبنان. لبنان الذي كان ولازال حتى اللحظة يسكن داخل السوريين مهم جداً بالنسبة لنا أن نرى هؤلاء الفنانين ما زالوا مهتمين ولم يوقفوا نشاطهم الفني أبدا، أتذكر أن أغلبهم كانوا يرسلون لي تدريباتهم عبر الواتس أب من حلب ومن دمشق صراحة كنت أعجب!
وسط ضجيج الحرب وزخمها الموجع لم يتوقفوا بقي إيمانهم بالاستمرار ولهذا أعتقد أن إيمان شعب سورية بسورية هو الذي سينقذها أيضاً.
سورية الشامخة
كيف تنظرين إلى ما يجري في سورية منذ سبع سنوات وحتى الآن؟
الذي حصل في سورية فاجعة كبيرة وأن يتوحد العالم كله لكسر سورية أمر مؤلم وأنا أعني العالم كله بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى المجازي البلدان العربية على رأسهم والبلدان الأوروبية والأميركية، بذلوا كل جهدهم ليوجهوا لسورية الاتهامات . لكن الشعب السوري برهن والجيش السوري برهن وكل الداعمين لسورية من الشعب السوري والداعمين عسكرياً أن الإيمان بسورية هو الذي سينقذها وهو الآن ينقذها .
الناس دائماً كانوا يراهنون بين بعضهم أن سورية لن تصمد أكثر من ثلاثة أشهر، أكثر من ستة أشهر لكن سورية بقيت واقفة بكل شموخ رغم كل ما حصل ورغم كل الخسارات الإنسانية وكل الخسارات في المدن بقيت سورية واقفة بشعبها وبجيشها وبداعميها وهذا الأمر لا نستطيع إلا أن نفتخر به.
ما المخرج مما تتعرض له سورية برأيك؟
بدأ الناس والأمم والعالم كله يتواصل مع سورية، بدأ يتأكد أن حل هذه الأزمة هو بيد السوريين فقط.
أعتقد أن البداية الجديدة لسورية قد أتت، هذا إحساس، هذا شعور وليس تحليلاً وأنا في طريقي إلى سورية كنت أقول إن السوريين سيعمرون سورية بأقل من سنتين، فإضافة إلى دعم الدولة في الكهرباء والماء والطرقات أهلها من سيعمرها في جميع محافظاتها. أهل سورية هم الذين سيعمرونها عندما يحب السوريون بلدهم كل هذا الحب، عندما يكونون مستعدين للتضحية من أجلها كل هذه التضحية حتماً سينقذون سورية.
عشرة أيام للمسرح السوري
أين أصبح مسرح المدينة؟
مسرح المدينة منارة حية فعلاً ومنيرة لمدينة بيروت، من المؤكد أننا كنا نستقطب العالم العربي كله أكثر قبل خمس السنوات الماضية كما كان لدينا اتصالات كثيرة وخاصة مع سورية ومع مصر وتونس والعالم العربي كله ومع أوروبا.
صحيح أن علاقتنا مع العالم العربي كانت خفيفة هذه السنوات ولكن نحاول أن نعيدها لنحيي العلاقات الثقافية لأن الثقافة جسر دائم بين الشعوب، جسر حي هو روح هذه الأمم يقدم على المسرح سواء أكان موسيقا أم مسرحاً أو غناء أو رقصاً، نجرب الآن أن نخصص أسبوعاً أو عشرة أيام للمسرح السوري، مهم جداً جداً بالنسبة لي أن السوريين تجاوبوا معنا مباشرة ومن المهم جداً أن يأتوا إلى بيروت ويقدموا أعمالهم.
بدأنا بإجراء اتصالاتنا مع الدولة السورية بهذا الخصوص، ووزير الثقافة والمسؤول عن المسارح تجاوبا معنا بشدة. رغم انشغالاتهما العديدة ..سأكون سعيدة جداً إذا كان لدينا ثلاث مسرحيات على الأقل السنة القادمة غناء وموسيقا من سورية بمسرح المدينة، هذه السنوات انقطعنا عن العالم العربي لسوء الحظ لكن أنعشنا المسرح اللبناني وخاصة مسرح الشباب، السنة الماضية عندما احتفلنا بأول عشرين سنة لمسرح المدينة كان هناك 22 عرضاً في 12يوماً برهنت هذه الاحتفالية كم الشباب مبدع في لبنان.
الاحتفال كان مخصصاً للمسرح اللبناني فقط ولكن السنة القادمة أو بعدها سيكون هناك احتفال آخر للمسرح العربي بعد الانتهاء من كل التحضيرات.
في عام 2018 سيكون لدينا مهرجان المسرح الأوروبي وبعدها العربي حيث تكون الأمور أكثر هدوءاً وبمقدورنا التواصل بشكل أفضل.
هل مازلت ترين أن رجال السياسة في لبنان سبب كل علة؟
أغلبهم وليس كلهم سبب كل علة المصيبة في لبنان أنهم لا يفتحون المجال للشباب، يجب أن يكون هناك شباب بالحكم في لبنان حتى لا يشيخ الحكم مع الناس أنفسهم.
كما أنه كيف للذين صنعوا الحرب اللبنانية أن يعودوا ويصنعوا السلم في لبنان هذا أمر غير معقول ولم ينجح بكل الأحوال.
أعتقد أن هناك حركة علمانية في لبنان أتمنى أن توصل وجوهاً جديدة إلى البرلمان اللبناني، ووجوهاً جديدة إلى النقابات.
النقابات قتلت أيام الحرب.. والبلديات، أنا أرى أن البلديات مهمة جداً جداً وتستطيع أن تعمل الكثير في لبنان وفي سورية وأينما كان. البلدية النشيطة تستطيع أن تعمل ثقافة، أن تعمل نظافة، أن تعمل حياة هي تكوين صغير لكنه قريب جداً للناس.
اليوم في لبنان انتبه الشباب للبلديات وصار هناك جمعيات أهلية ومنظمات أهلية تهتم كثيراً بالبلديات.
لانستطيع أن ننكر أهمية مجلس النواب فهو مهم جداً لكنه يلف ويدور ويعود ليحتال على القانون القديم، لذلك على الأرجح سيكون لدينا الناس أنفسهم.
الشباب المتعلم الواعي اللاطائفي
إذاً أنت مع الابتعاد عن الآلية التقليدية للحكم وضرورة التطور والتجديد بمشاركة الفئة الشابة في الحكم؟
نعم بالتأكيد يجب أن يكون هناك تطور وتجديد دائم واختيار الشباب القادر الشباب المتعلم وليس أي شباب.
الشباب المتعلم الواعي المتحضر اللاطائفي، جمال بلادنا هذه الفسيفساء الموجودة في لبنان وسورية والهلال الخصيب كله من مسيحيين متنوعين ومسلمين ودروز وتوحيد هذه الفسيفساء تكون بفصل الدين عن الدولة، بإلغاء الطائفية ما بعد الحرب يجب اتباعها أينما كان.
سورية لم تكن مرة متعصبة ولا مرة كان فيها يفضل المسلم على المسيحي أو الشيعي على السني لم تكن متعصبة أبداً.
أنا أعتقد أنه من الأمور الأساسية التي كان يجب أن نقوم بها بعد الحرب في لبنان هو فصل الدين عن الدولة وإلغاء الطائفية لكن لايمكنهم ذلك لأنهم يلغون أنفسهم فهم يعيشون على الطائفية.
المثقف والسياسي
هل يمكن للأديب أو المثقف أو الفنان أن يخوض غمار العمل السياسي من دون أن يفقد خصوصية روحه وإحساسه المرهف الذي يتميز به عن غيره؟
هذا الأمر يعود إلى الشخصية ذاتها وإلى طبيعة العمل الذي سيقوم به. الفنان القادر يمكن أن يخدم كثيراً لكن حسب التوليفة مع أي حكم ومع أي منطق؟
إذا لم يكن في بلادنا برنامج عمل لماذا يدخل أحدنا السياسة ويعمل بها، برنامج العمل الواضح الذي فعلا يريد أن يغير، يريد أن يقدم للناس يثقفهم، يلغي طائفيتهم وتعصبهم وهذا يلزمه الكثير من الوقت ويحتاج لبرنامج عمل وأعتقد أن سورية ستنجح بهذا الأمر بعد الحرب رغم كل الذي حصل.
أتمنى أن نحقق هذا الأمر فنحن في لبنان لم نستطع أن نخرج من الحرب بالمعنى الحقيقي، أعتقد أن الشباب وتحركاتهم اللاطائفية يمكن أن تصل إلى مكان «ممكن»!!
تشظي الحزب.. والأمراض
لاحظنا في السنوات الأخيرة أن الحزب السوري القومي الاجتماعي تشظى لعدة أحزاب وتيارات، برأيك هل هذا الوضع صحي ويخدم أهداف وتوجهات الحزب؟
كلا ليس صحياً، لكن الحزب السوري القومي الاجتماعي أصابته الأمراض التي أصابت كل الأحزاب في بلادنا.
جميع المكونات السياسية ضربت بالحرب اللبنانية والحرب السورية أيضاً، لكن يجب ألا ننسى أن الحزب السوري القومي الاجتماعي بنى كيانه على فكر سعادة وفكر سعادة يلزمنا مئة سنة قادمة حتى نستوعبه. هذا الرجل النابغة المفكر فعلاً الذي لديه تكوين للحياة وللمجتمع وللفن، هذا الإنسان سعادة هو الذي يمكن أن يوحد الشرذمات في الحزب.
لاشك أنه لابد من تغيير للأحزاب كلها ويجب أن يكون هناك تغيير جذري للحزب السوري القومي الاجتماعي، وهذا التغيير الجذري يجب أن يقوم به الشباب والأمناء المؤمنون بحياة أفضل للحزب السوري القومي الاجتماعي، لاشك أننا نحن دفعنا ثمن الحرب ولم نقدر أن نخرج منها، والهجرة هجرة الفكر وهجرة الفن، وهجرة الشخصيات الرائعة بالحزب السوري القومي الاجتماعي لم تسهل الأمور.
لدي ثقة كبيرة وإيمان أن الحزب السوري القومي الاجتماعي سينفض هذا الركود الذي هو فيه منذ ثلاثين سنة تقريباً لأنه لدينا قوميون رائعون، وإذا لاحظت الأعمال الممتازة التي قاموا بها أيام الحرب السورية عملهم كان واضحاً جداً والناس كانت ممتنة لعملهم في سورية، لماذا؟ لأنه وعلى الرغم من أن هناك تشرذماً أو ضعفاً في المؤسسة الحزبية لكن القوميين ما زالوا يعملون بشكل رائع وجميل.
ماذا تقول نضال الأشقر للرئيس الأسد؟
أمده الله بالصحة والعافية. ولدي إيمان كبير أن الأسد يستطيع مع الجيش السوري ومع داعميه بأسرع وقت أن ينتصر على هذا الحقد العالمي على سورية لأن سورية ممانعة شامخة، لدي إيمان كبير بشعب سورية وبوعيه. في بداية الحرب لم يكن هناك وعي.. أنا أسكن خارج سورية ولكنني متأكدة أن السوريين قادرون على الانتصار والبدء بالبناء وأن يعاودوا الوقوف على أقدامهم مرة أخرى..
صنع سورية جديدة
مساحة حرة ماذا تريد نضال الأشقر أن تقول فيها؟
كل القوى اللاطائفية بسورية كل هذه القوى المؤمنة باللاطائفية. وأنا أشدد على اللا طائفية لأن البلاء الذي أصابنا كان أمراً مقززاً جداً.
أعتقد أن كل هذه القوى المدنية بإمكانها أن تصنع سورية جديدة وخاصة أن لدى سورية رئيساً غير متعصب، حتى الناس بالدولة ليسوا متعصبين.
يجب على كل القوى المدنية بالمجتمع في سورية أن يساعدوا الدولة كي تنهض من كبوتها وتستمر بشكل أفضل.
الوطن