الفساد يزدهر مع تطور التكنولوجيا!!
أوحت الجهات الحكومية على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها أنه بالأتمتة والفوترة، ومنع تدخل العامل البشري ستجتثّ الفساد في المواقع التي تستنزف خزينة الدولة بالمليارات كالمحروقات والدقيق، والسكر والرز..الخ.
وانتظرنا بدء التطبيقات التكنولوجيا التي بشرتنا الجهات الحكومية أنها الدواء الشافي للمرض المستعصي المسمى الفساد، ولكن بعد أشهر من تطبيق تكنولوجيا الضبط والمراقبة والتتبع اكتشفنا أن السوق السوداء التي تديرها مافيات محترفة ومتنفذة كالمحروقات ازدهرت أكثر فأكثر!
وهاهو وزير النفط والثروة المعدنية يقولها بكل صرحة ووضوح: (هناك تطور بحالات الفساد مع تطور الأتمتة)!
وهذه المعلومة تكشف أن التكنولوجيا لوحدهها غير كافية لمكافحة الفساد، فلدى مافيات الفساد قدرة على تطوير أساليب عملها بما يتيح لها اختراق أليات ومنظومة التقنيات المطبقة ضدها، والدليل ازدهار السوق السوداء للمحروقات بدلا من تقزيمها وتطويقها وحصارها وصولا إلى إجتثاثها من جذورها!!
لايكفي أن يعلن وزير النفط، أو وزير التجارة الداخلية، عن وجود الفساد في قطاع المحروقات وتوزيعها، ولا يكفي الكشف عن ضبط حالات من تهريب المحروقات سواء كانت قليلة أو كثيرة جداً، فالمؤكد ان الكميات التي تضخها مافيا المحروقات، التي أعلنت عن وجودها نقابة عمال النفط منذ أكثر من خمس سنوات، هي كميات ضخمة تكفي لدوران عجلات المعامل الكبيرة والصغيرة للصناعيين، ولكل من يقدر على شرائها كي لايتوقف عن العمل والإنتاج و.. التدفئة!
ولعل أحد مظاهر الإلتفاف على نظام المراقبة الـ(جي بي إس) قيام سائق بتركيب 6 أجهزة بسرفيس واحد ليستجر مخصصات 6 سرافيس لبيعها يوميا في السوق السوداء!
وعلى الرغم من كل الأساليب سواء التقليدية المطبقة سابقا، أم التكنولوجية المطبقة في الأشهر الأخيرة فإن سائقي الصهاريج وأصحاب محطات الوقود مستمرون بنهب المحروقات وضخها في السوق السوداء.
ونتفق تماما مع ماقاله وزير النفط (طالما هناك مادة عليها طلب وسعرها في السوق أعلى فسيكون هناك حالات فساد) وبالتالي مهما اشتدت حملات الضبط والمراقبة والمصادرة..الخ فلن تتوقف مافيا المحروقات عن تزويد السوق السوداء بالمازوت والبنزين والغاز، وخاصة أن الفعاليات الصناعية والزراعية والحرفية والمهنية لايمكنها التوقف عن العمل بانتظار قدوم ناقلات النفط وتكرير حمولاتها وتوزيعها لمن يحتاجها ويستحقها..الخ!
وقول وزير النفط بأنه (لا يمكن لدولة أن ترصد كل القطع الأجنبي المتاح لهذا القطاع.. فهناك القمح والأدوية والأسمدة إضافة إلى طيف واسع للاقتصاد يحتاج للقطع الأجنبي) صحيح 100% ، لكن ماقاله الصناعيون بأن (المعامل الكبيرة لا تستطيع التوقف عن العمل وانتظار المشتقات النظامية) هو أيضا صحيح 100%.
وقد وصف الصناعي المهندس فارس الشهابي الواقع كما هو(معظم الصناعيين و انا منهم يشترون المازوت مكرهين من السوق الحر و بأسعار خيالية لعدم توفره كما يجب بشكل نظامي.. و اذا لم يفعلوا ذلك يتوقف انتاجهم وتصديرهم ويصبحون هم وعمالهم في الشارع)!
ومن الملفت والغريب جدا أن وزارة التجارة الداخلية لم تجد من وسيلة ترد فيها على عحزها عن قمع المتاجرة بالمحروقات سوى التهديد والوعيد وبتحذير(كل منشأة أو فعالية تستجر مشتقات نفطية من السوق السوداء، ولا تبلغ عن البائع، تعتبر شريكاً في الاتجار غير المشروع بالمشتقات النفطية، ويطبق عليها المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021)، وكأنّ الوزارة تقول لحميع المنتجين: لن نزودكم بالمحروقات ،وممنوع عليكم شرائها من تجار السوق السوداء، ولكي تتجنبوا العقوبة الجرمية أغلقوا معاملكم بانتظار قدوم التوريدات!
ويمكن لأي متضرر ماديا بمئات الملايين من الصناعيين والمنتجين أن يرد على وزارة التجارة: صادروا محروقات السوق السوداء ووزعوها على مستحقيها باسعار غير مدعومة!
الخلاصة: لا الأتمتة ولا أي تكنولوجيا متطورة ستمنع مافيا المحروقات من تجاوزها واختراقها بأساليب متطورة طالما يوجد شحا في المادة، وبما أنه ليس لدى الدولة القدرة على تخصيص القطع الأجنبي لاستيراد مايكفي القطاعين الصناعي والزراعي من المحروقات، فلتترك جزءا من هذه المهمة للقطاع الخاص كما فعلتها مع الأسمدة والأعلاف!!
علي عبود ـ خاص غلوبال