الجهات الحكومية المسؤولة عن تأمين “لقمة” المواطن وضعت أمننا الغذائي في قبضة التّجار..!.
سبق لوزير الزراعة أن حذّر: أمننا الغذائي في خطر إذا لم…!! وأسهب الوزير بتعداد المطلوب فعله كي نتجنّب الخطر القادم بسرعة، لكن ما لم يقله الوزير لا مباشرة ولا مداورة هو: أمننا الغذائي بيد التّجار!!.
نعم، إذا استعرضنا مستلزمات الإنتاج الغذائي لملايين السوريين من البقوليات، واللحوم، والفروج، والبيض.. إلى البطاطا، التي كانت حتى الأمس القريب “أكلة شعبية”، سنكتشف بسهولة أن من يستوردها أو يتحكّم بمستلزمات إنتاجها وانسيابها في الأسواق الداخلية هم التّجار، حتى مادة التبن وهي ناتج بقايا عمليات الحصاد تحوّلت إلى سلعة للمتاجرة، فقد اشترى عدة تجار الكيلوغرام منها بمبلغ 60 ليرة، وقاموا بتهريب الكميات الأكبر منها إلى لبنان، وباعوا ما تبقّى منها لمربي الماشية مستغلين ارتفاع أسعار الأعلاف الحقيقية!.
من كان يتوقع أن يصل سعر كيلو التبن إلى 800 ليرة، وهو خالٍ من أي قيمة بروتينية، ولا يقارن بمادتي الكسبة والنخالة؟ ألا يعني هذا أن التّجار باتوا يتحكّمون فعلياً بثروتنا الحيوانية وما تنتجه من لحوم وحليب ومشتقات متعدّدة، أي يتحكّمون بأمننا الغذائي؟
ترى، هل تتوقع وزارة الزراعة أن التّجار سيحرصون على الثروة الحيوانية التي بدأ يتدهور عديدها، والقسم الأكبر منها يعاني الهزال، لأن المربين غير قادرين على تغذيتها بالحدّ الأدنى من الأعلاف، ولو كان تبناً أي قشاً يابساً ولا توجد فيه أي قيمة غذائية؟ وبدلاً من أن تتركز خطط وزارة الزراعة على إنتاج بذار البطاطا محلياً باعتبارها المادة الأكثر استهلاكاً، فإنها اختارت استيراده عن طريق “حفنة” من التّجار، فماذا كانت النتيجة؟
عزف الكثيرُ من الفلاحين عن الاكتتاب على بذار البطاطا هذا العام بسبب رفع التّجار لسعر الطن من نوع (السبونتا) وهو الأقل طلباً إلى أربعة ملايين ليرة، فمن أين سيؤمن الفلاحون الملايين، بالاستدانة من المصارف أم من المرابين؟!
هل عرفتم الآن لماذا أسعار البطاطا لم تعد رخيصة، ولماذا نستورد كميات كبيرة منها بعدما كنا ننتج ما يفيض عن حاجتنا وبأسعار تناسب دخل ملايين العاملين بأجر؟ ترى ما مصلحة وزارة الزراعة بأن تتخلّى المؤسّسة العامة لإكثار البذار عن مهمتها الرئيسية وهي إنتاج بذار البطاطا محلياً، أو استيراده مباشرة، وبيعه بأسعار الكلفة أو مدعوماً للفلاحين بدلاً من تسليم “رقاب” الفلاحين لحفنة من التّجار؟
ولا يختلف قطاع الدواجن عن القطاعات الأخرى، فالمربون يضطرون لشراء الأعلاف والأدوية والمحروقات من التّجار أو السوق السوداء، لأن الكميات التي توزعها وزارة الزراعة غير كافية وأسعارها لا تتيح إنتاج الفروج والبيض بما يُناسب دخل ملايين العاملين بأجر!
وإذا كانت الجهات الحكومية ترفع أسعار الأعلاف والأسمدة والأدوية والمحروقات، ولا تؤمّنها بالكميات المطلوبة ولا بالأسعار المدعومة للمنتجين.. فهل يتوقع منتجو السلع الغذائية أن يرحمهم التّجار؟
قد تستطيع قلّة من كبار المنتجين شراء مستلزماتها من التّجار ومن السوق السوداء، لكن منتجاتها ستبقى حصرية بالمقتدرين مالياً، وهذا ما يُفسّر تراجع إنتاج اللحوم والفروج والبيض والألبان والأجبان والحليب.. إلخ، لأن ملايين العاملين بأجر طردوها من موائدهم اليومية، إلا في مناسبات أو في أيام محدودة من بدايات كلّ شهر أي مع قبض الراتب!.
ويُخطئ من يوحي بأن ارتفاع الأسعار مرتبط بأسعار الصرف، بدليل أن الأسعار بقيت تصعد باتجاه الأعلى على الرغم من استقرار أسعار الصرف لأكثر من عام من جهة، وعلى الرغم من أن السلع الأساسية ممولة أساساً بسعر الدولار المركزي من جهة أخرى!!.
المشكلة باختصار هي: الجهات الحكومية المسؤولة عن تأمين “لقمة” المواطن وضعت أمننا الغذائي في قبضة التّجار!!.
البعث - علي عبود