استنساخ الجمال قد لا يكون جمالا
صاحبة الجلالة_رشا الصالح
استباق مبتكر من نوعه وخارج عن طور المألوف في المنهج المتبع في الفن التشكيلي الكلاسيكي الذي أحدثه الفنان التشكيلي الفرنسي (سيزان) في رؤيته البصرية الجديدة لطريقة الرسم التي كانت تعتمد على التقليد لكل ما هو معتاد بخطى ثابتة في تناول البصيرة اللونية لمعطيات الواقع حيث قال : ( إني لا ارسم ما اعرف بل ما أرى )، محطما بذلك الصورة النمطية التي قدمتها المدارس الفنية السابقة ، جارفاً معه المرئيات المتناولة إلى كينونة التشكيل وفق رؤيته وليس كما اعتاد ، ليس مقلدا، ذاهبا بفن التصوير إلى مناطق من الجدل والتفاعل مع كثر من الأسئلة المحرضة لمزيد من الاكتشافات ، مخرجاً التيار الفني من طابوهات الحلة القديمة (الكلاسكية) طواعية .
ليتخلى الفن بحد ذاته عن كل مقيّداته في النقل طبقا للتشابه والإعادة ، مؤسساً لمدرسة أخرى في الفن التشكيلي وهي المدرسة الانطباعية التي أحدثت بفضله ثورة جديدة في المفاهيم الخارجة عن النمطية والمتصلة بكل المعارف الحيوية والاكتشافات العلمية الإبداعية المحفزة والتي أدت بدورها إلى فهم كل المظاهر و تحليل الأحداث وإعادة إنتاجها بلغة استبصارية جديدة ، حيث كان الانطباعيون فيها وعلى رأسهم سيزان يمتازون بمزاج الجدل والابتكار بما يتلاءم مع الصيغ الحديثة والجديدة للعصر واضعة اللون والمنقولات الفنية ببوتقة الحديث الشمولي لكل التناقضات الحاصلة لكل انفعالات الحياة من أقصاها إلى أقصاها مكرسين فنهم وخبراتهم لنقلها حيث لم يكونوا لوناً واحداً .
بل اتسموا بالتنوع والتجدد كاسرا كل منهم أي تقليد قد يطال إبداعه ، غير مشكلين قالباً واحداً متناسخاً ، انما صوراً متعددة قد تصل إلى حالات بحثية لمعرفة الماورائيات والأسباب الباطنية الكامنة ورائها والرسالة من هذه الأعمال وفهم ايحائاتها والغاية منها .
فعندما نتناول مفهوم التقليد و الابتكار لا يتعلق الموضوع فقط بالفن التشكيلي إنما يتعداه إلى كافة الفنون الأدبية والبصرية والسمعية، فالتقليد يستخدم في حقول معرفية شتى عرفت عبر التاريخ .
فهو نوع من الموروث الذي يأخذ اليوم صفة الشعبي والتي تحرص كافة المجتمعات على جمعه ودراسته وأرشفته كجزء من هويتها الثقافية التي تتنوع بتنوع الحياة ، حيث يكون لتلك التقاليد مكانة حضارية لها خصوصيتها يتم تداولها والتمسك بإرثها وديمومتها لفهم الماضي وحركته الثقافية ومعرفة المجتمعات وتكوينها من خلالها ، فقد تكون النصوص الأدبية والنثرية والشعرية تقليدية فهي بالعموم تحتكم إلى ما هو سائد وتنتتج وتعيد عرض التقاليد المعتمدة في النوع الشعري ذاتها وتجعله منهجا لا يجوز للشاعر مخالفته .معتمدا على ذات الأسلوب الشعوري وذات البناء في القصيدة وذات القالب الشعري التي تجعل أي شاعر ينسج قصيدة على غير منوال القصيدة التقليدية فهو بذلك قد ارتكب مخالفة عظيمة بحق الشعر ورتم القصيدة ، ليصير الإبداع هنا صناعة مكتسبة ، فتتعاقب الكلمات والسطور إرضاء للشكل التقليدي متجمدا بذلك كل احساس وشعور مرافق للكلمات مع كثرة التشابه في البنية والقافية والشكل العام موصلا القارئ إلى حالة من الملل والتماثل وسيادة لمنهجية اللون الواحد الذي هو بطبيعة الحياة مرفوض لان الحياة بحد ذاتها قائمة على التنوع والتغير وعدم الثبات .
هذا التقليد البغيض بحق النفس البشرية يتناول مطارحا أخرى قد تؤثر على الذائقة السمعية والبصرية للإنسان وخاصة اذا ماتطرقنا حاليا إلى موضوع الموسيقى والألحان وتماثل الأصوات ، التي تكاد تكون نسخة اصلية متعادلة في الطباق وقد لا تميز بأذنك صوت أحدهم على الأخر ناهيك عن الخطر الأعظم و الرهاب المشاهد في كثير من الأحيان في تناول وعرض الصور والمشاهد في الدراما ،وقد لا يخلو مشهد او مسلسل وخاصة امام الجعبة الدسمة المقدمة في دراما مسلسلات شهر رمضان ، التي اعتمدت بغالبيتها على التكرار والية التقليد الأعمى في تناول القضايا او التعبير ونمط الطرح والحل ليتعدى التقليد حدوده إلى تماثل وتشابه يكاد الجمهور المتابع لا يستطيع أمام هذه الضخامة المعروضة على هذه الشاشة الصغيرة ان يميز بين ممثلة وأخرى حتى في الشكل الخارجي وعمليات التجميل التي غيرت الوجوه وأثرت على شكل الانتقاء والاختيار أيضا ، حيث يصير المشاهد أمام حالة من الاستنساخ البصري والمرئي لكثير من الحالات البشرية التي تأخذ ذات اللون والموضوع واللون والشكل واللباس ، باعثة الرغبة في المتابع لهذه النتاجات للانتقال من هذه الصور المشوبة بصريا التي يتم عرضها بشرائط متشابهه إلى مواقع ومواضيع تثير جدلا أكثر وتحفز العين والعقل مبتعدا عن كل ما هو مقلد والذي يصبح رهابا فعليا يجثم فوق صدر الذائقة الثقافية للعارض والمتلقي ليستفيق الواقع على حالة من الارتكاس او الخلل النفسي المرضي الذي يقودنا إلى الوقوف ضد أشكال هذا النوع من لتقليد وصانعيه ومعالجة طرائق تناوله على كافة الصعد التي تصدر هذه الشخوصات والنماذج الفكرية على كافة الصعد العملية وخاصة السياسية والفنية منها وكذلك المعيشية على حد سواء .التي أنتجت شخوصات ذات الصفات والسلوك والمنهجية العمياء في التكرار المضني الذي يدمر لايعمر ويصل بالجميع إلى حالة من الانحطاط بدلا من النهوض والاعمار .ليصير التركيز على صفاء البصيرة لجلاء البصر والأفعال .