تشاركية الكهرباء تنصبّ على “المتجددة” أمام عدم فاعلية “التقليدية” في ظل الدعم
يبدو أن عثرات وصعوبات تطبيق التشاركية في مختلف القطاعات ليست بمنأى عن قطاع الكهرباء شريان الطاقة الأساس، إلا أن الاختلاف هنا هو في أسباب التعثر، ففي حين تشكو القطاعات من البيئة التشريعية غير المناسبة للتشاركية، كشفت وزارة الكهرباء عن أسباب أخرى تتعلق بجدوى هذه المشاريع في قطاع مدعوم حكومياً، حيث تقف عوائق عدة في وجه تطبيق التشاركية في محطات التوليد التقليدية، لذلك ينصبّ الاهتمام على الطاقات المتجدّدة وتشجيع نشرها، ولاسيما مع التزايد المستمر في الطلب على الطاقة مقابل انخفاض في كمية التوليد لعدة أسباب، منها تراجع كميات الغاز إلى 8.5 ملايين م3 بعد أن كانت العام الماضي 13 مليون م3.
معاون وزير الكهرباء نضال قرموشة لم يخفِ أهمية مشاركة القطاع الخاص وقطاع الأعمال بدورهم التنموي في إنتاج الطاقة وتخفيف العبء عن الدولة، واستغلال المحفزات التشجيعية لمشاركتهم في إنتاج الطاقة، غير أنه في الوقت نفسه كان واضحاً بتوصيفه لأسباب التأخر والتعثر في مشاريع التشاركية، وخاصة فيما يتعلق بالمحطات الكهروحرارية التقليدية، فالعقوبات أولاً حدّت من أي نشاط تشاركي لصعوبة تأمين المستلزمات وعدم الاستقرار الاقتصادي، يضاف إليها في مقدمة المعوقات الدعم المقدّم للكهرباء المنتجة، فمن يتجه اليوم لإنشاء محطة كهروحرارية سيبيع إنتاجها للدولة بسعر عالٍ، ثم تبيع وزارة الكهرباء بالسعر المدعوم أي متوسط 14 ليرة للكيلو واط، وبذلك سيكون الفرق شاسعاً بين السعرين.
وفيما اعتبر قرموشة أن مشاريع التشاركية تفيد بالتخفيف عن الدولة بتوفير رأس المال لإنشاء المحطات، غير أن هذا الوفر سيعوّض في فرق الشراء والمبيع، موضحاً أن التشاركية وضعت للبلدان التي تبيع السلع بقيمتها الحقيقية أو بقيمة قريبة منها، بحيث تبيع الطاقة المنتجة مباشرة للمشتركين، وهذا ما لا يمكن تطبيقه في سورية حالياً، إلا إذا حصل اتفاق بين المستثمر والصناعيين –يضيف قرموشة- فيكون البيع مباشراً للصناعي بإشراف فني وتقني من قبل وزارة الكهرباء، وهو أمر بدأت غرف الصناعة المطالبة به، إذ يتناقش الطرفان حالياً لتطبيقه، مبيناً أن هناك من يخلط بين إشراك القطاع الخاص وموضوع الأمبيرات المرفوض تماماً، كون بيع الأمبيرات عملية فوضوية ولا تتمّ عبر شبكة النقل والتوزيع.
ولعلّ الجزء الأهم بالتشاركية في قطاع الكهرباء في ظل الظروف الراهنة هو ما يتعلق بالطاقات المتجدّدة، فالتوجه الحالي منصبّ عليها عالمياً وليس فقط محلياً، وفارق السعر هنا ليس كالمحطات الحرارية ويمكن تحمّله، ورغم أن الاعتماد الأساس يبقى على المحطات التقليدية، غير أن لمحطات الطاقات المتجدّدة أهمية كبيرة في توفير الفيول اللازم لإنتاج الطاقة. وتجدر الإشارة هنا إلى الترخيص لـ 117 م.و كهروضوئي، نفذ منها 59 مشروعاً باستطاعة 12.5 م.و، وهناك ما يقارب هذه الاستطاعة نفسها قيد التنفيذ، أما الباقي فلم يستكمل المستثمرون المرخص لهم تنفيذها، وبعد أن نفّذت مؤسسة توليد الكهرباء الكسوة الكهروضوئية باستطاعة 1.26 م.و، تمّت الإحالة مؤخراً على شركة سولاريك لتوسيعها باستطاعة 1.7 م.و لتصبح 3 م.و، كما تمّ التعاقد مؤخراً على محطة كهروضوئية باستطاعة 33 م.و في المدينة الصناعية بالشيخ نجار بتمويل حكومي من خلال تسهيلات دفع مالية، ويجري استكمال التعاقد على محطة كهروضوئية باستطاعة 30 م. في حسياء، إضافة إلى متابعة تنفيذ كل من (محطة مرانة الكهروضوئية باستطاعة 6 م.و، مشروع محطة توليد كهروضوئية باستطاعة 40 م.و في جندر، وأخرى باستطاعة 23 م.و في الناصرية، ومحطة 4 م.و في الزارة).
وفي مجال المحطات الكهروريحية تمّ ترخيص 40.5 م.و كهروريحي بتمويل من القطاع الخاص، نُفّذ منها 2.5 م.و ومازال قيد التنفيذ 9.5 م.و، وتدرس مؤسسة التوليد العرض المقدّم لإنشاء محطة توليد ريحية باستطاعة 100م.و في قطينة، والإعلان عن إنشاء محطة توليد ريحية باستطاعة 10 م.و في جندر.
وأوضحت مديرة تنظيم قطاع الكهرباء والاستثمار في الوزارة هيام الإمام أن قانون الكهرباء 32 لعام 2010 فتح المجال لكل القطاعات للاستثمار والمشاركة، سواء بالتوليد أو التوزيع، وشجّع استثمار الطاقات المتجدّدة، معتبرةً أن البنية التشريعية جيدة بشهادة العروض الكبيرة التي جاءت بالعشرات عند الإعلان عن إنشاء محطات في 2011، قبل أن تبدأ الحرب وتتراجع العروض.
وبيّنت الإمام أن قانون الكهرباء لم يدخل بالتفاصيل بل بالخطوط العريضة، ففي حين حدّد قانون الكهرباء المبادئ العامة، حُدّدت الإجراءات التفصيلية في قانون التشاركية، لذلك يتمّ الاعتماد على كلا القانونين في المشاريع.
ولتنشيط الواقع الاستثماري في القطاع اقترح قرموشة تشجيع الصناعيين على استخدام المصادر المتجدّدة لتأمين جزء أو كل حاجتهم من الكهرباء، من خلال اعتماد آلية إقراض خاصة ومحدّدة لتمويل هذه المشاريع، بحيث تكون بضمان المنشآت الصناعية التي سيقام فيها المشروع، كون الكلفة التأسيسية للمشاريع ستكون أقل بكثير من قيمة المنشآت، وأن يكون الإقراض بشروط واضحة بحيث لا يقلّ عن 90% من القيمة التأسيسية، ولا تقلّ فترة الإقراض عن 10 سنوات. وهنا أشار قرموشة إلى تعاون المركز الوطني لبحوث الطاقة مع المصرف الصناعي لتمويل مشاريع الطاقات المتجدّدة بقروض حدّها الأقصى 60% من الكلفة التقديرية للمشروع، كما جرى توقيع اتفاق آخر مع المصرف الصناعي لتمويل مشاريع الطاقات المتجدّدة الخاصة بالصناعيين لقروض حدّها الأقصى 70% من تكلفة المشروع.
وأشار معاون وزير الكهرباء إلى ضرورة تشميل مشاريع الطاقات المتجدّدة التي تقام في المنشآت ضمن برنامج دعم الفائدة، حيث يمكن اعتبار إنتاج الكهرباء بالطاقات المتجدّدة من مشاريع إحلال بدائل المستوردات، وفي حال التشميل فإن نسبة الفائدة التي تقع على الصناعي 5% فقط، كما أشار إلى تشجيع الحرفيين والمزارعين لاستخدام المصادر المتجدّدة بتأمين جزء أو كامل احتياجاتهم من خلال تأمين القروض الميسّرة، فليس من الحميد إنتاج الكهرباء من القطاع الخاص وشراؤه، بل التوجّه ليكون كل صاحب حرفة منتجاً للطاقة، إذ أن عملية شراء الطاقة من المحطات وتحويلها لشبكة النقل قبل توزيعها ستعرضها لفاقد فني إجباري.
بدورها طالبت الإمام بتسهيل الحصول على إجازات الاستيراد بما يمكّن المستثمرين من تنفيذ مشاريعهم ضمن المدد المحدّدة في اتفاقية شراء الطاقة، مضيفةً أن الرسوم الجمركية على استيراد مستلزمات محطات الطاقات المتجدّدة هي 1% فقط، إلا أن باقي التكاليف والعمولات والرسوم غير الرسمية تزيد من هذه النسبة.
ولفت قرموشة إلى موافقة لجنة الطاقة والموارد على تركيب محطات الطاقات المتجدّدة على أساس تعرفة التغذية الكهربائية لتغذية محطات مياه الشرب التابعة لوزارة الموارد المائية، وفي القريب العاجل سيبدأ التطبيق وسترخص الوزارة للمشتركين الراغبين بذلك حيث يتوفر مكان مناسب، كاشفاً في الوقت نفسه أن صندوق دعم الطاقات الهادف لنشر استخدامات الطاقات المتجدّدة لتلبية الطلب أصبح الآن بالمرحلة النهائية لإصداره.
البعث