كيس الخبز اليابس في كل بيت… و فاتورة الدعم بـ 362 مليار ليرة 15٪ منها هدراً
يعرف السوريون بأنهم قد يكونون من أوائل الناس في حرصهم وتدويرهم لجميع ما يدخل بيوتهم، فلا شيء في المنزل يرمى… قد يكون «اختراع الفتوش والفتات والتساقي» من صنعهم ليستعملوا الخبز البائت واليابس ولا يرمونه. السوريون يفعلون ذلك ليس بخلاً، إنما من باب أنهم يحترمون النعم، ولو كانوا بخلاء لما أسرفوا في شراء الخبز والطعام.. اليوم لا نعيش الطقوس نفسها أو الحرص نفسه، ففي كل بيت من بيوتنا كيس للخبز اليابس، بل ثمة أناس امتهنوا جمع هذا ويعيشون من خلاله شراء وبيعاً… قديرات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. لماذا فقط في سورية تنشط تجارة الخبز اليابس، لماذا نستخدم الخبز اليابس في العلف، أو في صناعة الفلافل من قبل البعض..؟ كيس الخبز اليابس موجود في كل بيت سوري، ومواطننا يحتل المرتبة الأولى في استهلاك الخبز.. وفي هدره أيضاً! وفي استطلاع العديد من الآراء: نواب في مجلس الشعب، أكاديميون، تجار، طلاب حيث أجمعت الآراء على أن «السلعة الرخيصة غير محترمة»، لكن الجميع كان حذراً في مقاربته الحلول الممكنة، لجهة رفع السعر أو رفع الدعم والاستعاضة عنه بدفع بدل نقدي.. تجربة الدعم أن يقال عنها الكثير، أو أقل شي، إنها ليست موفقة أو مثالية. قد يرى البعض أنه عفا عليها الزمن، فالأصل أن يكون الخبز سلعة مثل أي سلعة، تباع بشكل طبيعي، فالدعم لا يكون للسلع والخدمات وإنما يكون لمستخدم هذه السلع والخدمات، ولذلك لا يمكن أن يكون الدعم بوضعه الحالي إلا مرتع فساد.. فتجربة دعم الخبز خلقت الكثير من الأثرياء نتيجة التلاعب والغش في المواد المدعومة، وكلنا يتابع يومياً تحرير ضبوط الدقيق التمويني المهرب والمحروقات الخاصة بالأفران، ويرى أنصار هذا الرأي وجود طرق وبدائل عديدة للدعم مثل أن يوزع بشكل نقدي على المواطنين ما سيؤدي بشكل قطعي إلى خفض استهلاك الخبز إلى النصف، في المقابل ثمة آخرون يرون أنه لدينا خبراء لن يعجزوا عن إيجاد آلية تنصف الجميع وتحافظ على هذا الدعم وتحافظ على أموال وأملاك الدولة وتقمع الفساد والفاسدين وتجنب أبناء هذا الوطن مزيداً من الخسائر والهدر في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى كل ليرة. الدكتور شفيق عربش -الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد يرى أن الهدر في موضوع الخبز قائم وأرجع ذلك إلى أمرين الأول سوء التصنيع والثاني مرتبط به ويتعلق بعدم إمكانية الاستفادة من الرغيف السيئ بما هو عليه في البيوت. وقال نحن من جيل تعلم حفظ النعمة وعليه لا يمكن أن أعمل كفرد ورب أسرة أو أساهم في الهدر، لكنه أشار إلى أن موضوع الخبز في سورية وبرغم مرور أكثر من خمسين عاماً على اضطلاع القطاع العام بهذه المهمة لم يصل الى المستوى اللائق والمقبول رغم كل ما يصرف عليه. وقال حتى اللحظة لم نستطع الحصول على رغيف جيد وبشكل لائق، فالازدحامات و«التدفيش» قائمان ومن يحظى بالوصول الى الكوة وتأبط الخبز سارع منتصراً إلى أقرب حائط أو فسحة أرض أو حشيش أو حتى سيارة مركونة لتنشيف الخبز، وفي موضوع الدعم شدّد الأستاذ الجامعي على أن الدعم يخفي وراءه كل أشكال الهدر والفساد والضعف التقني في التصنيع، وليس فقط السرقات. وأضاف: إن رداء الدعم يغطي كل الخلل والفساد الموجود في القطاع المدعوم، عاداً أنه أينما وجد الدعم وجد الفساد فالدعم يخفي خلفه الكثير من السرقة، لكنه لم ير أن ما يحكى عن قنونة توزيع الخبز عبر أساليب ذكية يعد حلاً مفيداً أو صحيحاً ورأى أن هذا الأمر فيما لو طبق «فيزيد الطين بلة» ويتسبب باختناقات وطوابير طويلة فالمشكلة في مكان آخر. وفيما يتعلق برفع سعر الخبز رأى عربش أنه يؤيد أن تسعر كل عوامل الإنتاج أي مدخلات هذه العملية بالسعر الاقتصادي بما فيها الأجور وأيضاً أن تسعر المخرجات بسعر التكلفة زائد هامش الربح القانوني والعقلاني، أما إذا أصرت الدولة عليه فإن مبالغه المرصودة في الموازنة فيما لو وزعت بالتساوي على المواطنين فإن نصيب الفرد يصل سنوياً إلى حدود 100 ألف ليرة. ولفت عربش بهذا الخصوص إلى أنه لا يقصد توزيع الدعم على جميع المواطنين بل يمكننا من خلال البيانات التي باتت في حوزتنا من خلال استمارات البطاقة الذكية أن نوجه الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، وقال: أنا أفضل أن يكون دعماً مادياً وليس دعماً لسلع بعينها لأنه عندما ندعم السلع فإن هذ الدعم يصل إلى جميع الفئات بمعنى أن الفئات الميسورة وذات الاستهلاك الأكبر تستفيد من الدعم أكثر من الفئات التي تستحق الدعم. من جانبها، أكدت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن أرقام الدعم المقدمة لمادة الخبز تقدر بحوالي 362 مليار ليرة سورية، مشيرة في ردها على أسئلة «تشرين» بشأن الرقم التقريبي للخبز المهدور إلى أن أسباب الهدر عديدة، أهمها عادات الاستهلاك فهناك بعض العائلات ترغب في الاستهلاك اليومي والمباشر للخبز بمعنى أن ما يزيد على الحاجة اليومية لا يستخدم في اليوم التالي ويبقى هدراً. وأشارت أيضاً إلى أن سوء النوعية يؤدي أيضاً إلى ارتفاع نسبة الهدر أيضاً انخفاض أسعار الخبز مقارنة بأسعار الأعلاف حيث تلجأ بعض الأسر وخاصة في الأرياف إلى استجرار كميات زائدة عن حاجتها وإطعام البقية للدواجن والحيوانات. وقدرت الوزارة نسبة الهدر في الخبز وفق هذه الحالة بما يقدر بين 10- 15 %. وعن رؤية الوزارة للحد من الهدر فقالت: إنه في ظل الظروف الحالية لا بد من التشدد بتحسين نوعية الخبز وحث المجتمع الأهلي على ضرورة تغيير عادات الاستهلاك بما يضمن تقليل الهدر واستهلاك الخبز. باختصار بعض العادات والتقاليد المتوارثة، بحاجة لإعادة نظر، فشراء الخبز زائداً عن الحاجة تقليد توارثناه جميعاً من باب الاحتياط لربما فاجأنا ضيف أو انقطعت مادة الخبز لسبب ما، فلم يحن الوقت لبعض التغيير إذا كان في ذلك مصلحة لنا جميعاً ونحافظ على هذه النعمة ونحصل عليها بشكل لائق..؟. تشرين