التضليل عنواناً: إحصائياتنا الرسمية تفتقر إلى الدقة… ومقولة «الشخص المناسب في المكان غير المناسب» تنتقل بالعدوى إلى الأرقام!
الأحد 25-11-2018
- نشر 6 سنة
- 5494 قراءة
ربحنا وضمنيا نكون خاسرين، وأنتجنا الكميّة الفلانية وتكون آلاتنا متوقفة، معدل بطالتنا ينخفض وعلى أرض الواقع معظم شبابنا عاطلين عن العمل! هو الرقم المضلّل الذي يرغب في أن يصدر ليكون موجودا فقط، لا ليثبت وجوده بجدارته، وأما التفسير الحقيقي فيقع على عاتق منتجي الرقم أنفسهم، هذا إن استطاعوا تحليله. يقول خبراء إنه لمن المؤسف أنه عندما أصدر المكتب المركزي للإحصاء مجموعة من البيانات الإحصائية عام1974، كانت أفضل من التي أصدرها المكتب ذاته قبل أشهر، ومع الأسف فإن معظم الأرقام والبيانات التي تصدر لا تملك غاية أكبر من الصدور!
ويتحدث بعض الخبراء أنه بين عامي 2006 و2010 والتي تعد من فترات الازدهار الاقتصادي التي شهدتها سورية، كانت معظم الأرقام مضلّلة وحتى الصحيح منها لم يبلغ من الدقة درجة يمكن فيها وضع سوى استراتيجيات عامة، وحتى تلك الاستراتيجيات لم يكن من الممكن نقلها إلى حيز التنفيذ.
وفي الوقت الذي تتضخّم فيه المشاكل في قطاع الأرقام، يرى البعض أنه مثل أي قطاع آخر يعاني اليوم من العجز والخيبة والنقصان، فقد وضعنا الخطة الخمسية العاشرة ولم تنفّذ، وكذلك الخطة الخمسية الحادية عشر ولم نقم خلالها بأي خطوة ولذلك من الطبيعي جدا ألا تكون أرقامنا وبياناتنا صحيحة.
أرقام مضللة
حول واقع أرقامنا والحالة المرضية المزمنة التي يعاني منها الرقم الإحصائي، قالت الدكتورة والباحثة الاقتصادية رشا سيروب إنه «على الرغم من أننا نسمع دائما بضرورة إعادة هيكلة القطاع العام الاقتصادي، لأنه خاسر يظهر لدينا بعدها بالموازنة على أنه رابح، وهو ما يعني أننا نعتمد على أرقام وهمية وهي مجرد أرقام».
وأكّدت أنه «لو كان يوجد لدينا برلمان وجهات رقابية تحاسب أي مسؤول يقدّم أرقاماً خاطئة خلال تصريحاته لكان الوضع مختلفا».
إن كنت تدري!
ربما تنطبق المقولة القائلة «إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم» على الحسابات الرقمية والإحصاءات التي تجري في القطاعات الحكومية، وهنا أكّدت الدكتورة سيروب «أن تلك الأرقام غير المعبّرة عن الواقع من غير الممكن أن تكون خاطئة بسبب الجهل، فلا يوجد أحد جاهل اليوم، وإذا اعتبرنا أن الأمر عبارة عن جهل فهو معيب وإهانة بحق الحكومة».
ورأت سيروب أن «المشكلة هي تضليل الرأي العام وعدم التعامل بشفافية مع المواطن، وهو السبب الرئيسي في عدم تقديم أرقام دقيقة، ما يشير إلى وجود استخفاف بالرأي العام لأن الحكومة لو كانت مهتمة لكانت عرفت أن هذا المواطن سيحاسبها يوما ما».
وتابعت «فإذا اعتبرنا أن الأمر عبارة عن جهل فهذا فشل، وإذا رجحنا باقي الأسباب فهذا يعني عدم إشراك المواطن بالقرارات».
قرارات تتخذ
وحول القرارات الخاطئة التي تصدر بناء على الأرقام المضللة، قالت سيروب «هذا إذا افترضنا أن تلك القرارات تصدر بناء على الأرقام».
وتابعت «هذا ما قلته في أحد المؤتمرات، فقد أظهرت نتائج الإحصاءات التي تمت في وقت سابق، أننا نحتاج إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ومع ذلك لم نزل نقدم الدعم إلى المشاريع الكبيرة، وهو ما يعني أن أرقامنا غير مجدية لأننا لا نبني قراراتنا بناء عليها».
إعادة إعمار
بعد الإعلانات العريضة حول الإعمار وأهميته للمرحلة القادمة، لا بد من الإِشارة إلى أن أي قرار سيتخذ في الفترة القادمة إذا لم يستند إلى أرقام صحيحة تعطي نتائج دقيقة لن يثمر بالمقابل مشاريع ناجحة، خاصةً وأن مشاريع الجدوى الاقتصادية كافة تعتمد على الأرقام الدقيقة.
وهنا أشار عدد من الباحثين إلى أن أنه يجب اليوم إعادة تنظيم البيت الداخلي، وفي مقدمة الأمور التي من المفترض أن تخضع لإعادة النظر هي الإحصاءات وقطع الحسابات وميزانيات الشركات، خاصةً وأن أي دراسة لمشروع بغياب الإحصاءات هو أمرٌ تُخشى نتائجه.
توليد الرقم
يشير مدير معهد الإحصاء التقني زكريا الزلق أن الإحصاء هو الانتقال من الكيف إلى الكم، ومعظم مشاكلنا اليوم تتمركز في كيفية توليد الرقم، لأن عملية الإحصاء تخضع إلى عدد من المراحل، وحتى يكون الرقم سليما من المفترض أن تكون جميع مراحل إنتاجه سليمة. ولفت إلى أهمية العمل على جانبين: الأول هو المكتب المركزي للإحصاء والثاني هم النشء والمبحوثين، لتوعيتهم بأهمية الرقم الإحصائي في اتخاذ أي قرار، خاصةً وأن المجتمعات تقاس بمفتاح أساسي لحل أي مشكلة هو الرقم.
نظام إحصائي مترهل
الزلق يؤكد وجود نظام إحصائي مترهل، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى انخفاض الإنفاق الاستثماري في المكتب المركزي للإحصاء وذلك بالمقارنة مع الإنفاق الجاري، بالإضافة إلى عدم وجود من يريد استثمار الكوادر التي تعمل بمجال الإحصاء، فالخريجون الجدد يشعرون اليوم بأن لا أحد يريدهم في سوق العمل، ولذلك نجد الواقع الإحصائي بأشد الحاجة إلى الاهتمام الحكومي كي تضع رؤية واستراتيجية.
منهجية مموهة
رأى الزلق أن «معظم البيانات المنشورة تفتقر إلى الحجة ولذلك هي بيانات غير موثوقة، متسائلا كيف سنتمكن من إنتاج رقم إحصائي سليم ولا توجد إمكانية تدعم إنتاج هذا الرقم».
ولفت إلى وجود مشكلة أخرى هي «التأخر بإصدار النتائج نتيجة الابتعاد عن العمل الإلكتروني، والذهاب إلى استخدام الورقيات»، مؤكداً أن «معظم الأرقام غير الدقيقة أنتجت بطريقة غير مقصودة ومشكلتها الأساسية تكمن في عدم إمكانية محاججة الطرف الآخر بها، الأمر الذي يضطرنا إلى أخذ معلومات من جهات أخرى».
أخيراً… لن تُنفّذ الخطط المرسومة إن بقيت خاضعة لكيف واضعيها، ولذلك لا بدّ من الانتقال إلى الكم بوضع الرقم الصحيح في مكانه، خاصةً وأن نظرية الشخص المناسب في المكان المناسب على ما يبدو باتت مستحيلة.
الأيام