أحجية تحديث أسطول الطيران لم تفك.. العقوبـات وقلة حيلـة الحكومة تمنع السورية للطيران من التحليــق إلى فضـاءات جديــدة!
منذ سنوات طويلة والحديث يدور في الأوساط الرسمية السورية عن تحديث الأسطول السوري واستخدام طائرات مدنية روسية، وخلال تموز الماضي انطلقت مفاوضات لشراء دفعة طائرات روسية، كما أعلنت مؤسسة الطيران العربية السورية في أيلول من العام الماضي عن توجهها لرفد أسطولها بـ 6 طائرات جديدة بالتعاون مع دول صديقة، إلا أنه كما جرت العادة فلم تحصل أي نتائج فعلية، وبذلك تبقى الطائرتان المدنيتان اللتان تعملان فعلاً تحت خطر التوقف المفاجئ عن العمل في ظل صعوبة تأمين قطع الغيار نتيجة العقوبات الغربية والأعطال في المحركات، أما عن سلامة الركاب فقد وصفها أحد الطيارين بالقول «الأمان بالله ولك عمي». عاد الحديث مجدداً على لسان وزير النقل علي حمود منذ أيام، الذي اعتبر أن شراء طائرات (أم سي 21) الروسية حلم تسعى وزارة النقل لتحقيقه، بمجرد أن تصبح الطائرة جاهزة للبيع تجارياً لدول فرضت عليها عقوبات غربية. على الطرف الموازي وجهت أطراف رسمية اللوم بعدم توقيع عقود مع الروس خلال الفترات الماضية إلى رفض الطيارين السوريين العمل على الطائرات الروسية بشكل عطّل الفكرة، في حين ترى جهات أخرى بأن الفساد والروتين ومشكلات تقنية هي من تمنع توريد هذه الطائرات وتحديث الأسطول. مكابح أحد طائرات المؤسسة معطل أحد طياري مؤسسة الطيران العربية السورية (طلب عدم الكشف عن هويته) أكد بأننا نستطيع أن نحصل على أي عدد من الطائرات ومن أي نوع، لكن نظام العمل الروتيني لا يسمح بذلك، فإيران عليها حظر منذ أكثر من 10 سنوات ومع ذلك لديها أكثر من 150 طائرة، في حين أن المؤسسة تعمل بطائرتين فقط رغم وجود أعطال تقنية فيهما، حيث أن مكابح أحد الطائرتين معطلة من أصل أربعة، كما نعاني من نقص شديد في قطع الغيار مثل الدواليب والمحركات، ويقول الطيار مستهزئاً عن موضوع الأمان «الأمان بالله». يضيف المصدر أن هناك أشخاصاً يبحثون عن السرقات فقط، وينفي الطيار أن يكون هناك «عائلات أو جماعات ضغط من الطيارين السوريين تمنع وصول طائرات روسية أو غيرها، لكن ليس لدى أحد في مؤسسة الطيران القدرة على اتخاذ القرار، فلماذا تملك شركات خاصة 5 طائرات (إيرباص) وأكثر، في حين لا تستطيع المؤسسة الحكومية تحديث أسطولها»، مؤكداً أيضاً «لا أعتقد شخصياً بأن هناك معوقات تقنية تمنع شراء الطائرات الروسية، كما أنه ليس هناك اعتراض من الطيارين السوريين عليها». الطيار السوري مدرب للعمل على أي طائرة ويبين الطيار بأن الطائرات الروسية ليست عالمية، وإذا انتقلت للعمل فيها سأخسر حتماً الطراز السابق، ولن تقبل الشركات العالمية بي للعمل معها، وهو ما يثير مخاوف بعض الطيارين وليس كلهم، كما أن أي طيار مدرب ليكون رباناً لأي طائرة مهما كان نوعها فلا مشكلة إن كانت الطائرة روسية، خاصةً أن فترة التدريب عليها لن تتعدى 45 يوماً فقط، مع 20 تدريب إقلاع وهبوط. ويذكر المصدر بأن مؤسسة الطيران السورية تملك نحو 160 طياراً، يعمل 80 منهم بشكل فعلي، في حين أن 24 منهم معينين في المؤسسة فقط لكنهم عاطلون عن العمل الآن، ولا يقومون بتنفيذ رحلات جوية، وهؤلاء يمكن أن يشكلوا عماداً بشرياً للطائرات الروسية في حال استقدامها، لكن منذ أكثر من 17 عاماً، وهم يتحدثون عن إدخال الطائرات الروسية إلى البلد دون تنفيذ شيء. طائرات تيو 204 الروسية تم إيقاف إنتاجها بدوره يرى الكابتن ماهر الرفاعي أن كل المسؤولين الذين ذهبوا بمهمات إلى روسيا سابقاً ظاهرها إبرام عقود لشراء طائرات روسية، كانت حقيقةً مهمات وهمية، ومنذ بداية الأزمة لم تكن الطائرات الروسية تصنع أصلاً مثل طائرات (تيو 204) بل تم إيقاف إنتاجها، حتى الطائرة (تيو ون فور) بقيت ضمن الدراسة ولم تحصل على الموافقة للطيران. ويذكر الرفاعي بأن الروس حالياً سيأخذون الموافقة من الطيران المدني (أف أي أي) الأمريكي والأوروبي على استخدام (أم سي21) والتي غالباً إذا اعتمدوا هذه الطائرة بعد إجراء فحوصات عليها ستصبح طائرة عالمية، وهي مناسبة بالنسبة لنا ويمكن أن نحصل عليها ضمن عروض مميزة كونها جديدة على السوق وبأسعار مناسبة. منظومة غلوناس… بديل «جي بي إس» ويشرح الرفاعي بأنه ضمن العقوبات الأمريكية يجب ألا تتجاوز نسبة الصناعة الأمريكية في الطائرة 10% فقط، وما يهم التقنية الأمريكية الموجودة فيها، حيث أن نظام (جي بي إس) والقطع الملاحية والإلكترونية المتقدمة مسيطر عليها أمريكياً وهي أقمار صناعية أمريكية تستخدم (جي بي إس)، وعلى الرغم من ذلك، فالروس لديهم منظومة أخرى تدعى (غلوناس) وفي حال نجحوا في إدخالها على الطائرات يصبح بإمكانهم حينئذ تجاوز العقوبات الأمريكية، إذ أنه في ظل عدم وجود (جي بي إس) لا يمكن أن تطير الطائرة حتى نحو الخليج. طائرات إم سي 21 أرخص من الإيرباص وينوه الرفاعي بأن الروس استطاعوا تجاوز العقوبات الأمريكية بصناعة محركات روسية، لكن تبقى مسألة المنظومة الملاحية المتقدمة، وفي حال حصل ذلك ستكون صفقة رابحة لسورية، وهي طائرات أرخص من الأوروبية مثل (الإيرباص)، خاصة أننا سنكون من أوائل من يحصل عليها، وربما يقيمون مركز صيانة لها في سورية، كما أن سعر (الإيرباص 320) يصل إلى 100 مليون دولار، في حين أن نظيرتها الروسية تقدر بنحو 40 مليون دولار تقريباً. ويشير الرفاعي إلى أنه إذا طُرحت (إم سي 21) فهي تضاهي (الإيرباص)، ولا يمكن أن ترفض دول الخليج أو غيرها استخدام هذه الطائرات لأنها محققة لكل المواصفات مثل الضجيج والملاحة والانبعاثات الغازية. لا عقود مع الروس ويختم الكابتن الرفاعي بالقول «هناك كلام بأن الطيارين السوريين هم من أوقفوا الصفقة، لكن هذا الكلام غير صحيح، لأننا بالأصل لا نستطيع أن نتدخل إلا بالأمور الفنية وليس الصفقات، ومن جهة أخرى، لم تشكل لجان فنية لنعبر عن رأينا فيها، وكل ما قيل من 2010 حتى 2016 عن دراسة صفقات هو كلام إعلامي وهمي ولم تحصل دراسة فنية أو يوقع أي عقد. مصدر خاص في المؤسسة السورية للطيران ذكر أنه منذ 3 سنوات أي منذ 2015 لم تطرح فكرة شراء طائرات روسية على الطاولة بشكل فعلي، وكل ما نشر قبل الأزمة مجرد دعايات إعلامية. الحظر منع شراء طائرات إيرباص وبوينغ يصرح ميمون عبد الرحيم معاون مدير عام المؤسسة العربية السورية للطيران أن أي مؤسسة طيران تسعى لتحديث أسطولها من خلال خطط سنوية يتم دراستها، لكن خلال الفترة الماضية تعرضت المؤسسة للحظر بسبب العقوبات الغربية، ما أعاق تحديث أسطول الطائرات رغم الحاجة الماسة لذلك، لا سيما وأن الحظر طال أمده، وهو مفروض على المؤسسة قبل الحرب وزاد في ظلها، ما حال دون شراء طائرات من الشركات العالمية (إيرباص وبوينغ). ويروي عبد الرحيم بأن الحظر شمل كذلك قطع الصيانة والغيار والتبديل والمعدات الأرضية وتعمير الطائرات ومحركاتها، وبالتوازي منعنا مع بداية الأزمة من الطيران نحو المطارات الأوروبية، ما أثر سلباً على المواطن السوري بالدرجة الأولى وحركة النقل الجوي، لذلك نسعى للتشاور والتعاون مع دول صديقة لتعزيز أسطول المؤسسة، وهناك مباحثات ومشاورات للتزود بطائرات عندما تسمح الظروف بذلك، إذ لم يوقع أي عقد حتى الآن، حيث أن من ضمن تبعات قرارات الحظر ألا تتجاوز نسبة التصنيع الغربي المنشأ فيها نحو 10% حتى لو كان الشركات المصنعة للطائرات من دول صديقة، بما يحول دون بيع هذه الطائرات تجارياً. ينوه عبد الرحيم بأن طائرات (أم سي 21) هي أحد الخيارات الواعدة ونأمل أن نكون سباقين في الحصول عليها، في منطقة الشرق الأوسط، بعد اعتماد الطراز من سلطات الطيران المدنية والتأكد من وثوقيتها ودراستها فنياً وتجارياً بشكل دقيق، فنحن بحاجة لشراء 4 طائرات ضمن الرؤية الحالية والجدوى الاقتصادية. ويستبعد عبد الرحيم مسألة وجود مجموعة ضغط من الطيارين السوريين لمنع صفقات بالقول «الطيار السوري هو موظف في المؤسسة، وهو يطير على الطائرات التي تملكها المؤسسة، ودراسة طائرات جديدة يخضع لشروط معينة، والأمر الطبيعي أن نختار الأفضل، فلا ضغط من طيارين سوريين في هذا المجال لمنع الصفقة مع الروس، وعندما تتاح الفرصة لشراء طائرات من دول صديقة سنفعل ذلك ما إن يعتمد من سلطات الطيران المدني العالمي ولكن يبقى موضوع السلامة خط أحمر لا نتجاوزه». و يشدد عبد الرحيم على فكرة أن الأسطول السوري لا يملك غير طائرتين هي معلومة خاطئة، فحالياً «نعمل على 3 طائرات إيرباص 320 وإيرباص 340 وطائرة من طراز (تيو) للرحلات الداخلية، ولدينا طائرات متوقفة عن العمل نتيجة صعوبة إجراءات الصيانة ونسعى لإعادتها إلى الخدمة بالتعاون مع دول صديقة وفق توجه الحكومة، ضمن واقع خارج عن إدارة المؤسسة»، أما بالنسبة لمقولة إن الشركات الخاصة تمتلك عدد طائرات أكبر مما تملكه المؤسسة، فهو غير دقيق، كما أن تلك الشركات غير مدرجة ضمن العقوبات، في حين أن مؤسسة الطيران العربية السورية مذكورة بالاسم ضمن لائحة الحظر.. ويختم معاون المدير العام قائلاً «لا يوجد في سوق الطيران مبدأ استعارة طائرات، لكن هناك مبدأ استئجار وله نوعان رطب وجاف، والفرق في آلية التشغيل والشعار على الطائرة، ومن يقوم بالعمل عليها هل هم الطيران السورية أم الشركة المؤجِّرة؟؟ ورغم ذلك لا يخلو من المصاعب فهي تخضع لظروف العقوبات حتى لو كانت الطائرات المؤجرة من دول صديقة، فاستئجار طائرة من أي شركة قد يعرضها لعقوبات، كما أن هناك شركات ترفض التعامل مع مؤسسة الطيران بسبب العقوبات ذاتها، فالمؤسسة مراقبة بشكل دائم، ونحن نسعى لحلول دائمة، وليست مؤقتة». تبقى مسألة تحديث الأسطول السوري أحجية لم تفك رموزها بعد، فعلى الرغم من وجود العقوبات الاقتصادية على إيران لسنوات فقد استطاعت شراء طائرات جديدة، كما استفادت من مسألة رفع العقوبات الغربية خلال فترة ما بعد الاتفاق النووي لرفد أسطولها مجدداً، ومن الواضح بأن التلكؤ في سورية يدعو إلى الشك والريبة، إضافة إلى القلق على مستقبل الطيران المدني في سورية برمته الأيام - محمد الواوي