قادة المسلحين في المناطق المحررة يتحكمون برقاب البشر «بضمانة حكومية» جماعة «إسقاط النظام» سابقاً يعودون إلى «حضن الوطن» من بابه الواسع: «نحنا الدولة ولاااك»!
لم يعد من المستغرب أن تصادف رتلاً من السيارات ذات الدفع الرباعي والزجاج «المفيم» تقطع الطريق من الطرف المخصص للعسكريين من دون أن يقدم أحد على توقيفه أو التحدث إلى من بداخله. ستكتشف فيما بعد أن من كان داخل هذه السيارات ليسوا قادة جيش ميدانين، ولا هم خبراء عسكريون يتنقلون بسيارات «مفيمة» ومن دون لوحة من باب التخفي من المتربصين بأمن بلادنا، بل هم قادة لمجموعات مسلحة قرروا أن يتوبوا ويعودا إلى «حضن الوطن» لكنهم عادوا مع ضمانة البقاء بكامل أبهتهم وسلطتهم. «دولة» داخل الدولة يترقب أحمد(ع) عودة ذويه من قريته المحررة مؤخراً، لم يعد أحمد (39 سنة) إلى قريته في الريف الشمالي لمحافظة القنيطرة بعد أن تم تحريرها عبر المصالحات التي انخرطت فيها مجموعة كبيرة من القرى والبلدات، بل اضطر أحمد (موظف في إحدى الدوائر الحكومية في مدينة خان أرنبة) للنزوح مع عائلته قبل ست سنوات، بعد أن بدأت الاشتباكات في قريته بين معارضين مسلحين وخارجين عن القانون، وبين قوات الجيش السوري في منطقته. واليوم سُمح للأهالي بالعودة إلا بعض الأشخاص فقد طالب قادة المسلحين الذين تفاوضوا مع الحكومة والجانب الروسي، بعدم عودتهم إلى القرية بحجة أن هؤلاء أضروا بهم وكانوا يرسلون تقارير أمنية للجهات الحكومية! ليس هذا فحسب، بل إن بعض قادة المسلحين هددوا بقتل الأشخاص الذين لا يقبلون بعودتهم في حال عادوا إلى القرية، ويقول أحمد لـ «لأيام»: لا أجرؤ حاليا على العودة رغم عدم إقدامي على الأعمال التي يتهمني بها المسلحون، لكن لا يوجد حماية حالياً لنا، حيث لم يتم سحب السلاح الخفيف من أيدي المسلحين بعد التسوية التي حدثت، ولا يوجد شرطة أو قوى أمنية في منطقتنا لذلك أفضل عدم العودة حاليا إلى قريتي ريثما تستقر الأمور. من جهته، يراقب سعيد حمد (مدرس من إحدى قرى الريف الجنوبي للقنيطرة)، السيارات التي يتنقل بها المسلحون ضمن القرية بعد أن تمت المصالحة الوطنية في بلدته. ويشير إلى أن معظم من يتنقلون بسياراتهم الفخمة الخالية من النمر، هم من كانوا يقاتلون ويحرضون ضد الدولة خلال ست السنوات التي مضت. وعدد كبير منهم سرق ونهب منازلنا، واليوم نراهم يتحكمون بنا من جديد، ولديهم الأموال فتمكنوا من إعادة بناء منازلهم والعودة إلى أراضيهم من دون أن تتم محاسبتهم على السيارات المسروقة والأموال المنهوبة، بينما نحن من فضلنا البقاء في كنف الدولة نزحنا وخسرنا أموالنا، واليوم لا نستطيع نقول للحرامي حرامي، لأنه هو من يفاوض ويمتلك زمام الأمور. يتابع سعيد: أخشى أن تبقى الأحقاد دفينة الصدور وتنفجر في أي وقت، فالناس ظُلموا ولا أحد يسمع صوتهم، بينما طلبات المسلحين مجابة، فعدد كبير من أبناء القرية تعرّض للتوقيف لدى جهات أمنية معينة بسبب التواصل أو القرابة أو التعامل مع هؤلاء الأشخاص. بينما تم الإعفاء عنهم وعادوا للتحرك كيفما أرادوا من دون محاسبة وهذا ظلم كبير لنا. على مقاعد الإدارة المحلية تفاجأ عدد من أهالي منطقة القلمون الغربي بوجود أسماء ضمن القوائم الانتخابية في مجالس الإدارة المحلية، لأشخاص كانوا يتحكمون بالمنطقة في الفترة الماضية وهم ممن حملوا السلاح بوجه الدولة. تقول «ياسمين» الناشطة في المجتمع المدني بمنطقة القلمون (اسم مستعار) لـ «لأيام»: تفاجأنا بوجود أشخاص رشحوا أنفسهم للمجالس المحلية في البلديات ومجلس المحافظة، وتضيف: نحن نحتاج إلى عدالة حقيقية بين المواطنين، هناك أشخاص وصلوا إلى التسوية عبر الفساد والرشاوى ويريدون أن يتحكموا بالمواطنين العاديين من جديد، لكن هذه المرة تحت راية الدولة. وتتابع ياسمين: يتواصل معنا العشرات من الأشخاص يومياً، ممن يريدون العودة، وهم من الأشخاص الذين لم يحملوا السلاح ولم يتورطوا بأي أعمال قتالية، لكنهم لا يملكون المال للدفع من أجل التسويات. وتقول نحن لسنا ضد التسويات التي حصلت وتحصل، لكن هذه العملية تبقى ناقصة في ظل استباحة المتنفذين لصفوف المسلحين. وتضيف: نخشى أن يصبح هؤلاء منظومة واسعة من الفساد، فأنت تستطيع أن تميزهم من خلال السيارات التي يمتلكونها ومن خلال الملابس التي يرتدونها ومن خلال طريقة حديثهم مع الناس، فهم يعتقدون أنهم الدولة حاليا لأنه يتم التشاور معهم من قبل بعض المؤسسات الحكومية. أبو سمير يونس من سكان قرى القنيطرة المحررة مؤخراً، يقول هو الآخر: نظرا للأحداث التي جرت في قرانا اضطررنا للسكن في مدينة دمشق، وعندما عدنا إلى قرانا ومنازلنا، جلبنا بعض الأغراض كأثاث للمنزل وعدنا إلى بيتنا في دمشق. يضيف: «قبل أيام اتصل بنا أحد الأقارب ليقول إن منزلنا تعرض للسرقة من دون أن يتمكن أحد من الإشارة إلى السارق الحقيقي». ويؤكد أبو سمير أن جميع أهل القرية يعرفون جيدا من هم السارقون الذين سرقوا منازلنا قبل أن تحدث المصالحة ولم يُعاقبوا، واليوم يعودون للسرقة مجددا. وعندما طالبنا بمحاكمتهم أو إلقاء القبض عليهم قال لنا من كانوا ضد الدولة ويتحكمون بالقرية تعالوا واحموا منزلكم بأنفسكم. ويتابع: لمن نشتكي اليوم؟ هناك مخفر للشرطة لكنه صوري، ولا أعتقد أن عناصره يجرؤون على الدخول إلى القرية وإلقاء القبض على المسلحين، والذين يعرفهم الجميع أنهم السارقون، بحجة أن هؤلاء تابوا وعادوا إلى «حضن الوطن». حضن الوطن… الواسع ترى عضو مجلس الشعب سناء أبو زيد في حديثها لـ «الأيام» أن المصالحات التي حدثت في سورية هي أمر ضروري كي تتعافى سورية، وتتابع: في الفترات الماضية التقيت بعدد من أبناء الريف الحمصي، الذين حملوا في وقت سابق السلاح، لكنهم أبدوا رغبتهم في المصالحة والعودة إلى حضن الوطن. وكانت القيادة حكيمة في هذا الأمر، حيث قررت أن تستوعب جميع أبنائها وتقوم بالتسويات. موضحةً: «نحن مشينا بهذا الأمر لأنه كان السبيل لوقف حمام الدم، ولكن بشرط أن تحصل الناس على حقوقها، فمن ارتكب خطأ ومن قتل أو نهب أو دمّر ستتم محاسبته سواء من باب الحق العام أو من باب الحق الشخصي الذي لم يتم التنازل عنه من قبل الحكومة». وتضيف: هناك نقمة لدى البعض وجدناها عندما حدثت انتخابات الإدارة المحلية، حيث اشتكى عدد من الناس من ترشح البعض رغم أن أخا أو عمّا أو أبا لهم كان مسلحا أو يتعامل مع المسلحين وهذا أمر يجب علينا أن نفرح بسببه، إذ لا يمكننا أن نحكم على الأشخاص بسبب أعمال غيرهم. يرفض عدد من الأشخاص الذين يعملون في «المصالحة الوطنية» أن يعطوا رأيهم بمجريات المصالحات، التي أصبح بموجبها عدد من أمراء الحرب في مناطق مختلفة من سورية يتحكمون من جديد بمجريات الأمور في مدنهم وقراهم، و باتوا يشكلون سلطة أمر واقع، ولهم كياناتهم ونفوذهم سواء بسبب الأموال التي جمعوها أو بسبب السيطرة التي ما زالوا يتمتعون بها، وكل ذلك من دون الالتفات إلى احتياجات المواطنين الذين صبروا ورفضوا الخروج من قراهم وتحملوا الحرب ومآسيها، ليعودوا ويقعوا تحت رحمة هؤلاء «التائبين» من «أمراء الحرب» القدامى الجدد! نسرين علاء الدين الايام