سوء الظروف المعيشية يدهور صحة السوريين النفسية: الاكتئاب ومحاولات الانتحار في ازدياد!
لم تنجح محاولات الانتحار المتكررة التي قام بها الشاب الثلاثيني أحمد (موظف حكومي)، بعد أن ضاق ذرعاً بالضغوط النفسية والاقتصادية التي ألمت به، فقام بابتلاع عدة أنواع من عقاقير طبية مختلفة سببت له حالة من التسمم المعوي الشديد. وبات أحمد مؤخراً، بحسب ما صرح به لموقع “بزنس 2 بزنس سورية”، لا يأكل هو وزوجته وابنته البالغة من العمر 3 سنوات إلا وجبة واحدة من “الفلافل” يومياً، لكي يستطيع تأمين إيجار شقته في حي عشوائي بمنطقة جرمانا بريف دمشق. ويضيف أحمد في حديثه للموقع ذاته أن راتبه المؤلف من 35 ألف ليرة سورية لا يكفيه لأكثر من أسبوع، وأنه لم يجد حلاً أمامه سوى الانتحار عله ينتهي من تلك الضغوط الاقتصادية التي سببت له عدد كبير من الأمراض النفسية والجسمية. حالة أحمد تتشابه مع مواطنين آخرين يشاركونه تلك الضغوط، يقبعون تحت خط الفقر ويعانون من انعدام الأمن الغذائي، حيث أظهرت نتائج أحدث تقرير للمكتب المركزي للإحصاء بشأن مسح تقييم الأمن الغذائي 2017 أن أقل من ربع سكان سورية يعتبرون آمنون غذائياً (بنسبة 23.4%) والنسبة المتبقية من السكان موزعة بين 45.6% ضمن فئة معرض (هامشي) لانعدام الأمن الغذائي ونسبة 31% غير آمن غذائياً. ولليوم، لا يزال أحمد وأسرته تحت خط الفقر، لكن مع أوضاع معيشية ونفسية صعبة، حيث يقول أحمد لـ “بزنس 2 بزنس” أنه منذ فترة وجد عملاً إضافياً بعد دوامه الحكومي صباحاً، حيث التحق بعمل آخر في أحد المطاعم، وبالرغم من أنه لم يعد يحصل إلا على 4 ساعات من النوم يومياً فقط، إلا أن وضعه المادي لم يتحسن فكلما جهز مبلغاً من المال ليقتني شيئاً للأسرة أو للمنزل ارتفعت الأسعار عدة أضعاف وأصبح المبلغ غير كافياً. ويتابع أحمد: “اضطررت لترك العمل الإضافي بسبب الضغوط النفسية، فأصبحت مائلاً للانعزال وأشعر باكتئاب حاد معظم الوقت، وأكاد لا أرى أسرتي فلا وقت لدي للحياة الاجتماعية، بل أسعى لتحصيل لقمة العيش فقط”. من المؤكد أن العجز الحكومي في تحسين مستوى المعيشة يحد من تقديم خدمات للمجتمع، كتوفير فرص العمل، وتقديم الخدمات الصحية، حيث يترتب على كل هذا نتائج كارثية مثل زيادة الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والبطالة، والتي يترتب عليها بصورة كبيرة تعاطي المواد المخدرة والإدمان، كما يمكن للخوف من المستقبل أن يصيب الإنسان بأزمات نفسية، نتيجة انسداد الأفق وفقدان الأمل في الغد، ونتيجة لعدم الأمان. كل هذه الظروف المعيشية الصعبة جعلت المرض النفسي ينهش ملايين السوريين، على اختلاف أنواعه، وأصبح مصطلح «مريض نفسي» أكثر تداولاً خلال سنوات الحرب، وبات الكثير من السوريين يسعون للحصول على علاج نفسي. من جهته، كشف مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة رمضان محفوري في تصريح سابق عن وجود أكثر من 4 مليون شخص يحتاجون للاستشفاء من الأمراض النفسية الشديدة ومتوسطة الشدة في سورية نتيجة الحرب التي تتعرض لها البلاد. ويضيف محفوري، أن نسبة الاضطرابات النفسية عامةً متشابهة في كل البلدان، وتزداد في وقت الأزمات وتصل إلى الضعف في الأزمات المعقدة كما الأزمة السورية، ويقول: «تقسم تلك الأمراض بنحو طبيعي إلى ثلاثة أقسام: الاضطرابات النفسية الشديدة التي تراوح بين 1 و2% من العدد الكلي للسكان، ويمكن القول إنها ارتفعت في سوريا بعد سبع سنوات من الحرب لتصل إلى 5%، والاضطرابات المتوسطة الشدة التي تكون عادة بين 8 إلى 10%، وفي أحسن الأحوال قد وصلت نسبتها إلى 15%، والاضطرابات الخفيفة التي تكون بحدود 20 إلى 25% حسب التقديرات العالمية». ووفقاً لآخر تصريح للمكتب المركزي للإحصاء بأن عدد سكان سوريا نحو 28 مليون نسمة، واعتبار أن النسبة يمكن حسابها على 20 مليون نسمة (وفقاً للدكتور محفوري) فإن مليون سوري على الأقل يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، ومن الضروري والعاجل تقديم الخدمات الطبية النفسية إليهم، و3 ملايين يعانون من اضطرابات متوسطة الشدة بحاجة بالحد الأدنى إلى دعم نفسي. مصدر في وزارة الصحة، كشف عن أحدث الإحصائيات فيما يخص أعداد المرضى النفسيين في المشافي الحكومية الثلاثة الخاصة بالاضطرابات النفسية، حيث ازداد عدد المرضى المقيمين في مشفى ابن رشد (دمشق) من عام 2014 حتى 2017 بنسبة 13.3% تقريباً، فبعد أن كان عددهم 420 مريضاً مقيماً عام 2014، وصل إلى 476 عام 2017، وفي مشفى ابن سينا (ريف دمشق) كانت الزيادة بنسبة 41% تقريباً، فكان العدد 365 مريضاً عام 2014 وصل إلى 514 عام 2017، وفي مشفى ابن خلدون (حلب)، الذي انقطع عن الخدمة منذ منتصف عام 2015، بلغ عدد المرضى 3940 مريضاً مقيماً عام 2015، ووصل العدد إلى 4163 عام 2017، أي بنسبة زيادة 5.7% تقريباً. وأشار المصدر إلى أن هذه الإحصائيات لا تمثل الخدمات المقدمة لكل مراجعي المشافي في العيادات الخارجية، وإنما فقط المرضى المقيمين الذي أقاموا على الأقل ليوم واحد في المشفى، وبالتالي هؤلاء هم ممن يعانون اضطرابات نفسية شديدة ويشكلون خطورة جدية على أنفسهم أو على الآخرين، ويحتاجون إلى إشراف طبي مركّز. من جهة أخرى، أكد ممثل منظمة الصحة العالمية إياد يانس في تصريح سابق له، عدم توفر أرقام رسمية تخص أعداد المنتحرين في سورية بسبب الأمراض النفسية، لأن المشافي لا تسجل السبب الحقيقي للانتحار وكذلك في شهادة الوفاة لا يتم ذكر سبب الوفاة الحقيقي وهذا يسبب عجزاً في توثيق أعداد المنتحرين. وتدفع تلك الضغوط النفسية والاقتصادية بسبب ارتفاع الأسعار من يعانون منها إلى اتخاذ قرارات تدمر أسرهم، مثل أحمد وغيره، لا سيما بالنسبة للطبقات الكادحة التي كانت تعاني أصلا من انعدام الأمن الغذائي، فإن ازدياد الضغط عليها يزيد الأمر سوءاً، فتكون النتيجة أنهم لا يحاربون الغلاء فقط، بل يحاربون ما يسببه في أعماق نفوسهم. بزنس 2بزنس