معرض دمشق للكتاب… الرفوف بقيت مُمتلئة
اختُتم أول من أمس معرض الكتاب الدولي في دمشق بدورته الثلاثين (انطلق عام 1985)، بشعاره لهذا العام «مجتمع يقرأ… مجتمع يبني»، والذي عُرض فيه آلاف العناوين من مختلف التخصصات، وكانت غالبيّتها من الإصدارات الحديثة… ملاحظات نقدية عدة وجِّهت إلى إدارة المعرض، والتي بدورها عرضت الجهود التي بذلتها لإنجاحه، وبرّرت ما وجّه إليها من اتهامات الزيارة الأولية إلى معرض الكتاب الدولي في دمشق قد تمنح الزائر انطباعاً إيجابياً، استناداً إلى النظرة العامة إلى هذه الفعالية السنوية التي كسرت رهاب الحرب وتابعت مشوارها. كل شيء يبدو على ما يرام؛ من تنسيق أجنحة المعرض، عدد الدور المشاركة، الفعاليات الثقافية المرافقة، الإقبال الجماهيري، وغيرها من الخطوط العريضة التي تتشابك في إطار هذه الفعالية. ولكن بعد الغوص بين الأجنحة والمشاركين، والاقتراب من الرفوف والزوار، تظهر علامات استفهام كثيرة، قد تكون الإجابات المطروحة من قبل القائمين على المعرض غير شافية لوضع حدّ لها. أسعار نار سخط شبه عام على أسعار الكتب الموجودة في المعرض، والتي تعتبر مرتفعة جداً مقارنة بالرواتب المنخفضة لغالبية المواطنين، على رغم ورود شرط وضع حسم بنسبة لا تقل عن 25%، على جميع دور النشر المشاركة. الكثير من الزوار اقتنوا كتاباً أو اثنين فقط، بعد زيارة مطوّلة لجميع الأجنحة، فيما اندثر المخطط والرغبة باقتناء عشرات الكتب على الأقل، بعدما كان كثيرون ينتظرون هذا الحدث السنوي للحصول على عدد من المطبوعات تكفيهم عاماً كاملاً. فراس القاضي (صحافي)، خرج من المعرض «صفر اليدين»، رامياً بقصاصة الورق التي تحتوي قائمة لعدد من الكتب التي كان يود اقتناءها، بعدما حالت المبالغ المرتفعة دون ذلك. انتقد القاضي الأسعار بشدة، خصوصاً «العناوين الكبيرة»، معتبراً أن الكتاب الذي يُباع بـ1500 ليرة سورية لا يلزمه كمثقف. وعاتب دور النشر الحكومية (اتحاد الكتّاب العرب والهيئة السورية للكتّاب ووزارة الثقافة) على عدم احتواء أجنحتها على أمّهات الكتب العربية والعالمية بالأسعار المخفضة، والتي تضعها على باقي كتبها ذات القيمة الأقل. «غالبية مقتنيات مكتبتي، التي جمعتها على مدى أكثر من 25 عاماً، كانت من معارض الكتب، لكن للأسف المكتبة احترقت مع احتراق منزلنا في مدينتي دير الزور، ويبدو أن الحلم بإعادة بنائها لن يتحقق»، قال القاضي متحسّراً. إلا أنه أشاد، من جانب آخر، بالفعاليات الثقافية التي أقيمت على هامش المعرض، خصوصاً حفلات توقيع الكتب، التي تجاوز عددها الـ110 حتى قبل يومين من انتهاء المعرض، وفي هذا الإطار، رأى أن «هذا يدلّ على عودة الروح إلى صناعة النشر في سوريا، بعد 7 سنوات من الحرب». الشاب نزار، الذي يعمل في أحد دور النشر السورية الخاصة، يعترف بأن أسعار الكتب مرتفعة عمّا كانت عليه العام الماضي، معتبراً في الوقت ذاته أن المبيع اليومي، الذي يصل إلى 150 ألف ليرة سوريّة، غير مرضٍ مقارنة بما كان عليه في الدورة السابقة للمعرض، والتي كانت تتجاوز 250 ألف ليرة سورية، مشيراً إلى أنه «حتى التخفيضات التي يعرضها الدار وتصل إلى 40% لم يكن لها التأثير الكبير على حركة المبيعات». مع ذلك، يؤكد نزار أن «معرض كتاب دمشق يُعتبر من أرخص المعارض من حيث تكاليف المشارَكة، فنحن كدار نشر بالكاد ندفع تكلفة الخدمات المقدمة لنا». أسباب أخرى نتالي الحمصي (محامية)، خرجت من المعرض تحمل كيساً فيه من الكتب ما لا يتجاوز أصابع اليد، وهي تشير إلى أنها بعد جولة امتدت لثلاث ساعات لم تحقّق غايتها المرجوّة، موضحة أن السبب لم يكن مادياً، وإنما غياب عناوين محدّدة. «الكتب التي طلبتها ليست ممنوعة من النشر (على حدّ علمي)، إلا أن قلّة عدد دور النشر المشارِكة من خارج سوريا صعّبت علي المهمة»، قالت نتالي، لافتة إلى أن «الدور الموجودة برّرت عدم وجود تلك العناوين بفرض إدارة المعرض تواريخ معيّنة للمطبوعات تعود إلى ما بعد عام 2010». معرض الكتاب الدولي الذي توقّف لمدة 4 سنوات خلال الحرب، يعود اليوم بحجم أكبر 45% عمّا كان عليه، العام الماضي، من حيث مساحة الإشغال، وفقاً لمدير «مكتبة الأسد الوطنية»، إياد مرشد، الذي أوضح لـ«الأخبار» أن عدد المشارَكات من دور النشر بلغت مئتين، 32 منها فقط دور نشر عربية وأجنبية (من مصر ولبنان والعراق والمغرب وروسيا والدنمارك وإيران). ورأى أن «هذا الرقم طبيعي جداً مقارنة بأرقام ما قبل الحرب، حيث كانت تبلغ المشاركات الكلية في عام 2010 وما قبلها بسنوات، حوالى 300 دار نشر». أما في ما يتعلّق بتحديد عمر المطبوعات، فقد أوضح مرشد أن «الإدارة لا ترغب في أن يكون المعرض لما هو موجود في مستودعات دور النشر فقط، وإنما تصرّ على عرض أحدث الإصدارات». وأضاف أنه «بعد إلحاح دور النشر على مشاركة إنتاجات ما قبل الحرب تم قبول مشاركة المطبوعات من عام 2008 حتى عام 2018». ثم أشار إلى أن «إدارة المعرض تداركت لاحقاً حاجة القارئ إلى أمهات الكتب، والتي لا تنتهِ بعمر زمني، فمنحت فرصة لكل دار نشر مشارِكة باختيار 50 عنواناً من مطبوعاتها لأهم الكتب المرجعية والموسوعات والمصادر، مهما كان تاريخ طباعتها، مع الإشارة إلى إلزام جميع الدور بحدٍّ أدنى للحسم على الأسعار لا تقل عن 25% لمطبوعات ما بعد 2010، ولا تقلّ عن 40% لمطبوعات ما قبل ذلك العام». وعن غياب أسماء عددٍ من الدور العربية المهمة، أكد مرشد أنه «لم يجرِ رفض طلب مشاركة أي دار نشر، بل كان باب المعرض مفتوحاً للجميع، إلا أن الصعوبات التي واجهت بعض الدور العربية، من تكاليف وضيق الوقت، واضطرارها للمرور بمطار بيروت قبل الوصول إلى مطار دمشق، هو ما حال دون مشاركتها». وبالنسبة للكتب التي مُنعت من العرض، قال: «لم يمنع إلا الكتاب الذي يسيء إلى الشعب السوري وتضحياته، بالإضافة إلى كل كتاب سوري لم يحصل على موافقة تداول من وزارة الإعلام، وهذا من حق أي جهة منظِّمة». الأخبار